عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء الخامس
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
ابن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى « وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » قال : الرسل والأئمة من أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله .
وفي رواية إبراهيم في هذه الآية قال : الأنبياء والأوصياء(1) .
الإمامان الجعفران عليهماالسلام في قوله تعالى « فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ » فهو أمير المؤمنين « فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ » وأنكر ولاية علي عليه السلام «فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ » فهي النار جعلها اللّه له أمّا ومأواه .
قال الحميري :
وقوله الميزان بالقسط وما
غير علي في غد ميزانه
ويل لمن خفّ لديه وزنه
وفوز من أسعده رجحانه
* * *
ص: 9
أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى «فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ »
علي بن أبي طالب(1) عليه السلام .
تاريخ بغداد ، وفردوس الديلمي ، وخصائص النطنزي ، بالإسناد عن محمد بن شهاب عن أنس قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :
عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالب(2) عليهماالسلام .
* * *
قال محمد بن السمرقندي :
آل النبي ذريعتي
وهم إليه وسيلتي
أرجو بأن أعطى غدا
بيد اليمين صحيفتي
* * *
الشيرازي في كتابه وأبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مسلم النظير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :
إذا كان يوم القيامة أمر اللّه مالكا أن يسعّر النيران السبع ، وأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمانية ، ويقول : يا ميكائيل ، مدّ الصراط
ص: 10
على متن جهنم ، ويقول : يا جبرئيل ، انصب الميزان تحت العرش ، وناد : يا محمد ، قرّب أمّتك للحساب .
ويأمر اللّه - تعالى - أن يعقد على الصراط سبع قناطر ، طول كلّ قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ ، وعلى كلّ قنطرة سبعون ألف ملك قيام ، فيسألون هذه الأمّة - نساؤهم ورجالهم - على القنطرة الأولى عن ولاية علي بن أبي طالب وحبّ آل محمد عليهم السلام .
فمن أتى به جاز القنطرة الأولى كالبرق الخاطف ، ومن لم يحبّ أهل بيت نبيه سقط على أمّ رأسه في قعر جهنم ، ولو كان له من أعمال البرّ عمل سبعين صدّيقا .
وعلى القنطرة الثانية يسألون عن الصلاة ، وعلى الثالثة يسألون عن الزكاة ، وعلى القنطرة الرابعة عن الصيام ، وعلى الخامسة عن الحجّ ، وعلى السادسة عن العدل ، فمن أتى بشيء من ذلك جاز كالبرق الخاطف ، ومن لم يأت عذّب .
وذلك قوله « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ » يعني معاشر الملائكة ، « وَقِفُوهُمْ » يعني العباد على القنطرة الأولى عن ولاية علي عليه السلام ، وحبّ أهل البيت(1) .
وسئل الباقر عليهماالسلام عن هذه الآية قال : يقفون فيسألون « ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ » في الآخرة كما تعاونتم في الدنيا على علي عليه السلام .
ص: 11
قال : يقول اللّه « بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ » ، « فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ » إلى قوله : « كَالُْمجْرِمِينَ » .
محمد بن إسحاق ، والشعبي ، والأعمش ، وسعيد بن جبير ، وابن عباس ، وأبو نعيم الأصفهاني ، والحاكم الحسكاني ، والنطنزي ، وجماعة أهل البيت عليهم السلام « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ » عن ولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلاموحبّ أهل البيت(1) عليهم السلام .
الرضا عليه السلام إنّ النبي صلى الله عليه و آله قرأ « إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤ'دَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤلاً » فسئل عن ذلك ، فأشار إلى الثلاثة ، فقال : هم السمع والبصر والفؤاد(2) ، وسيسألون عن وصيّي هذا ، وأشار إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
ثم قال : وعزّة ربّي إنّ جميع أمّتي لموقوفون يوم القيامة ، ومسؤولون عن ولايته ، وذلك قول اللّه تعالى « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ »(3) .
ص: 12
تفسير وكيع بن سفيان عن السدي في قوله « فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ »عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم قال : « عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ » عن أعمالهم في الدنيا(1) .
أبو جعفر عليه السلام في قوله « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » يعني الأمن ، والصحّة ، وولاية علي بن أبي طالب(2) عليهماالسلام .
التنوير في معاني التفسير : الباقر والصادق عليهماالسلام : « النَّعِيمِ » ولاية أمير المؤمنين(3) عليه السلام .
مواهب اللّه عندي جاوزت أملي
وليس يبلغها قولي ولا عملي
لكنّ أشرفها عندي وأفضلها
ولايتي لأمير المؤمنين علي
* * *
الثعلبي في تفسيره عن مجاهد عن ابن عباس ، وأبو القاسم القشيري في تفسيره عن الحاكم الحافظ عن أبي برزة ، وابن بطّة في إبانته بإسناده عن أبي سعيد الخدري ، كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
ص: 13
لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت(1) .
أربعين المكي وولاية الطبري : فقيل له : فما آية محبّتكم من بعدكم ؟ فوضع يده على رأس علي عليه السلام ، وهو على جانبه ، فقال : إنّ حبّي من بعدي حبّ هذا(2) .
منقبة المطهرين عن أبي نعيم : فقال عمرو : ما آية حبّكم يا رسول اللّه ؟ قال : حبّ هذا ، ووضع يده على كتف علي عليه السلام ، وقال : من أحبّه فقد أحبّنا ، ومن أبغضه فقد أبغضنا .
ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه و آله : والذي بعثني بالحقّ لا يقبل اللّه من عبده حسنة حتى يسأله عن حبّ علي بن أبي طالب(3) عليه السلام .
ولا ينجي من الرحمن شيء
ومن هول القيامة والحساب
ومن نار تلهّب في جحيم
سوى حبّ الإمام أبي تراب
شفيع الخلق في يوم التلاق
هو المنعوت في آي الكتاب
ص: 14
صحيفة أهل البيت عليهم السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام : فيّ نزلت هذه الآية « إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ »(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام : إذا كان يوم القيامة وكّلنا اللّه - تعالى- بحساب شيعتنا ، فما كان للّه سألنا اللّه أن يهبه لنا ، وما كان لنا نهبه لهم ، ثم قرأ هذه الآية(2) .
* * *
قال ابن حماد :
يا آية اللّه التي قدرها
ليس له في الخلق من قادر
ويا صراطا لم يجزه سوى
كلّ تقي مؤمن صابر
ويا حجابا ليس من غيره
إلى إله العرش من صائر
لا يغفر اللّه لمن لم تكن
له غداة البعث بالغافر
* * *
وأنشد أيضا :
خير زاد نختار فيه المزيد
حبّ آل النبي والتوحيد
فهم عدّتي إذا شمل العالم
يوم الحساب أمر شديد
وأتت من ضريحها كلّ نفس
ولها سائق غدا وشهيد
* * *
ص: 15
سأل محمد بن مسلم الباقر عليه السلام عن قوله تعالى « فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » ، فقال : يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يقام بموقف الحساب ، فيكون اللّه هو الذي يتولّى حسابه ، لا يطلع على حسابه أحد من الناس ، فيعرّفه بذنوبه ، حتى إذا أقرّ بسيئاته ، قال اللّه للكتبة : بدّلوها حسنات ، وأظهروا للناس .
فيقول الناس : أما كان لهذا العبد سيئة واحدة ! ثم يأمر اللّه به إلى الجنّة ، فهذا تأويل الآية في المذنبين من شيعتنا(1) .
* * *
إذا حشر الناس يوم المعاد
ولاقوا قبيح الذي قدّموه
فحسبي الإله وحسبي النبي
وحسبي الوصيّ وحسبي بنوه
* * *
أبو هريرة : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه و آله يقول : « يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ » إلاّ من ولاية علي بن أبي طالب ، فإنّه لا يفرّ من والاه ، ولا يعادي من أحبّه ، ولا يحبّ من أبغضه(2) . . الخبر .
ص: 16
قال الحميري :
وإنّك آمن من كلّ خوف
إذا كان الخلائق خائفينا
وإنّك حزبك الأدنون حزبي
وحزبي حزب ربّ العالمينا
وحزب اللّه لا خوف عليهم
ولا نصب ولا هم يحزنونا
* * *
النبي صلى الله عليه و آله في خبر : وأنت أوّل من يدخل الجنّة(1) .
وعنه صلى الله عليه و آله في خبر : ومنزلك في الجنّة حذاء منزلي كمنزل الأخوين(2) .
وعنه صلى الله عليه و آله : منزلك في الجنّة [ تجاه منزلي (3)] ، تكسى إذا كسيت ، وتحيى إذا حييت(4) .
* * *
وقال الحميري :
وإنّك في جنان الخلد جاري
منازلنا بها متوجهونا
وإنّك في جوار اللّه كاس
وجيران المهيمن آمنونا
ص: 17
أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ للجنة إحدى وسبعين بابا يدخل من سبعين منها شيعتي وأهل بيتي ، ومن باب واحد سائر الناس(1) .
النبي صلى الله عليه و آله في خبر قال للعباس : دخلت الجنّة ، فرأيت حور علي عليه السلام أكثر من ورق الشجر ، وقصور علي عليه السلام بعدد البشر(2) .
ص: 18
ص: 19
ص: 20
محمد بن الصباح الزعفراني عن المزني عن الشافعي عن مالك عن حميد عن أنس :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قوله تعالى « فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ » : إنّ فوق الصراط عقبة كؤودا ، طولها ثلاثة آلاف عام ، ألف عام هبوط ، وألف عام شوك وحسك وعقارب وحيات ، وألف عام صعودا ، أنا أوّل من يقطع تلك العقبة ، وثاني من يقطع تلك العقبة علي بن أبي طالب .
وقال بعد كلام : لا يقطعها في غير مشقّة إلاّ محمد وأهل بيته عليه السلام . . الخبر .
عبد اللّه بن سالم عن أبيه في خبر عن الصادق عليه السلام : نحن - واللّه - العقبة ، من اقتحمها « فَكُّ رَقَبَةٍ » من النار(1) .
الباقر عليه السلام : نحن العقبة التي من اقتحمها نجا ، ثم قال : « فَكُّ رَقَبَةٍ »
الناس كلّهم عبيد النار ما خلا نحن وشيعتنا ، فكّ اللّه رقابهم من النار(2) .
ص: 21
الصادق عليه السلام : « فَكُّ رَقَبَةٍ » يعني ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّ ذلك فكّ رقبته(1) .
تفسير مقاتل عن عطاء عن ابن عباس « يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ » لا يعذّب اللّه محمدا(2) ، « وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » لا يعذّب علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر عليهم السلام ، « نُورُهُمْ يَسْعى » يضيء على الصراط لعلي وفاطمة عليهماالسلام مثل الدنيا سبعين مرّة ، فيسعى نورهم « بَيْنَ أَيْدِيهِمْ » ، ويسعى عن أيمانهم ، وهم يتبعونها ، فيمضي أهل بيت محمد وآله زمرة على الصراط مثل البرق الخاطف ، ثم قوم مثل الريح ، ثم قوم مثل عدو الفرس ، ثم يمضي قوم مثل المشي ، ثم قوم مثل الجثو(3) ، ثم قوم مثل الزحف ، ويجعله اللّه على المؤمنين عريضا ، وعلى المذنبين دقيقا .
قال اللّه تعالى : « يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا » حتى نجتاز به على الصراط .
قال : فيجوز أمير المؤمنين عليه السلام في هودج من الزمرد الأخضر ، ومعه فاطمة عليهاالسلام على نجيب من الياقوت الأحمر ، حولها سبعون ألف حور كالبرق اللامع .
ص: 22
ابن عباس وأنس عن النبي صلى الله عليه و آله قال : إذا كان يوم القيامة ، ونصب الصراط على جهنم ، لم يجز عليه إلاّ من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وذلك قوله تعالى : « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ »(1) .
وحدّثني أبي شهرآشوب بإسناد له إلى النبي صلى الله عليه و آله : لكلّ شيء جواز ، وجواز الصراط حبّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
تاريخ الخطيب : ليث عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس : قلت للنبي صلى الله عليه و آله : يا رسول اللّه للناس(2) جواز ؟ قال : نعم ، قلت : وما هو ؟ قال : حبّ علي بن أبي طالب(3) عليهماالسلام .
وفي حديث وكيع قال أبو سعيد : يا رسول اللّه ، ما معنى براءة علي عليه السلام ؟ قال : لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، علي عليه السلام ولي اللّه .
وسأل النبي صلى الله عليه و آله جبرئيل عليه السلام : كيف تجوز أمّتي الصراط ؟
فمضى ودعا وقال : إنّ اللّه - تعالى - يقرؤك السلام ، ويقول : إنّك تجوز الصراط بنوري ، وعلي بن أبي طالب يجوز الصراط بنورك ، وأمّتك تجوز الصراط بنور علي ، فنور أمّتك من نور علي ، ونور علي من نورك ، ونورك من نور اللّه .
ص: 23
وفي الخبر : وهو الصراط الذي يقف على يمينه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعلى شماله أمير المؤمنين عليه السلام ، ويأتيهما النداء من اللّه : « أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ » .
الحسن البصري عن عبد اللّه عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر : وهو جالس على كرسي من نور - يعني عليا عليه السلام - يجري بين يديه التسنيم ، لا يجوز أحد الصراط إلاّ ومعه براءة بولايته وولاية أهل بيته ، يشرف على الجنّة ، ويدخل محبّيه الجنّة ، ومبغضيه النار(1) .
* * *
قال الحميري :
ولدى الصراط ترى عليا واقفا
يدعو إليه وليّه المنصورا
اللّه أعطى ذا عليا كلّه
وعطاء ربّي لم يكن محظورا
* * *
وقال ابن حماد :
لا يجوز الصراط إلاّ من أعطاه
براءة وبالنجاة استخصّا
* * *
وله أيضا :
وأناس يعلون في الدرجات
وأناس يهوون في الدركات
لا يجوز الصراط إلاّ امرى ء
منّ عليه أبوكم ببراة
ص: 24
وله أيضا :
وهو الصراط عليه يجتاز الورى
طرّا ومن ساع عليه وناكب
* * *
وقال الكاتب :
إنّي وجبريل وإنّك يا أخي
يوم الحساب وذو الجلال يراني
لعلى الصراط فلا مجاز لجائز
إلاّ لمن من ذي الجلال أتاني
ببراءة فيها ولايتك التي
ينجو بها من ناره الثقلان
* * *
الباقر عليه السلام سئل النبي صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى « أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ » الآية ، فقال : يا علي ، إنّ اللّه - تعالى - إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد كنت أنا وأنت على يمين العرش ، ويقول اللّه : يا محمد ، ويا علي ، قوما وألقيا من أبغضكما وخالفكما وكذّبكما في النار(1) .
الرضا عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله : نزلت فيّ وفي علي(2) هذه الآية .
شريك القاضي وعبد اللّه بن حماد الأنصاري ، قال كلّ واحد منهما :
حضرت الأعمش في علّته التي قبض فيها ، وعنده ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة ، فقال أبو حنيفة : يا أبا محمد ، اتق اللّه وانظر لنفسك ، فإنّك في آخر يوم من أيام الدنيا ، وأوّل يوم من أيام الآخرة ،
ص: 25
وقد كنت تحدّث في علي عليه السلام بأحاديث لو تبت عنها كان خيرا لك !
قال الأعمش : مثل ماذا ؟ قال : مثل حديث عباية الأسدي : أنّ عليا عليه السلام قسيم النار .
قال : أقعدوني وسنّدوني ، وحدّثني - والذي إليه مصيري - موسى بن طريف إمام بني أسد عن عباية بن ربعي - إمام الحي - قال :
سمعت عليا عليه السلام يقول : أنا قسيم النار ، أقول : هذا وليّي دعيه ، وهذا عدوّي خذيه(1) .
وحدّثني أبو المتوكّل الناجي في إمرة الحجّاج عن أبي سعيد الخدري :
قال النبي صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة يأمر اللّه - عزّ وجلّ - فأقعد أنا وعلي على الصراط ، ويقال لنا : ادخلا الجنّة من آمن بي وأحبّكما ، وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما .
وفي لفظ : ألقيا في النار من أبغضكما ، وأدخلا الجنّة من أحبّكما(2) .
وفي رواية غيرهما : وحدّثني أبو وائل قال : حدّثني ابن عباس قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة يأمر اللّه عليا عليه السلام أن يقسم بين الجنّة والنار ، فيقول للنار : خذي ذا عدوّي ، وذري ذا وليّي .
قال : فجعل أبو حنيفة إزاره على رأسه وقال : قوموا بنا لا يجيء أبو محمد بأعظم من هذا ، قال : فما أمسى الأعمش حتى توفي(3) .
ابن شيرويه في الفردوس : قال حذيفة :
ص: 26
قال النبي صلى الله عليه و آله : علي عليه السلام قسيم النار(1) .
الصفواني في الإحن والمحن في خبر طويل عن إسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه عن آبائه عليهم السلام قال :
قال النبي صلى الله عليه و آله : وينزل الملكان - يعني رضوان ومالك - فيقول مالك : إنّ اللّه أمرني بلطفه ومنّه أن أسعّر النيران فسعّرتها ، وأن أغلق أبوابها فغلقتها ، وأن آتيك بمفاتيحها ، فخذها يا محمد .
فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما منّ به عليّ ، ثم أدفعها إلى علي عليه السلام .
ثم يقول رضوان : إنّ اللّه أمرني بمنّه ولطفه أن أزخرف الجنان فزخرفتها ، وأن أغلق أبوابها فغلقتها ، وأن آتيك بمفاتيحها ، فخذها يا محمد ، فأقول قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما منّ به عليّ ، ثم أدفعها إلى علي عليه السلام .
فينزل علي عليه السلام ، وفي يده مفاتيح الجنّة ومقاليد النار ، فيقف علي عليه السلام
بحجزتها ، ويأخذ بزمامها ، وقد تطاير شررها ، وعلا زفيرها ، وتلاطمت أمواجها ، فتناديه النار : جزني يا علي ، فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها علي عليه السلام : اتركي هذا وليّي ، وخذي هذا عدوّي ، وإنّ جهنم يومئذٍ لأطوع لعلي عليه السلام من غلام أحدكم لصاحبه(2) .
ص: 27
وقال الزمخشري في الفائق : معنى قول علي عليه السلام : أنا قسيم النار : أي مقاسمها ومساهمها ، يعني أنّ القوم على شطرين : مهتدون وضالّون ، فكأنّه قاسم النار إياهم ، فشطر لها ، وشطر معه في الجنّة(1) .
ولقد صنف محمد بن سعيد كتاب من روى في علي أنّه قسيم النار(2) .
* * *
قال السيد :
قسيم النار هذا لي
فكفّي عنه لا يضرر
وهذا لك يا نار
فحوزي الفاجر الأكبر
* * *
وله أيضا :
ذاك قسيم النار من قيله
خذي عدوّي وذري ناصري
ذاك علي بن أبي طالب
صهر النبي المصطفى الطاهر
* * *
وله أيضا :
علي قسيم النار من قوله لها(3)
ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي
ص: 28
خذي بالشوى ممّن يصيبك منهمولا تقربي من كان حزبي فتظلمي
* * *
وله أيضا :
قسيم النار ذا لك ها(1) وذا لي
ذريه إنّه لي ذو وداد
يقاسمها فينصفها فترضىمقاسمة المعادل غير عاد
كما انتقد الدراهم صيرفيينقّي الزائفات من الجياد
* * *
وقال العوني :
إمامي قسيم النار مختار أهلها
ولابد للجنات والنار من أهل
* * *
وله أيضا :
يسوق الظالمين إلى جحيم
فويل للظلوم الناصبي
يقول لها خذي هذا فهذا
عدوّي في البلاء على الشقي
وخلّ من يواليني فهذا
رفيقي في الجنان وذا وليّي
* * *
وقال غيره :
وإنّي لأرجو يا إلهي سلامة
بعفوك من نار تلظّى همومها
ص: 29
أبا حسن لو كان حبّك مدخلي
جهنم كان الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار من هو موقن
بأنّ أمير المؤمنين قسيمها
* * *
وقال البشنوي :
وكيف تحرقني نار الجحيم إذا
كان القسيم لها مولاي ذا الحسب
* * *
وقال دعبل :
قسيم الجحيم فهذا له
وهذا لها باعتدال القسم
يذود عن الحوض أعداءه
فكم من لعين طريد وكم
فمن ناكثين ومن قاسطين
ومن مارقين ومن مجترم
* * *
وقال الزاهي :
يا سيدي يا بن أبي طالب
يا عصمة المعتف والجار
لا تجعلنّ النار لي مسكنا
يا قاسم الجنّة والنار
* * *
وقال غيره :
علي حبّه جنّه
قسيم النار والجنّه
وصيّ المصطفى حقّا
إمام الإنس والجنّه
* * *
ص: 30
قال عمرو بن شمر : اجتمع الكلبي والأعمش ، فقال الكلبي :أيّ شيء أشدّ ما سمعت من مناقب علي عليه السلام ، فحدّث بحديث عباية أنّه قسيم النار .
فقال الكلبي : وعندي أعظم ممّا عندك ، أعطى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام
كتابا فيه أسماء أهل الجنّة ، وأسماء أهل النار(1) .
عبد الصمد بن بشير عن الصادق عليه السلام في خبر طويل يذكر فيه حديث الأسرى ، ثم قال : « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى » قال : دفع إليه كتابا ، يعني إلى النبي صلى الله عليه و آله في أسماء أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فأخذ كتاب اليمين بيمينه ، ونظر إليه ، فإذا فيه أسماء أهل الجنّة ، وأسماء آبائهم وقبائلهم .
فقال اللّه تعالى : «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » ، فقال النبي صلى الله عليه و آله « وَالْمُؤمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ » الآية .
ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « رَبَّنا لا تُؤ'c7خِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا » ، فقال تعالى : قد فعلت ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : « وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ » إلى آخر السورة ، كلّ ذلك يقول اللّه - تعالى - قد فعلت ، ثم طوى الصحيفة فأمسكها بيمينه .
وفتح صحيفة أصحاب الشمال ، فإذا فيها أسماء أهل النار ، وأسماء آبائهم وقبائلهم .
ص: 31
ثم ساق جعفر الصادق عليه السلام الكلام إلى أن قال : ثم نزل ومعه الصحيفتان ، فدفعهما إلى علي بن أبي طالب(1) عليه السلام .
الصفواني بإسناده إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر طويل قال :
فبينا أنا كذلك ، إذ أقبل ملكان ، أحدهما رضوان ، والآخر مالك ، فيصعد الرضوان فيقول : السلام عليك يا نبي اللّه ، فأقول : وعليك السلام ، أيّها الملك الطيّب الريح ، الحسن الوجه ، الكريم عليّ ، من أنت ؟ فيقول : أنا رضوان خازن الجنان ، إنّ اللّه أمرني بلطفه أن أزخرف الجنان فزخرفتها ، وأن أغلق أبوابها فغلقتها ، وأتيتك بمفاتيحها ، فخذها يا أحمد ، فأقول : قد قبلت من ربّي ، فله الحمد على ما أنعم به عليّ ، إدفعه إلى أخي علي عليه السلام ، فيدفعه إلى علي(2) عليه السلام . . الخبر .
وفي رواية محمد بن زكريا الغلابي ، والحديث مختصر : إنّ رضوان ينادي : إنّ اللّه أمرني أن أدفع مفاتيح الجنان إلى محمد صلى الله عليه و آله ، وإنّ محمدا صلى الله عليه و آله أمرني أن أدفعها إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، هاك ، فاشهدوا لي عليه .
ص: 32
ثم يقوم خازن جهنم وينادي : ألا إنّ اللّه - عزّ وجلّ - أمرني أن أدفع مفاتيح جهنم إلى محمد صلى الله عليه و آله ، وأنّ محمدا أمرني أن أدفعها إلى علي عليه السلام ، هاك ، فاشهدوا لي عليه .
فتأخذ مفاتيح الجنّة والنار ، وتأخذ حجزتي ، وأهل بيتك يأخذون حجزتك ، وشيعتك يأخذون حجزة أهل بيتك .
قال : فصفقت بكلتا يدي ، وقلت : إلى الجنّة يا رسول اللّه ! فقال : إي وربّ الكعبة(1) .
محمد الفتال في روضة الواعظين : قال النبي صلى الله عليه و آله : حلقة باب الجنّة ذهب ، فإذا دقّت الحلقة على الصحيفة طنّت وقالت : يا علي(2) .
خصائص النطنزي : قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : علي بن أبي طالب عليهماالسلام حلقة معلّقة بباب الجنّة ، من تعلّق بها دخل الجنّة(3) .
ص: 33
ص: 34
ص: 35
ص: 36
ابن جبير وابن عباس : سئل النبي صلى الله عليه و آله عن الكوثر ، فقال : يا علي ، الكوثر نهر يجري تحت عرش اللّه ، ماؤه أشدّ بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، حصباؤه الدر والزبرجد والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الأذفر ، قواعده تحت عرش اللّه .
ثم ضرب يده على جنب علي عليه السلام وقال : إنّ هذا النهر لي ولك ولمحبّيك من بعدي(1) .
الحافظ أبو نعيم بإسناده إلى عطية عن أنس قال : دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : قد أعطيت الكوثر . فقلت : يا رسول اللّه ، وما الكوثر ؟ قال : نهر في الجنّة ، عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب ، لا يشرب أحد منه فيظمأ ، ولا يتوضأ أحد منه فيشعث(2) ، لا يشربه إنسان أخفر(3)
ص: 37
ذمّتي ، ولا قتل أهل بيتي(1) .
النبي صلى الله عليه و آله : يذود علي عليه السلام عنه يوم القيامة من ليس من شيعته ، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا(2) .
طارق : قال أمير
المؤمنين عليه السلام : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لأقمعن بيدي هاتين من الحوض أعدائنا إذا وردته أحبّاؤنا(3) .
وروى أحمد في الفضائل نحوا منه عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي .
وفي أخبار أبي رافع من خمسة طرق قال النبي صلى الله عليه و آله :
يا علي ، ترد على الحوض وشيعتك رواء مرويين ، ويرد عليك عدوك ظمأ مقحمين(4)(5) .
ص: 38
وجاء في تفسير قوله تعالى « وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ » يعني سيدهم علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
والدليل على أنّ الربّ بمعنى السيد قوله تعالى « اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ » .
* * *
الفائق : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه الرجال كما يذاد الأصيد البعير الصادي ، أي الذي به الصيد ، والصيد داء يلوي عنقه(1) .
* * *
قال الحميري :
أؤمل في حبّه شربة
من الحوض تجمع أمنا وريّا
إذا ما وردنا غدا حوضه
فأدنى السعيد وذاد الشقيا
متى يدن مولاه منه يقل
رد الحوض واشرب هنيئا مريّا
وإن يدن منه عدوّ له
يذده علي مكانا قصيّا
* * *
وله أيضا :
ألا أيّها اللاّحي عليا دع الخنا(2)
فما أنت من تأنيبه بمصوب
أتلحي أمير اللّه بعد أمينهوصاحب حوض شربه خيرمشرب
ص: 39
وحافاته درّ ومسك ترابهوقد حاز ماء من لجين ومذهب
متى ما يرد مولاه يشرب وإن يردعدوّ له يرجع بخزي ويضرب
* * *
وله أيضا :
فإنّك تلقاه لدى الحوض قائما
مع المصطفى بالجسر جسر جهنم
يجيران من والاهما في حياته
إلى الروح والظلّ الظليل المكرم
* * *
وله أيضا :
يذبّ عنه ابن أبي طالب
ذبّك جربي إبل تشرع
إذا دنوا منه لكي يشربوا
قيل لهم تبّا لكم فارجعوا
وراكم فالتمسوا منهلاً
يرويكم أو مطعما يشبع
هذا لمن والى بني أحمد
ولم يكن غيرهم يتبع
* * *
وله أيضا :
والحوض حوض محمد ووصيّه
يسقي محبّيه ويمنعه العدى
* * *
وله أيضا :
وصاحب الحوض يسقي من ألمّ به
من الخلائق لا أحبى ولا رتقا(1)
قسيم نار به ترضى يقول لهاذا لي وذا لك قسم لم يكن علقا
ص: 40
وقال ابن حماد :
والحوض حوضك ليس ثمّ مدافع
في الحشر تسقي من تشاء وتمنع
عجبا لأعمى عن هداه ونوره
كالشمس واضحة تضيء وتلمع
* * *
وله أيضا :
وهم سقاة الحوض من والاهم
يسقى بكأس لذّة للشارب
* * *
وله أيضا :
وإنّ الحوض حوضك والبرايا
إليك لدى القيامة مهطعينا
وتحت لوائك المحمود تضحى
جميع الخلق دونك خاشعينا
* * *
وقال العوني :
تسقي الظماة على حوض النبي غدا
للمؤمنين بمملوّ من الحلب
* * *
وقال الزاهي :
بدر الدجى وزوجه شمس الضحى
في فضلها وابناه للعرش القرط
ومن له الكوثر حوض في غد
والنار ملك والفراديس خطط
* * *
ص: 41
وله أيضا :
يا ساقي الشيعة من كأسه
عند ورود الكوثر الجاري
في يوم تبلو النفس ما قدمت
لسيد في الحكم جبار
والنار في الموقف قد سعرت
لأخذ نصّاب وفجار
* * *
وقال حسان بن ثابت :
له الحوض لا شكّ يحبى به
فمن شاء أسقى برغم العدى
ومن ناصب القوم لم يسقه
ويدعو إلى الورد للأوليا
* * *
ص: 42
علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله تعالى : « فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ » ، قال : يعني ما تنفع كفّار مكة
شفاعة الشافعين .
ثم قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين عليه السلام ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال .
حمران بن أعين قال الصادق عليه السلام : واللّه لنشفعن لشيعتنا ، واللّه لنشفعن لشيعتنا ، واللّه لنشفعن لشيعتنا ، حتى يقول الناس : « فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ »(1) .
فردوس الديلمي : أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه و آله : الشفعاء خمسة : القرآن ، والرحم ، والأمانة ، ونبيّكم صلى الله عليه و آله ، وأهل بيت نبيكم(2) عليهم السلام .
ص: 43
تفسير وكيع : قال ابن عباس في قوله : « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى »يعني : ولسوف يشفّعك - يا محمد صلى الله عليه و آله - يوم القيامة في جميع أهل بيتك ، فتدخلهم كلّهم الجنّة ، ترضى بذلك عن ربّك(1) .
الباقر عليه السلام في قوله « وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً » الآية ، قال : ذلك النبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام ، يقوم على كوم قد علا الخلائق ، فيشفع ، ثم يقول : يا علي ، اشفع ، فيشفع الرجل في القبيلة ، ويشفع الرجل لأهل البيت ، ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله ، فذلك المقام المحمود .
أبو عبد اللّه عليه السلام : « وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ » قال : شفاعة النبي صلى الله عليه و آله ، « وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ » شفاعة علي عليه السلام « أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ »شفاعة الأئمة عليهم السلام .
النبي صلى الله عليه و آله : إنّي لأشفع يوم القيامة فأشفّع ، ويشفع علي عليه السلام فيشفّع ، ويشفع أهل بيتي فيشفّعون(2) . . الخبر .
ص: 44
نقش الصاحب على خاتمه :
شفيع إسماعيل في الآخره
محمد والعترة الطاهره
* * *
وفي نقش آخر :
شفيعي إلى اللّه قوم بهم
يميز الخبيب من الطيب
بحبّهم صرت مستوجبا
لما ليس غيري بمستوجب
* * *
وقال الزاهي :
أبا حسن جعلتك لي ملاذا
ألوذ به ويشملني الذماما
فكن لي شافعا في يوم حشري
وتجعل دار قدسك لي مقاما
لأنّي لم أكن من نعثلي
ولا أهوى عتيق ولا دلاما
* * *
وقال أبو نؤاس :
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم
أدعوك ربّ كما أمرت تضرّعا
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
إن كان لا يرجوك إلاّ محسن
فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
مالي إليك وسيلة إلاّ الرجا
وجميل ظنّي ثم إنّي مسلم
مستمسكا بمحمد وبآله
إنّ الموفّق من بهم يستعصم
ص: 45
ثم الشفاعة من نبيك أحمد
ثم الحماية من علي أعلم
ثم الحسين وبعده أولاده
ساداتنا حتى الإمام المكتم
سادات حرّ ملجأ مستعصم
بهم ألوذ فذاك حصن محمكم
* * *
وأنشد :
من كان في الحشر له شافع
فليس لي في الحشر من شافع
سوى النبي المصطفى أحمد
ثم المزكّي الخاشع الراكع
* * *
وقال غيره :
من كان في الحشر له شافع
فشافعي المظلوم من هاشم
أخو النبي العربي الذي
صدّق في المسجد بالخاتم
* * *
وأنشد :
رضيت لي شافعا من العالم
من جاد عند الركوع بالخاتم
* * *
وأنشد :
ولمّا علمت بما قد جنيت
وأشفقت من سخط العالم
نقشت شفيعي على خاتمي
إماما تصدّق بالخاتم
* * *
ص: 46
وأنشد :
يا ذا المعارج إن قصّرت في عملي
وغرّني في زماني كثرة الأمل
فشافعي أحمد وأبناء ابنته
إليك ثم أمير المؤمنين علي
* * *
وأنشد :
برحمة اللّه أرجو الصفح عن زللي
بعفوه لا بما قدّمت من عملي
ومن يكن لي شفيعا في المعاد سوى
محمد وأمير المؤمنين علي
* * *
وأنشد :
إلهي قد سترت عليّ ذنبي
فأكرمني بعفوك في القيامه
فما لي شافع إلاّ نبيي
وديني واعتقادي بالإمامه
* * *
وأنشد :
إذا أنا لم أهوى النبي وآله
فمن غيرهم لي في القيامة يشفع
فلا دين إلاّ حبّ آل محمد
ولا شيء في القيامة أنفع
* * *
وأنشد :
إن كان قد عظمت ذنوبي كثرة
لا بأس لي أنّي مجدّ طامع
واللّه جلّ جلاله لي راحم
ورسوله صلّى عليه شافع
* * *
ص: 47
وأنشد :
أهل الكتاب محبّتي إياهم
والعدل والتوحيد دين جامع
وإذا تكاملت الديانة لامرئ
لا شكّ في جنّات عدن رافع
* * *
وأنشد :
أنا بالنبي محمد وبآله
لتفضّل الملك المهيمن راج
يوم القيامة والقلوب خوافق
والخلق قد وقفوا على منهاج
* * *
وله أيضا :
أعطاكم اللّه ما لم يعطه أحدا
حتى دعيتم لعظم الفضل أربابا
أشباحكم كنّ في بدو الظلال له
دون البرية خدّاما وحجّابا
وأنتم الكلمات اللائي لقّنها
جبريل آدم عند الذنب إذ نابا
وأنتم قبلة الدين التي جعلت
للقاصدين إلى الرحمن محرابا
* * *
وله أيضا :
فجدّكم أحمد المصطفى
ووالدكم حيدر الأنزع
ولاحت لآدم أسماؤكم
على العرش زاهرة تلمع
زرعت هواكم بأرض النجاة
لأحصد في البعث ما أزرع
* * *
ص: 48
وله أيضا :
ولاحت الأسما على العرش له
ثم بها لمّا عصى اللّه دعا
فتاب ذو العرش عليه بهم
من بعد ما عيّره بما عصى
* * *
وقال الناشي :
هم الكلمات والأسماء لاحت
لآدم حين عزّ له المتاب
* * *
وقال بعض شعراء الموصل :
وبهم آدم توسّل لمّا
ضلّ عن رشده عن التضليل
إذ تلقّى من ربّه كلمات
آدم فاستخصّه بالقبول
وأنارت بروج شيث ونوح
ثم أفضت إلى النبي الخليل
وجرت في محلّ كلّ زكيّ
ورضيّ من نسل إسماعيل
ثم صارت محمدا وعليا
وهما في الفخار أصل الأصول
أرسل اللّه أحمد من لدنه
رحمة بالكتاب والتنزيل
وعلي أخصّه اللّه بالعلم
وفصل الخطاب والتأويل
* * *
ص: 49
ص: 50
ص: 51
ص: 52
محمد بن المفضل عن موسى بن جعفر عليهماالسلام في قوله تعالى « وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » هي رحم آل محمد(1) عليهم السلام .
المرزباني بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى « وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ » نزلت في رسوله صلى الله عليه و آله ، وذلك أنّ كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ ما كان من سببه ونسبه(2) .
زيد بن علي عليه السلام في قوله « وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ »
ص: 53
قال : ذلك علي بن أبي طالب عليهماالسلام كان مهاجرا ذا رحم(1) .
تفسير جابر بن يزيد عن الإمام عليه السلام : أثبت اللّه بهذه الآية ولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، لأنّ عليا عليه السلام كان أولى برسول اللّه صلى الله عليه و آله من غيره ، لأنّه كان أخوه في الدنيا والآخرة ، لأنّه حاز ميراثه وسلاحه ومتاعه وبغلته الشهباء وجميع ما ترك(2) .
وورث كتابه من بعده ، قال اللّه تعالى : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا » ، وهو القرآن كلّه ، نزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان يعلّم الناس من بعد النبي صلى الله عليه و آله ، ولم يعلّمه أحد ، وكان يسئل ولا يسأل أحدا عن شيء من دين اللّه ، وإنّ اللّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى هاشما من قريش(3) .
ص: 54
ولم يكن للمشايخ في الذي هو صفوة الصفوة نصيب .
ثم إنّه هاشمي من هاشميين ، ولم يكن في زمانه غيره وغير أخويه وغير ابنيه ، أبوه أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم عليهم السلام ، أمّه فاطمة عليهاالسلامبنت
أسد بن هاشم .
وفي حديث إنّه اختلف أمّه برسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى معد بن عدنان من ثلاث وعشرين قرابة تتّصل برسول اللّه صلى الله عليه و آله من جهة الأمّهات ، ولا أحد يشارك في ذلك .
والنبي صلى الله عليه و آله ابن عمّه من وجهين : من عبد اللّه ، ومن أبي طالب ، ومن اتّصال أمّه برسول اللّه صلى الله عليه و آله تلك الجهات في الأمّهات .
وصار علي عليه السلام ابنه من وجهين :
أوّلهما : إنّه ربّاه ، حتى قالت فاطمة بنت أسد : كنت مريضة ، فكان محمد صلى الله عليه و آله يمصّ عليا عليه السلام لسانه في فيه ، فيرضع بإذن اللّه .
ص: 55
والثاني : إنّ ختن الرجل ابنه ، ولهذا يهنيء الرجل إذا ولدت له بنت ، فيقال : هنأك الختن .
صهر النبي وصنوه وربيبه
وأخوه عند تعذّر الاخوان
* * *
ثم ابناه ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله حكما وشرعا ، لقوله صلى الله عليه و آله : أنا أبوهما أعقل عنهما ، ولهذا كان علي عليه السلام يقول في محمد بن الحنفية : ابني ، ويقول فيهما : ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وفي خبر : فقيل له : الحسن والحسين ابناء من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في هذه النسبة .
وفي رواية : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ادّعى فيكما ، وإذا قال : أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا لا أنازع في شيء ادّعى النبي صلى الله عليه و آله استحي أن ادّعي فيه خصّه ربّي فصيّره لبني بنت النبي صلى الله عليه و آله أبا .
* * *
فهو - عليه الصلاة والسلام - سيد النبيّين ، وصهره سيد الوصيّين .
وزوجته سيدة نساء العالمين .
وابناه سيدا شباب أهل الجنّة .
وعمّه حمزة سيد الشهداء .
وأخوه جعفر إنسي ملكي سيد الطيور في الجنّة ، يطير مع الملائكة .
ص: 56
وأبوه سيد العرب حامي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ورئيس مكّة جدّه ، وجدّ أبيه هاشم سيد العرب .
وصهرته أمّ المؤمنين ، وأوّل من أسلمت وصلّت وأنفقت ، ومنها نسل النبي صلى الله عليه و آله .
وأمّه فاطمة بنت أسد ، أوّل هاشمية من هاشميين .
* * *
نهج البلاغة : وقال قائل : إنّك - يا ابن أبي طالب - على هذا الأمر لحريص ، فقلت : بل أنتم - واللّه - أحرص وأبعد ، وأنا أخصّ وأقرب ، وإنّما طلبت حقّا لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين بهت لا يدري ما يجيبني(1) .
العزّة عن الجاحظ : أربعة رأوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في نسق : عبد المطلب ، وأبو طالب ، وعلي ، والحسن عليهم السلام .
وروى الثقاة عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : يا علي ، لك أشياء ليست لي ، منها : إنّ لك زوجة مثل فاطمة عليهاالسلام ، وليس لي مثلها ، ولك ولدين من صلبك ، وليس لي مثلهما من صلبي ، ولك مثل خديجة عليهاالسلام أمّ أهلك ، وليس لي مثلها حماة ، ولك صهر مثلي ، وليس لي صهر مثلي ، ولك أخ في النسب
ص: 57
مثل جعفر ، وليس لي مثله في النسب ، ولك أمّ مثل فاطمة عليهاالسلامبنت أسد ، الهاشمية المهاجرة ، وليس لي مثلها(1) .
سلمان وأبو ذر والمقداد : إنّ رجلاً فاخر علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : فاخر العرب ، فأنت أكرمهم ابن عمّ ، وأكرمهم نفسا ، وأكرمهم زوجة ، وأكرمهم ولدا ، وأكرمهم أخا ، وأكرمهم عمّا ، وأعظمهم حلما ، وأكثرهم علما ، وأقدمهم سلما .
وفي خبر : وأشجعهم قلبا ، وأسخاهم كفّا .
وفي خبر آخر : أنت أفضل أمّتي فضلاً(2) .
أبو الحسن المدائني : إنّه كتب معاوية إليه : يا أبا الحسن ، إنّ لي فضائل كثيرة ، كان أبي سيّدا في الجاهلية ! وصرت ملكا في الإسلام ! وأنا صهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! وخال المؤمنين ! وكاتب الوحي !
فلمّا قرأ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب قال : أبالفضائل يفخر علينا ابن آكلة الأكباد ؟! يا غلام اكتب إليه ، وأملى عليه :
محمد النبي أخي وصهري
وحمزة سيد الشهداء عمّي
وجعفر الذي يضحي ويمسي
يطير مع الملائكة ابن أمّي
وبنت محمد سكني وعرسي
مشوب لحمها بدمي ولحمي
ص: 58
وسبطا أحمد ولداي منها
فمن منكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرّا
غلاما ما بلغت أوان حلمي
أنا البطل الذي لن تنكروه
ليوم كريهة وليوم سلم
وأوجب لي ولايته عليكم
رسول اللّه يوم غدير خم
وأوصى بي لأمّته لحكمي
فهل فيكم له قدم كقدمي
فويل ثم ويل ثم ويل
لجاحد طاعتي من غير جرمي
فلمّا قرأ معاوية الكتاب قال : مزّقه يا غلام ، لا يقرأه أهل الشام فيميلون معه نحو ابن أبي طالب(1) .
وتذاكروا الفخر عند عمر ، فأنشأ عليه السلام :
اللّه أكرمنا بنصر نبيه
وبنا أقام دعائم الإسلام
وبنا أعزّ نبيه وكتابه
وأعزّنا بالنصر والإقدام
وبكلّ معترك تطير سيوفنا
منه الجماجم عن فراخ الهام
ويزورنا جبريل في أبياتنا
بفرائض الإسلام والأحكام
فتكون أوّل مستحلّ حلّه
ومحرّم للّه كلّ حرام
نحن الخيار من البريّة كلّها
ونظامها وزمام كلّ زمام(2)
* * *
ص: 59
وقال خطيب خوارزم :
هل فيهم من له زوج كفاطمة
قل لا وإن مات غيظا كلّ ذي إحن
هل فيهم من له عمّ يؤازره
كمثل حمزة في أعمام ذي الزمن
هل فيهم من له صنو يكانفه
كجعفر ذي المعالي الباسق الفطن(1)
* * *
وليس في العقل والشرع تبعيد القريب وتقريب البعيد إلاّ للكفر وللفسق.
* * *
وقال غيره :
أخذتم عن القربى خلافة أحمد
وصيّرتموها بعده في الأجانب
وأين على التحقيق تيم بن مرّة
لو اخترتم الإنصاف من آل طالب
* * *
وقال غيره :
وقدّمتم تيما برأيكم
ولهاشم الإبرام والنقض
أكأهله الأصحاب عندكم
فإذا النوافل مثلها الفرض
ص: 60
ص: 61
ص: 62
خطب أبو طالب عليه السلام في نكاح فاطمة بنت أسد عليهاالسلام :
الحمد للّه ربّ العالمين ربّ العرش العظيم ، والمقام الكريم ، والمشعر والحطيم ، الذي اصطفانا أعلاما وسدنة ، وعرفاء وخلصاء "وحجبته" ، بهاليل(1) أطهار من الخنا والريب ، والأذى والعيب ، وأقام لنا المشاعر ، وفضّلنا على العشائر ، نخب آل إبراهيم عليه السلام وصفوته ، وزرع إسماعيل ، في كلام له . .
ثم قال : وقد تزوّجت بنت أسد ، وسقت المهر ، ونفذت الأمر ، فاسألوه واشهدوا .
فقال أسد : زوّجناك ورضينا بك ، ثم أطعم الناس .
فقال أمية بن الصلت :
أغمرنا عرس أبي طالب
وكان عرسا لبن الحالب
أقراؤه البدو بأقطاره
من راجل خفّ ومن راكب
فنازلوه سبعة أحصيت
أيامها للرجل الحاسب
* * *
ص: 63
شيخ السنة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد ، في خبر طويل : إنّ فاطمة بنت أسد رأت النبي صلى الله عليه و آله يأكل تمرا له رائحة تزداد على كلّ الأطائب من المسك والعنبر من نخلة لا شماريخ(1) لها ، فقالت : ناولني أنل منها ، قال عليه السلام : لا تصلح إلاّ أن تشهدي معي أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّي محمد رسول اللّه ، فشهدت الشهادتين ، فناولها ، فأكلت فازدادت رغبتها ، وطلبت أخرى لأبي طالب عليه السلام ، فعاهدها أن لا تعطيه إلاّ بعد الشهادتين .
فلمّا جنّ عليها الليل اشتمّ أبو طالب عليه السلام نسما ما اشتمّ مثله قطّ ، فأظهرت ما معها ، فالتمسه منها ، فأبت عليه إلاّ أن يشهد الشهادتين ، فلم يملك نفسه ! ! أن شهد الشهادتين ، غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلا تعيّره قريش ، فعاهدته على ذلك ، فأعطته ما معها ، وآوى إلى زوجته ، فعلقت بعلي عليه السلام في تلك الليلة .
ولمّا حملت بعلي عليه السلام ازداد حسنها ، فكان يتكلّم في بطنها ، فكانت في الكعبة ، فتكلّم علي عليه السلام مع جعفر ، فغشى عليه ، فألقيت الأصنام خرّت على وجوهها ، فمسحت على بطنها وقالت : يا قرّة العين ، سجدتك الأصنام داخلاً ، فكيف شأنك خارجا ، وذكرت لأبي طالب عليه السلامذلك ، فقال : هو الذي قال لي أسد في طريق الطائف(2) .
ص: 64
قال الشاعر :
وقد روى عن أمّه فاطمة
ذات التقى والفضل من بين النسا
بأنّها كانت ترى أصنامهم
نصبا على الكعبة أو بين الصفا
فربما رامت سجودا كالذي
كانت مرارا من قريش قد ترى(1)
وهي به حاملة فيغتديمنتصبا يمنعها ممّا تشا
* * *
عن بريد بن قعنب وجابر الأنصاري : أنّه كان راهب يقال له « المثرم بن دعيب » قد عبد اللّه مائة وتسعين سنة ، ولم يسأله حاجه ، فسأل ربّه أن يريه وليّا له ، فبعث اللّه بأبي طالب عليه السلام إليه ، فسأله عن مكانه وقبيلته ، فلمّا أجابه وثب إليه ، وقبّل رأسه وقال : الحمد للّه الذي لم يمتني حتى أراني وليّه .
ثم قال : أبشر يا هذا ، إنّ اللّه ألهمني أنّ ولدا يخرج من صلبك ، هو وليّ اللّه ، اسمه علي ، فإن أدركته فاقرأه منّي السلام ، فقال : ما برهانه ؟ قال : ما تريد ؟ قال : طعام من الجنّة في وقتي هذا .
ص: 65
فدعا الراهب بذلك ، فما استتم كلامه حتى أتي بطبق عليه من فاكهة الجنّة ، رطب وعنب ورمان ، فتناول رمانة ، فتحوّلت ما في صلبه ، فجامع فاطمة ، فحملت بعلي عليه السلام ، وارتجت الأرض ، وزلزلت بهم أياما ، وعلت قريش الأصنام إلى ذروة أبي قبيس ، فجعل يرتج إرتجاجا ، حتى تدكدكت بهم الصخور ، وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوهها .
فصعد أبو طالب عليه السلام الجبل وقال : أيّها الناس ، إنّ اللّه قد أحدث في هذه الليلة حادثة ، وخلق فيها خلقا ، إن لم تطيعوه وتقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ، فأقرّوا به ، فرفع يده وقال :
إلهي وسيدي ، أسألك بالمحمدية المحمودية ، وبالعلوية العالية ، وبالفاطمية البيضاء ، إلاّ تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة .
فكانت العرب تدعو بها في شدائدها في الجاهلية ، وهي لا تعلمها .
فلمّا قربت ولادته أتت فاطمة إلى بيت اللّه ، وقالت : ربّ إنّي مؤمنة بك ، وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم عليه السلام ، فبحقّ الذي بنى هذا البيت ، وبحقّ المولود الذي في بطني ، لمّا يسرت عليّ ولادتي ، فانفتح البيت ، ودخلت فيه ، فإذا هي بحوراء ، ومريم ، وآسية ، وأم موسى ، وغيرهن ، فصنعن مثل ما صنعن برسول اللّه صلى الله عليه و آله وقت ولادته .
فلمّا ولد عليه السلام سجد على الأرض يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأشهد أنّ عليا وصي محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،
ص: 66
بمحمد صلى الله عليه و آله يختم اللّه النبوة ، وبي تتمّ الوصية ، وأنا أمير المؤمنين ، فسلّم على النساء ، وسأل عن أحوالهن ، وأشرقت السماء بضيائه .
فخرج أبو طالب عليه السلام يقول : أبشروا فقد ظهر وليّ اللّه ، يختم به الوصيّين ، وهو وصيّ نبيّ ربّ العالمين .
ثم أخذ عليا عليه السلام ، فسلّم علي عليه السلام عليه ، فسأله عن النسوة ، فذكر له ، ثم قال : فالحق بالمثرم وخبّره بما رأيت ، فإنّه في كهف كذا من جبل أكام .
فخرج حتى أتاه فوجده ميتا جسدا ملفوفا في مدرعة مسجى(1) ، فإذا هناك حيّتان ، فلمّا بصرتا به عزبتا في الكهف ، ودخل أبو طالب عليه السلام ، فقال : السلام عليك يا وليّ اللّه ورحمة اللّه وبركاته ، فأحيا اللّه المثرم ، فقام
يمسح وجهه ويقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، وأنّ عليا ولي اللّه ، والإمام بعد نبي اللّه ، فقال أبو طالب عليه السلام : أبشر ، فإنّ عليا قد طلع إلى الأرض .
فسأل عن ولادته ، فقصّ عليه القصّة ، فبكى المثرم ، ثم سجد شكرا ، ثم تمطّى ، فقال : غطّني بمدرعتي ، فغطّاه ، فإذا هو ميت كما كان .
فأقام أبو طالب عليه السلام ثلاثا ، وخرجت الحيّتان ، وقالتا : السلام عليك ، يا أبا طالب ، الحق بوليّ اللّه ، فإنّك أحقّ بصيانته وحفظه من غيرك ، فقال : من أنتما ؟ قالتا : نحن عمله نذبّ عنه الأذى إلى أن تقوم الساعة ، فحينئذٍ يكون أحدنا سابقه ، والآخر قائده إلى الجنّة ، فانصرف أبو طالب(2) .
ص: 67
وفي رواية شعبة عن قتادة عن أنس عن العباس بن عبد المطلب ، وفي رواية الحسن بن محبوب عن الصادق عليه السلام ، والحديث مختصر :
أنّه انفتح البيت من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، ثم عادت الفتحة والتصقت ، وبقيت فيه ثلاثة أيام ، فأكلت من ثمار الجنّة .
فلمّا خرجت ، قال علي عليه السلام : السلام عليك يا أبه ورحمة اللّه وبركاته ، ثم تنحنح وقال : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ » الآيات .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قد أفلحوا بك ، أنت - واللّه - أميرهم ، تميرهم من علمك فيمتارون ، وأنت - واللّه - دليلهم ، وبك - واللّه - يهتدون ، ووضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله لسانه في فيه ، فانفجرت إثنتا عشرة عينا ، قال : فسمّي ذلك اليوم يوم التروية .
فلمّا كان من غده وبصر علي عليه السلام برسول اللّه صلى الله عليه و آله سلّم عليه ، وضحك في وجهه ، وجعل يشير إليه ، فأخذه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالت فاطمة : عرفه ، فسمّي ذلك اليوم عرفة .
فلمّا كان اليوم الثالث ، وكان يوم العاشر من ذي الحجّة أذن أبو طالب عليه السلام في الناس أذانا جامعا ، وقال : هلمّوا إلى وليمة ابني علي عليه السلام ، ونحر ثلاثمائة من الإبل ، وألف رأس من البقر والغنم ، واتخذوا وليمة ، وقال : هلمّوا وطوفوا بالبيت سبعا ، وادخلوا وسلّموا على علي عليه السلامولدي ، ففعل الناس من ذلك ، وجرت به السنّة .
ص: 68
ووضعته أمّه بين يدي النبي صلى الله عليه و آله ، ففتح فاه بلسانه ، وحنّكه ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في أذنه اليسرى ، فعرف الشهادتين ، وولد على الفطرة(1) .
قال أبو الفضل الإسكافي :
نطقت دلائله بفضل صفاته
بين القبائل وهو طفل يرضع
* * *
أبو علي همام رفعه : أنّه لمّا ولد علي عليه السلام أخذ أبو طالب بيد فاطمة ، وعلي عليه السلام على صدره ، وخرج إلى الأبطح ونادى :
يا ربّ ذا الغسق الدجي
والقمر المبتلج المضي
بيّن لنا من حكمك المقضيّ
ماذا ترى في اسم ذا الصبي
* * *
قال : فجاء شيء يدبّ على الأرض كالسحاب حتى حصل في صدر أبي طالب ، فضمّه مع علي عليه السلام إلى صدره ، فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب :
خصصتما بالولد الزكي
والطاهر المنتجب الرضي
فاسمه من شامخ علي
علي اشتق من العلي
* * *
ص: 69
قال : فعلّقوا اللوح في الكعبة ، وما زال هناك حتى أخذه هشام بن عبد الملك(1) .
فاجتمع أهل البيت أنّه في الزاوية اليمنى من ناحية البيت .
فالولد الطاهر من النسل الطاهر ، ولد في الموضع الطاهر ، فأين توجد هذه الكرامة لغيره ؟
فأشرف البقاع الحرم ، وأشرف الحرم المسجد ، وأشرف بقاع المسجد الكعبة ، ولم يولد فيه مولود سواه(2) .
فالمولود فيه يكون في غاية الشرف ، فليس المولود في سيد الأيام ، يوم الجمعة ، في الشهر الحرام ، في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين عليه السلام .
قال الحميري :
ولدته في حرم الإله وأمنه
والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة
طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها
وبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لفّ في خرق القوابل مثله
إلاّ ابن آمنة النبي محمد
ص: 70
وقال محمد بن منصور السرخسي :
ولدته منجبة وكان ولادها
في جوف كعبة أفضل الأكنان(1)
وسقاه ريقته النبي ويا لهامن شربة تغني عن الألبان
حتى ترعرع سيّدا سندا رضىأسدا شديد القلب غير جبان
عبد الإله مع النبي وإنّهقد كان بعد يعدّ في الصبيان
فلذاك زوّجه الرسول بتولةوغدا وصيّ الإنس ثم الجان
شهدت له آيات سورة هل أتىبمناقب جلّت عن التبيان
* * *
ص: 71
ص: 72
ص: 73
ص: 74
نزلت فيه بالإجماع « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » .
الفردوس : قال علي عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّا أهل بيت قد أذهب اللّه عنّا الفواحش ما ظهر منها وما بطن(1) .
وقال النبي صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : « وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ » فانتهت الدعوة إليّ وإلى علي عليه السلام(2) .
وفي خبر : أنا دعوة إبراهيم عليه السلام ، وإنّما عنى بذلك الطاهرين ، لقوله : نقلت من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ، لم يمسسني سفاح الجاهلية .
ص: 75
وأهل الجاهلية كانوا يسافحون ، وأنسابهم غير صحيحة ، وأمورهم مشهورة عند أهل المعرفة(1) .
يزيد بن هارون عن جرير بن عثمان عن عوف بن مالك قال : جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب ، فقال له : إنّ عليّ نذرا أن أعتق نسمة من ولد إسماعيل ، فقال : واللّه ما أصبحت أثق إلاّ ما كان من حسن وحسين وعبد المطلب ، فإنّهم من شجرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وسمعته يقول : هم بني(2) أبي(3) .
قال الحميري :
طبت كهلاً وغلاما
ورضيعا وجنينا
ولدى الميثاق طينا
يوم كان الخلق طينا
كنت مأمونا وجيها
عند ذي العرش مكينا
في حجاب النور حيّا
طيبا للطاهرينا
* * *
وله أيضا :
وقد قال النبي لكم وأنتم
حضور للمقالة شاهدونا
عباد اللّه إنّا أهل بيت
برانا اللّه كلاًّ طاهرينا
* * *
ص: 76
وله أيضا :
أشهد اللّه وآلائه
والمرء عمّا قال مسؤول
إنّ علي بن أبي طالب
على التقى والبرّ مجبول
وإنّه كان الإمام الذي
له على الأمّة تفضيل
يقول بالحقّ ويقضى به
وليس تلهيه الأباطيل
وقال بعض النصارى :
علي وليّ المؤمنين بذمّة
وما لي سواه في الأئمة مطمع
له الشرف الأعلى وأنسابه الذي
يقرّ بها هذا الخلائق أجمع
بأنّ عليا أفضل الناس كلّهم
وأورعهم بعد النبي وأشجع
فلو كنت أهوى ملّة غير ملّتي
لما كنت إلاّ مسلما أتشيع
* * *
واجتمع أهل البيت بأدلّة قاطعة وبراهين ساطعة بأنّه معصوم ، واجتمع الناس أنّه لم يشرك قطّ ، وأنّه بايع النبي صلى الله عليه و آله في صغره وترك أبويه !
تاريخ الخطيب أنّه قال جابر : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين : مؤمن آل يس ، وعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وآسية امرأة فرعون(1) .
ص: 77
تفسير وكيع : حدّثنا سفيان بن مرّة الهمداني عن عبد خير قال : سألت علي بن أبي طالب عليهماالسلام عن قوله تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ » قال : واللّه ما عمل بهذا غير أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، نحن ذكرنا اللّه فلا ننساه ، ونحن شكرناه فلا نكفره ، ونحن أطعناه فلا نعصيه .
فلمّا أنزلت هذه الآية قالت الصحابة : لا نطيق ذلك ، فأنزل اللّه « فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » قال وكيع : يعني ما أطعتم ، ثم قال « وَاسْمَعُوا »
ما تؤمرون « وَأَطِيعُوا » يعني أطيعوا اللّه ورسوله وأهل بيته فيما
يأمرونكم به .
ووجدنا العامة إذا ذكروا عليا عليه السلام في كتبهم أو أجروا ذكره على ألسنتهم قالوا : كرّم اللّه وجهه ، يعنون بذلك عن عبادة الأصنام .
* * *
وروي أنّه إعترف عنده رجل محصن أنّه قد زنى مرّة بعد مرّة ، وهو يتجاهل حتى اعترف الرابعة ، فأمر بحبسه ، ثم نادى في الناس ، ثم أخرجه بالغلس(1) ، ثم حفر له حفيرة ووضعه فيها ، ثم نادى : أيّها الناس ، إنّ هذه حقوق اللّه لا يطلبها من كان عليه مثله ، فانصرفوا ما خلا علي بن أبي طالب وابنيه عليهم السلام ، فرجمه ، ثم صلّى عليه .
وفي التهذيب : إنّ محمد بن الحنفية كان ممّن رجع(2) !!!
ص: 78
وعلي بن أبي طالب كان ممّن وصفه اللّه - تعالى - في قوله : « وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ » ، ثم قال : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ » ، فنظرنا في أمر الظالم فإذا الأمّة قد فسّروه أنّه عابد الأصنام ، وأنّ من عبدها فقد لزمه الذلّ ، وقد نفى اللّه أن يكون الظالم خليفة بقوله : « لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ » .
قال الصاحب بن عباد :
وما عبد الأصنام والقوم سجّد
لها وهو في إثر النبي محمد
* * *
وقال الحميري :
لم يتّخذ وثنا ربّا كما اتخذوا
ولا أجال لهم في مشهد زلما
صلّى ووحّد إذ كانت صلاتهم
للاّت تجعل والعزّى وما احتلما
* * *
وقال ديك الجن :
شرفي محبّة معشر
شرفوا بسورة هل أتى
وولاي من في فتكه
سمّاه ذو العرش الفتى
لم يعبد الأصنام قط
ولا ألام ولا عتا
ثبتت إذا قدما سواه
إلى المهاوي زلتا
ثقل الهدى وكتابه
بعد النبي تشتتا
وا حسرتا من ذلّهم
وخضوعهم وا حسرتا
طالت حياة عدوّهم
حتى متى وإلى متى
* * *
ص: 79
ثم إنّه لم يشرب الخمر قطّ ، ولم يأكل ما ذبح على النصب ، وغير ذلك من الفسوق ، وقريش ملوثون بها ، وكذلك يقول القصّاص : أبو فلان وفلان والطاهر علي عليه السلام .
تفسير القطان : عن عمرو بن حمران عن سعيد عن قتادة عن الحسن البصري قال : اجتمع عثمان بن مظعون(1) ، وأبو طلحة ، وأبو عبيدة ، ومعاذ بن جبل ، وسهيل بن بيضاء ، وأبو دجانة ، في منزل سعد بن أبي وقاص ، فأكلوا شيئا ، ثم قدّم إليهم شيئا من الفضيخ ، فقام علي عليه السلام فخرج من بينهم ، فقال عثمان في ذلك ، فقال علي عليه السلام : لعن اللّه الخمر - واللّه - لا أشرب شيئا يذهب عقلي ويضحك بي من رآني ، وأزوّج كريمتي من لا أريد ، وخرج من بينهم ، فأتى المسجد .
وهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآية « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » يعني هؤلاء الذين اجتمعوا في منزل سعد « إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ » الآية .
ص: 80
فقال علي عليه السلام : تبّا لها - واللّه - يا رسول اللّه ، لقد كان بصري فيها نافذ منذ كنت صغيرا .
قال الحسن : واللّه الذي لا إله إلاّ هو ما شربها قبل تحريمها ولا ساعة قطّ .
قال الشاعر :
علي على الإسلام والدين قد نشا
وما عبد الأصنام قطّ ولا انتشا
وقد عبد الرحمن طفلاً ويافعا
وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشا
* * *
ثم إنّه عليه السلام لم يأت بفاحشة قطّ .
ونزلت فيه : « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ » الآيات .
في التاريخ من ثلاثة طرق عن عمار بن ياسر ، وذكره جماعة بطرق كثيرة عن بريدة الأسلمي في حديثه : أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله : قال لي جبريل عليه السلام : يا محمد ، إنّ حفظة علي بن أبي طالب عليهماالسلام تفتخر على الملائكة أنّها لم تكتب على علي عليه السلام خطيئة منذ صحبته .
* * *
قال العبدي :
وإنّ جبريل الأمين قال لي
عن ملكيه الكاتبين مذ دنا
أنّهما لم يكتبا قطّ على
الطهر علي زلّة ولا خنا
* * *
ص: 81
وقال الحميري :
له شهد الكتاب فلا تخرّوا
على آياته صمّا عميّا
بتطهير أميط(1) الرجس عنه
وسمّي مؤمنا فيه زكيا
* * *
ثم إنّه كان أبو طالب وفاطمة بنت أسد عليهماالسلام ربّيا النبي صلى الله عليه و آله ، وربّى النبي صلى الله عليه و آله وخديجة لعلي صلوات اللّه عليهم .
وسمعت مذاكرة : أنّه لمّا ولد علي عليه السلام لم يفتح عينيه ثلاثة أيام ، فجاء النبي صلى الله عليه و آله ، ففتح عينيه ونظر إلى النبي
صلى الله عليه و آله ، فقال صلوات اللّه عليه : خصّني
بالنظر ، وخصصته بالعلم .
تاريخ الطبري ، والبلاذري ، وتفسير الثعلبي ، والواحدي ، وشرف النبي صلى الله عليه و آله ، وأربعين الخوارزمي ، ودرجات محفوظ البستي ، ومغازي محمد بن إسحاق ، ومعرفة أبي يوسف النسوي : أنّه قال مجاهد :
كان من نعمة اللّه على علي بن أبي طالب عليه السلام أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب عليه السلام ذا عيال كثيرة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لحمزة والعباس : إنّ أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة ، فانطلقا بنا نخفف من عياله ، فدخلوا عليه وطلبوه بذلك ، فقال :
ص: 82
إذا تركتم لي عقيلاً فافعلوا ما شئتم ، فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ، ثم بقي في وحدة إلى أن أخذ يوم بدر .
وأخذ حمزة جعفرا ، فلم يزل معه في الجاهلية والإسلام إلى أن قتل حمزة ، وأخذ العباس طالبا ، وكان معه إلى يوم بدر ، ثم فقد فلم يعرف له خبر .
وأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا ، وهو ابن ست سنين ، كسنّه يوم أخذه أبو طالب ، فربّته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الإسلام ، وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد ، فكان مع النبي صلى الله عليه و آله إلى أن مضى وبقى علي عليه السلام بعده(1)(2) .
وفي رواية : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اخترت من اختار اللّه لي عليكم عليا عليه السلام .
وذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق : إنّ النبي صلى الله عليه و آلهحين
تزوج خديجة عليهاالسلام قال لعمّه أبي طالب عليه السلام : إنّي أحبّ أن تدفع إليّ بعض
ص: 83
ولدك يعينني على أمري ويكفيني ، وأشكر لك بلاءك عندي ، فقال أبو طالب عليه السلام : خذ أيّهم شئت ، فأخذ عليا(1) عليه السلام .
نهج البلاغة : وقد علمتم موضعي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلاد القرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلى صدره ، ويلفّني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرقه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة(2) في فعل ، ولقد قرن اللّه به صلى الله عليه و آله من لدن كان فطيما أعظم ملكا من ملائكة يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي في كلّ يوم علما من أخلاقه ، ويأمرني بالإقتداء به(3) .
فمن استقى عروقه من منبع النبوة ، ورضعت شجرته ثدي الرسالة ، وتهدّلت أغصانه من نبعة الإمامة ، ونشأ في دار الوحي ، وربّي في بيت التنزيل ، ولم يفارق النبي صلى الله عليه و آله في حال حياته إلى حال وفاته ، لا يقاس بسائر الناس .
وإذا كان عليه السلام في أكرم أرومة ، وأطيب مغرس ، والعرق الصالح ينمى ، والشهاب الثاقب يسري ، وتعليم الرسول ناجع ، ولم يكن الرسول صلى الله عليه و آله ليتولّى تأديبه ويتضمّن حضانته وحسن تربيته إلاّ على ضربين : إمّا على التفرّس فيه ، أو بالوحي من اللّه - تعالى - ، فإن كان بالتفرّس ، فلا تخطى ء فراسته ، ولا يخيب ظنّه ، وإن كان بالوحي ، فلا منزلة أعلى ، ولا حال أدلّ على الفضيلة والإمامة منه .
قال الشاعر :
ومن كفل النبي به صبيا
صغير السنّ عام المستنينا
وغذّاه بحكمته فأضحى
يفوق بها جميع الخاطبينا
* * *
ص: 85
ص: 86
ص: 87
ص: 88
ابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر ، والبراء ، وأنس ، وأم سلمة ، والسدّي ، وابن سيرين ، والباقر عليه السلام في قوله تعالى « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً » قالوا : هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسن(1) عليهم السلام « وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً » القائم في آخر الزمان ، لأنّه لم يجتمع
نسب وسبب في الصحابة والقرابة إلاّ له ، فلأجل ذلك استحقّ الميراث بالنسب والسبب .
وفي رواية : البشر الرسول صلى الله عليه و آله ، والنسب فاطمة عليهاالسلام ، والصهر علي عليه السلام .
تفسير الثعلبي قال ابن سيرين :
نزلت في النبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام زوج ابنته فاطمة عليهاالسلام ، وهو ابن عمّه وزوج ابنته ، فكان نسبا وصهرا(2) .
* * *
ص: 89
قال ابن الحجاج :
بالمصطفى وبصهره
ووصيّه يوم الغدير
* * *
وقال كعب بن زهير : « صهر النبي وخير الناس كلّهم(1) » .
الصادق عليه السلام : أوحى اللّه - تعالى - إلى رسوله صلى الله عليه و آله : قل لفاطمة عليهاالسلام لا تعصي عليا عليه السلام ، فإنّه لو غضب غضبت لغضبه(2) .
عوتب النبي صلى الله عليه و آله في أمر فاطمة عليهاالسلام فقال : لو لم يخلق اللّه علي بن أبي طالب ما كان لفاطمة كفو(3) .
وفي خبر : لولاك لما كان لها كفو على وجه الأرض .
ص: 90
المفضل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لولا أنّ اللّه - تعالى - خلق أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن لفاطمة عليهاالسلام كفو في وجه الأرض آدم فمن دونه(1) .
* * *
قال الصاحب :
كفو البتول ولا كفو سواه لها
والأمر يكشفه أمر يوازيه
* * *
وله أيضا :
يا كفو بنت محمد لولاك ما
زفّت إلى بشر مدى الأحقاب
يا أصل عدّة أحمد لولاك لم
يك أحمد المبعوث ذا أعقاب
* * *
وله أيضا :
وفي أيّ يوم لم يكن شمس يومه
إذا قيل هذا يوم تقضى المآرب
أفي خطبة الزهراء لمّا استخصّه
كفاء لها والكلّ من قبل طالب
* * *
وله أيضا :
هل مثل فاطمة الزهراء سيدة
زوّجتها يا جمال الفاطميينا
هل مثل نجليك في مجد وفي كرم
إذ كوّنا من سلال المجد تكوينا
* * *
ص: 91
وقال غيره :
وزوّجته الزهراء خير كريمة
لخير كريم فضلها ليس يجحد
* * *
وقال ابن حماد :
لو لم يكن خير الرجال لم تكن
زوجته فاطمة خير النسا
* * *
وقالوا : تزوّج النبي صلى الله عليه و آله من الشيخين ، وزوج من عثمان بنتين .
قلنا : التزويج لا يدلّ على الفضل ، وإنّما هو مبني على إظهار الشهادتين ، ثم إنّه تزوّج في جماعة .
وأمّا عثمان ففي زواجه خلاف كثير ، وإنّه صلى الله عليه و آله كان زوّجهما من كافرين قبله .
ليس حكم فاطمة عليهاالسلام مثل ذلك ، لأنّها وليدة الإسلام ، ومن أهل العبا والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت ، وورد فيها آية التطهير ، وافتخر جبرئيل عليه السلام بكونه منهم ، وشهد اللّه لهم بالصدق ، ولها أمومة الأئمة إلى يوم القيامة ، ومنها الحسن والحسين عليهماالسلام وعقب الرسول صلى الله عليه و آله ، وسيدة النساء ، وهي سيدة نساء العالمين ، وزوجها من أصلها وليس بأجنبي .
وأمّا الشيخان ، فقد توسّلا إلى النبي صلى الله عليه و آله بذلك ، وأمّا علي فتوسّل النبي صلى الله عليه و آله إليه بعد ما ردّ خطبتها ، والعاقد بينهما هو اللّه - تعالى - ، والقابل
ص: 92
جبرئيل عليه السلام ، والخاطب راحيل ، والشهود حملة العرش ، وصاحب الثنا رضوان ، وطبق النثار شجرة طوبى ، والنثار الدرّ والياقوت والمرجان ، والرسول صلى الله عليه و آله هو المشاطة ، وأسماء صاحبة الحجلة ، ووليد هذا النكاح الأئمة عليهم السلام .
ابن نباتة :
وكذا لا تزال أو يظهر القائم
خير الورى لنسلك نسلا
* * *
ابن شاهين المروزي في كتاب فضائل فاطمة عليهاالسلام بإسناده عن الحسين بن واقد عن أبي بريدة عن أبيه ، وعن البلاذري في التاريخ بإسناده :
إنّ أبا بكر خطب إلى النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام ، فقال : انتظر لها القضاء ، ثم خطب إليه عمر ، فقال : انتظر لها القضاء(1) . . الخبر .
مسند أحمد وفضائله ، وسنن أبي داود ، وإبانة ابن بطّة ، وتاريخ الخطيب ، وكتاب ابن شاهين ، واللّفظ له : بالإسناد عن خالد الحذاء وأبي أيوب وعكرمة وأبي نجيح وعبيدة ابن سليمان ، كلّهم عن ابن عباس :
ص: 93
أنّه لمّا زوج النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليا عليهماالسلام قال له النبي صلى الله عليه و آله : فاعطها شيئا ، قال : ما عندي شيء ، قال : فأين درعك الحطمية(1) .
وفي رواية غيره : أنّه قال علي عليه السلام : عندي ، قال : فاعطها إياها(2) .
قال السوسي :
وزوّج بالطهر البتولة فاطم
وردّ سواه كاسف البال من حقر
وخاطبها جبريل لمّا أتى به
ومن شهد الأملاك يلقطن ما نثر
تناثر ياقوت ودرّ وجوهر
ومسك وكافور من الخلد قد نثر
وقولا له يا خاطبيها بحسرة
تزوّجت الشمس المنيرة بالقمر
ويطلع من شمس الضحى قمر الدجى
كواكب قد لاحت لنا إحدى عشر
* * *
ص: 94
وقال ابن حماد :
وقصّة القوم لمّا أقبلوا طمعا
لفاطم من رسول اللّه خطّابا
قالوا نسوق إليك المال تكرمة
وارغبوا في عظيم المال إرغابا
فقال ما في يدي من أمرها سبب
واللّه أولى بها أمرا وأسبابا
وجاءه المرتضى من بعد يخطبها
فارتدّ مستحييا منه وقد هابا
وقام منصرفا قال النبي له
وقد كسا من حياه الطهر جلبابا
أجئتني تخطب الزهراء قال نعم
فقال حبّا وإكراما وإيجابا
هل في يديك لها مهر فقال له
ما كنت أذخر أموالاً وأنشابا(1)
فقال هاتيك درعك ما فعلت بهافقال ها هي ذي للخطب إن نابا
فقال نرضى بها مهرا فزوّجهوفاز من فاز لمّا خاب من خابا
* * *
وله أيضا :
من خصّ بالزهراء فاطمة التقى
فضلاً من اللّه العلي الواجب
حُبيت به وحبي بها ولقد زوى
عنها سواه بكلّ ظنّ خائب
أكرم بمن كان الإله وليّها
وخطيبها أكرم بها من خاطب
* * *
ص: 95
وقال العوني :
زوّجك اللّه يا إمامي
بفاطم البرّة الزكيه
وردّ من رامها جميعا
بأوجه كزّة(1) خزيه
أليس قد نافقوا وإلاّما ردّ للقوم جاهليه
* * *
وقال الحنيني :
أنا مولى من حباه ربّه
بالرضا فاطمة زين العرب
لست مولى الخاطب الوغد الذي
ردّ بالخيبة لمّا أن خطب
* * *
وقال غيره :
وفاطمة الزهراء لم يك كفوها
سواه من الخطاب في كلّ عزّة
* * *
ص: 96
ص: 97
ص: 98
صارا أخوين من ثلاثة أوجه :
أوّلها : لقوله عليه السلام : لا زال ينقله من الآباء الأخاير . . الخبر .
والثاني : إنّ فاطمة بنت أسد ربّته حتى قال : هذه أمّي ، وكان عند أبي طالب عليه السلام من أعزّ أولاده ، ربّاه في صغره ، وحماه في كبره ، ونصره باللّسان والمال والسيف والأولاد والهجرة ، والأب أبوان : أب ولادة ، وأب إفادة .
ثم إنّ العمّ والد ، قوله - تعالى - حكاية عن يعقوب « ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي » الآية ، وإسماعيل كان عمّه .
وقوله - تعالى - حكاية عن إبراهيم عليه السلام « وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ » ، قال الزجاج : أجمع النسابة أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ .
والثالث : آخاه في عدّة مواضع : يوم بيعة العشيرة حين لم يبايعه أحد بايعه علي عليه السلام على أن يكون له أخا في الدارين .
وقال في مواضع كثيرة ، منها يوم خيبر : أنت أخي ووصيّي .
وفي يوم المؤاخاة ما ظهر عند الخاصّ والعام صحّته ، وقد رواه ابن بطّة من ستّة طرق .
ص: 99
وروي أنّه كان النبي صلى الله عليه و آله بالنخيلة وحوله سبعمائة وأربعون رجلاً ، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : إنّ اللّه - تعالى - آخى بين الملائكة وبيني ، وبين ميكائيل وبين إسرافيل ، وبين عزرائيل وبين دردائيل ، وبين راحيل ، فآخى النبي صلى الله عليه و آله بين أصحابه(1) .
وروى خطيب خوارزم في كتابه بالإسناد عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه و آله : أوّل من اتخذ علي بن أبي طالب عليه السلام أخا إسرافيل ، ثم جبرائيل(2) . . الخبر .
تاريخ البلاذري والسلامي وغيرهما عن ابن عباس وغيره : لمّا نزل قوله تعالى « إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ » آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين الأشكال والأمثال ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان وعبد الرحمن ، وبين سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ، وبين طلحة والزبير ، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب الأنصاري ، وبين أبي ذر وابن مسعود ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين حمزة وزيد بن حارثة ، وبين أبي الدرداء وبلال ، وبين جعفر الطيار ومعاذ بن جبل ، وبين المقداد وعمار ، وبين عائشة وحفصة ، وبين زينب بنت جحش وميمونة ، وبين أم سلمة وصفية ، حتى آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم ، ثم قال : أنت أخي وأنا أخوك يا علي(3) .
محمد بن إسحاق قال : آخى النبي صلى الله عليه و آله بين أصحابه من المهاجرين
ص: 100
والأنصار ، أخوين أخوين ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقال : وهذا أخي(1) .
تاريخ البلاذري : قال علي عليه السلام : يا رسول اللّه ، آخيت بين أصحابك
وتركتني .
فقال: أنت أخي ، أما ترضى أن تدعى إذا دعيت ، وتكسى إذا كسيت ، وتدخل الجنّة إذا دخلت ؟
قال : بلى يا رسول اللّه (2) .
الترمذي ، والسمعاني والنطنزي : أنّه قال ابن عمر وزيد بن أبي أوفى : آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين أصحابه ، فجاء علي عليه السلام تدمع عيناه ، فقال : يا رسول اللّه ، آخيت بين أصحابك ، ولم تواخ بيني وبين أحد ! فقال النبي صلى الله عليه و آله : أنت أخي في الدنيا والآخرة(3) .
وفي فضائل أحمد : إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك(4) .
وفيه برواية زيد ابن أوفى : والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي ،
ص: 101
وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي(1) .
الأربعين عن الخوارزمي : قال أبو رافع : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله التفت إلى علي عليه السلام ، فقال : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، ووزيري ووارثي .
اعتقاد أهل السنة : روى مخدوج بن زيد الذهلي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا آخى بين المسلمين أخذ بيد علي عليه السلام فوضعها على صدره ، وقال : يا علي ، أنت منّي وأنا منك بمنزلة هارون من موسى(2) . . الخبر .
شيخ السنّة القاضي أبو عمرو بإسناده عن شرحبيل في خبر : إنّ عليا عليه السلام قال : فأنا - يا رسول اللّه
صلى الله عليه و آله - من أخي ؟ قال : والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة(3) .
وفي فضائل العشرة عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش : يا محمد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب(4) .
ص: 102
فضائل السمعاني : روى أبو الصلت الأهوازي بإسناده عن طاووس عن جابر : إنّ النبي صلى الله عليه و آله رأى عليا عليه السلام فقال : هذا أخي ، وصاحبي ، ومن باهى اللّه به ملائكته ، ومن يدخل الجنّة بسلام .
فردوس الديلمي عن حذيفة قال النبي صلى الله عليه و آله : علي أخي وابن عمّي(1) .
المناقب عن أبي إسحاق العدل ، قال أبو يحيى : ما جلس علي عليه السلام
على المنبر إلاّ قال : أنا عبد اللّه ، وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب(2) .
الصادق عليه السلام : ولمّا آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين الصحابة وترك عليا عليه السلام ، فقال له في ذلك ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : إنّما اخترتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة ، فبكى علي عليه السلام عند ذلك ، وقال :
أفديك بنفسي أيّها المصطفى الذي
هدانا به الرحمن من عمه الجهل(3)
وأفديك حوبائي(4) وما قدر مهجتيلمن أنتمي منه إلى الفرع والأصل
ص: 103
ومن ضمّني منذ كنت طفلاً ويافعاوأنعشني بالبرّ والعلّ والنهل(1)
ومن جدّه جدّي ومن عمّه عمّيومن أهله أمّي ومن بنته أهلي
ومن حين آخى بين من كان حاضرادعاني وآخاني وبيّن من فضلي
لك الفضل إنّي ما حييت لشاكرلإتمام ما أوليت يا خاتم الرسل(2)
* * *
الفنجركردي في سلوة الشيعة : جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : سمعت عليا عليه السلام ينشد ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يسمع :
أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي
معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جدّي وجدّ رسول اللّه منفرد
وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
والحمد للّه شكرا لا شريك له
البرّ بالعبد والباقي بلا أمد
* * *
قال : فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : صدقت(3) .
ص: 104
محمد بن إسحاق : فبقي الناس ما شاء اللّه يتوارثون في المدينة بعقد الأخوة دون أولي الأرحام ، وأنزل اللّه فيهم « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » .
وبقى ميراث من لم يهاجر من المؤمنين بمكة على القرابة حتى أنزل اللّه « وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » فصار الميراث لأولي الأرحام(1) .
تفسير القطان وتفسير وكيع عن سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس : إنّ الناس كانوا يتوارثون بالأخوة ، فلمّا نزل قوله تعالى « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ » ، وهم الذين آخى بينهم النبي(2) صلى الله عليه و آله .
ثم قال النبي صلى الله عليه و آله : من مات منكم وعليه دين فإليّ قضاؤه ، ومن مات وترك مالاً فلورثته(3) .
ص: 105
فنسخ هذا الأول ، فصارت المواريث للقرابات الأدنى فالأدنى .
ثم قال : « إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً » الوصية من ثلث مال اليتيم(1) .
فقال النبي صلى الله عليه و آله عند نزولها : ألست أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : ألا من كنت مولاه فهذا وليّ اللّه علي بن أبي طالب مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه . . الدعاء ، ألا من ترك دينا أو ضيعة فإليّ ، ومن ترك مالاً فلورثته(2) .
تفسير جابر بن يزيد عن الإمام الصادق عليه السلام قال في هذه الآية : فكانت لعلي عليه السلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آله الولاية في الدين والولاية في الرحم ، فهو وارثه كما قال : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأنت وارثي .
السمعاني في الفضائل عن بريدة قال النبي صلى الله عليه و آله : لكلّ نبي وصيّ ووارث ، وإنّ عليا وصيّي ووارثي(3) .
وقالوا : وأمّا العباس فلم يرث لقوله تعالى « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا
ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » وبالإتفاق أنّه لم يهاجر العباس(4) .
ص: 106
ابن بطّة في الإبانة : إنّه قيل لقثم بن العباس : بأيّ شيء ورث علي بن أبي طالب عليه السلام النبي صلى الله عليه و آله دون العباس ؟ قال : لأنّه كان أشدّنا به لصوقا ، وأسرعنا به لحوقا(1) .
قال ابن حماد :
ويوم المواخاة نادى به
أخوك أنا اليوم بي فاقنع
* * *
وله أيضا :
واخاك أحمد إذ واخى صحابته
وكنت أنت له دون الأنام كفي
زوّجت فاطمة الزهراء إذ خطبت
وردّ خطّابها بالرغم والأسف
* * *
وله أيضا :
وآخاه من دون الأنام فيالها
غنيمة فوز ما أجلّ اغتنامها
* * *
وقال العوني :
علي أخوه المصطفى قد رويتم
وشيخاكم قد قلتما أخوان
* * *
وقال السوسي :
هل من أخ لرسول اللّه نعرفه
سوى علي فهل بالأمر منه خفاء
* * *
ص: 107
وقال أبو العلا :
من في الورى أحد أخوه محمد
أكرم بذاك من النبي إخاء
* * *
وقال الحميري :
فتى أخوه المصطفى خير مرسل
وخير شهيد ذو الجناحين جعفر
* * *
وقال ابن طوطي :
أليس رسول اللّه آخى بنفسه
عليا صغير السنّ يومئذٍ طفلا
* * *
وقال أبو هاشم الجعفري :
فألا سواه كان آخى وفيهم
إذا ما عددت الشيخ والكهل والطفلا
فهل ذاك إلاّ أنّه كان مثله
فألا جعلتم في إختياركم المثلا
أليس رسول اللّه أكّد عقده
فكيف ملكتم بعده العقد والحلاّ
* * *
وقال محمد بن علي العلوي :
وهو أخوه يوم آخى صحبه
ونفسه في المحكم المنزل
فإن أردت صدق ما أوضحته
وجدته في سورة المزمّل
ص: 108
وقال الجماني :
وآخاهم مثلاً لمثل فأصبحت
أخوته كالشمس ضمّت إلى البدر
فآخى عليا دونكم وأصاره
لكم علما بين الهداية والكفر
* * *
لم يكونا أخوين من النسب تحقيقا ، وإنّما قال ذلك فيه إبانة لمنزلته وفضله وإمامته على سائر المسلمين ، لئلا يتقدّم أحد منهم ولا يتأمّر عليه بعد ما آخى بين الأشكال أجمعين(1) وجعله شكلاً لنفسه .
والعرب تقول للشيء : إنّه أخو الشيء إذا أشبهه أو قاربه أو وافق معناه ، ومنه قوله تعالى : « إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً » ، وكانا جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام ، وقوله تعالى « يا أُخْتَ هارُونَ » .
فلمّا كان علي عليه السلام وصي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أمّته كان أقرب الناس شبها في المنزلة به ، والأخوة لا توجب ذلك ، لأنّه قد يكون المؤمن أخا للكافر والمنافق ، فثبتت إمامته .
ص: 109
ص: 110
ص: 111
ص: 112
حديث سدّ الأبواب
رواه نحو ثلاثين رجلاً من الصحابة ، منهم : زيد بن أرقم ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو سعيد الخدري ، وأم سلمة ، وأبو رافع ، وأبو الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، وأبو حازم عن ابن عباس .
والعلاء عن ابن عمر ، وشعبة عن زيد بن علي عن أخيه الباقر عليه السلام عن جابر ، وعلي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، وقد تداخلت الروايات بعضها في بعض :
إنّه لمّا قدم المهاجرون إلى المدينة بنوا حوالي مسجده بيوتا فيها أبواب شارعة في المسجد ، ونام بعضهم في المسجد ، فأرسل النبي صلى الله عليه و آلهمعاذ بن جبل ، فنادى :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله يأمركم أن تسدّوا أبوابكم إلاّ باب علي عليه السلام ، فأطاعوه إلاّ رجل .
قال : فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال ما حدّثني به أبو الحسن العاصمي الخوارزمي عن أبي البيهقي عن أحمد بن جعفر عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن محمد بن جعفر عن عون عن عبد اللّه بن ميمون عن زيد بن أرقم أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله :
ص: 113
أمّا بعد ، فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي ، فقال فيه قائلكم ، فإنّي - واللّه - ما سددت شيئا ولا فتحته ، ولكن أمرت بشيء فاتبعته(1) .
ذكره أحمد في الفضائل(2) .
مسند أبي يعلى عن سعد بن أبي وقاص : أنا ما فتحته ، ولكنّ اللّه فتحه(3) .
خصائص العلوية عن بريدة الأسلمي : يا أيّها الناس ، ما أنا سددتها ، وما أنا فتحتها ، بل اللّه - عزّ وجلّ - سدّها ، ثم قرأ « وَالنَّجْمِ إِذا هَوى »
إلى قوله « إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى »(4) .
مسند أبي يعلى ، وفضائل السمعاني ، وحلية الأولياء عن أبي نعيم بطريقين عن أبي صالح عن عمرو بن ميمون ، قال ابن عباس :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سدّوا أبواب المسجد كلّها إلاّ باب علي عليه السلام(5) .
ص: 114
وفي رواية عن ابن عباس : سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي قبل أن ينزل العذاب(1) .
تاريخ بغداد فيما أسنده الخطيب إلى زيد بن علي عن أخيه محمد بن علي عليهماالسلام أنّه سمع جابر بن عبد اللّه يقول :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : سدّوا الأبواب كلّها إلاّ باب علي عليه السلام ، وأومى ء بيده إلى باب علي عليه السلام(2) .
الفردوس عن الكياشيرويه : سدّوا الأبواب كلّها إلاّ باب علي(3) عليه السلام .
جامع الترمذي عن شعبة عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب علي(4) عليه السلام .
مسند العشرة عن أحمد بن عبد اللّه بن الرقيم الكناني قال :
خرجنا إلى المدينة زمن الجمل ، فلقينا سعد بن مالك يقول : أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد ، وترك باب علي عليه السلام(5) .
تاريخ البلاذري ومسند أحمد : قال عمرو بن ميمون في خبر : خلا ابن
ص: 115
عباس مع جماعة ، ثم قام يقول : أفٍ أفٍ ، وقعوا في رجل قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وقال له : من كنت وليّه فعلي وليّه ، وقال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى . . الخبر ، وقال له : لأدفعن الراية إلى رجل . . الخبر ، وسدّ الأبواب إلاّ باب علي عليه السلام ، ونام مكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليلة الغار ، وبعث براءة مع أبي بكر ، ثم أرسل عليا عليه السلامفأخذها(1) .
الإبانة عن أبي عبد اللّه العكبري ، والمسند عن أبي يعلى ، وأحمد ، وفضائل أحمد ، وشرف المصطفى عن أبي سعيد النيسابوري ، واللّفظ له :
قال عبد اللّه بن عمر : ثلاثة أشياء لو كان لي واحدة منهن لكان أحبّ إليّ من حمر النعم ، أحدها إعطاء الراية إياه يوم خيبر ، وتزويجه فاطمة عليهاالسلام إياه ، وسدّ الأبواب إلاّ باب علي(2) عليه السلام .
قالوا : فخرج العباس يبكي وقال : يا رسول اللّه ، أخرجت عمّك وأسكنت ابن عمّك ؟! فقال : ما أخرجتك ولا أسكنته ، ولكن اللّه أسكنه(3) .
ص: 116
وروي : أنّ العباس قال لفاطمة عليهاالسلام : انظروا إليها كأنّها لبوة بين يديها جرواها(1) تظن أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخرج عمّه ويدخل ابن عمّه(2) .
وجاء حمزة يبكي ويجرّ عباءه الأحمر ، فقال له كما قال للعباس(3) .
وقد ذكرنا جواب أحمد بن حنبل للمعتصم في ذلك .
فقال عمر : دع لي خوخة(4) اطلع منها إلى المسجد ، فقال : لا ، ولا بقدر اصبعة .
فقال أبو بكر : دع لي كوّة(5) أنظر إليها ، فقال : لا ، ولا رأس إبرة .
فسأل عثمان مثل ذلك فأبى(6) .
الفائق عن الزمخشري قال سعد : لمّا نودي ليخرج من في المسجد إلاّ آل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وآل علي عليه السلام خرجنا نجرّ قلاعنا - هو جمع قلع وهو الكنف(7) - .
ص: 117
فضائل السمعاني : روى جابر عن ابن عمر في خبر : أنّه سأله رجل فقال : ما قولك في علي وعثمان ؟
فقال : أمّا عثمان ، فكأنّ اللّه قد عفا عنه ، فكرهتم أن يعفو عنه ، وأمّا علي ، فابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وختنه ، وهذا بيته - وأشار بيده إلى بيته - حيث ترون(1) .
أمر اللّه - تعالى - نبيه أن يبني مسجده ، فبنى فيه عشرة أبيات ، تسعة لنبيه وأزواجه ، وعاشرها - وهو متوسطها - لعلي وفاطمة(2) عليهماالسلام .
وكان ذلك في أوّل سنة الهجرة ، وقالوا : كان في آخر عمر النبي صلى الله عليه و آله ، والأول أصحّ وأشهر .
وبقي على كونه ، فلم يزل علي عليه السلام وولده في بيته إلى أيام عبد الملك بن مروان ، فعرف الخبر ، فحسد القوم على ذلك واغتاض ، وأمر بهدم الدار ، وتظاهر أنّه يريد أن يزداد في المسجد ، وكان فيها الحسن بن الحسن ، فقال : لا أخرج ولا أمكّن من هدمها ، فضرب بالسياط وتصايح الناس ، وأخرج عند ذلك ، وهدمت الدار ، وزيد في المسجد(3) .
وروى عيسى بن عبد اللّه : إنّ دار فاطمة عليهاالسلام حول تربة النبي صلى الله عليه و آله ، وبينهما حوض .
ص: 118
وفي منهاج الكراجكي : إنّه ما بين البيت الذي فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبين الباب المحاذي لزقاق البقيع فتح له باب وسدّ على سائر الأصحاب(1) .
* * *
من قلع الباب كيف يسدّ عليه الباب ؟! قلع باب الكفر من التخوم فتح له أبواب من العلوم .
* * *
قال الحميري :
وخصّ رجال من قريش بأن بنى
لهم حجرا فيه وكان مسدّدا
فقيل له أسدد كلّ باب فتحته
سوى باب ذي التقوى علي فسدّدا
* * *
وله أيضا :
جاروا على أحمد في جاره
واللّه قد أوصاه بالجار
هو جاره في مسجد طاهر
ولم يكن من عرصة الدار
أربى بما كان وأربى بما
في كلّ إعلان وإسرار
وأخرج الباقين منه معا
بالوحي من إنزال جبار
* * *
ص: 119
وله أيضا :
من كان ذا جار له في مسجد
من نال منه قرابة وجوارا
واللّه أدخله وأخرج قومه
وإختاره دون البرية جارا
* * *
وله أيضا :
وأسكنه في مسجد الطهر وحده
وزوجه واللّه من شاء يرفع
فجاوره فيه الوصي وغيره
وأبوابهم في مسجد الطهر شرّع
فقال لهم سدّوا عن اللّه صادقا
فضنّوا بها عن سدّها وتمنّعوا
فقام رجال يذكرون قرابة
وما ثمّ فيما يبتغي القوم مطمع
فعاتبه في ذاك منهم معاتب
وكان له عمّا وللعمّ موضع
فقال له أخرجت عمّك كارها
وأسكنت هذا إنّ عمّك يجزع
فقال له يا عمّ ما أنا بالذي
فعلت بكم هذا بل اللّه فاقنعوا
* * *
وقال العبدي :
سدّد أبوابهم سواه
فأكثرت منهم الشرور
وقال ما تبتغون فيه
وهو عليم بذي الصدور
يا قوم إنّي إمتثلت أمرا
من ربّنا العالم الغفور
وكان هذا له دليل
بأنّه وحده ظهير
* * *
ص: 120
وله أيضا ، وقيل : للمفجع :
وله من أخيه نعت
حاز فخرا بفضله شرمحيا(1)
جاز شبها له بسكناه فيالمسجد حتما من أمره مقضيّا
بابه في شروع باب رسول اللّه إن كان مستخصّا حظيّا
حين سدّت أبوابهم وهو يغشىبابه شارعا منيفا بهيّا
* * *
وقال الصاحب :
ولا سدّ عن خير المساجد بابه
وأبوابهم إذ ذاك عنه تسدّد
* * *
وقال خطيب خوارزم :
فتح المبشّر باب مسجده له
إذ سدّ عنه سائر الأبواب
* * *
وقال شاعر :
وقد سدّ أبوابهم تاركا
عليا لباب علي طريقا
* * *
وقال آخر :
محمد قد يرى للفضل بابا
له إذ سدّ أبواب الصحاب
* * *
ص: 121
وقال القمّي :
علي له سدّ النبي كواهم
وباب علي وحده لم يردم(1)
* * *
وفي رواية أبي رافع : أنّه صلى الله عليه و آله صعد المنبر وقال : إنّ رجالاً يجدون في أنفسهم أن سكن علي عليه السلام في المسجد وخرجوا ، واللّه ما فعلت ذلك إلاّ عن أمر ربّي ، إن اللّه - تعالى - أوحى إلى موسى أن يسكن مسجده ، فلا يدخل جنب غيره وغير أخيه هارون وذريّته .
واعلموا - رحمكم اللّه - أنّ عليا منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، ولو كان كان عليا(2) .
جابر بن عبد اللّه : كنّا ننام في المسجد ومعنا علي عليه السلام ، فدخل علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : قوموا ، فلا تناموا في المسجد ، فقمنا لنخرج ، فقال : أما أنت فنم يا علي ، فقد أذن لك(3) .
أبو صالح المؤذن في الأربعين ، وأبو العلاء العطار الهمداني في كتابه بالإسناد عن أم سلمة : أنّه قال بأعلى صوته :
ص: 122
ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب ولا حائض إلاّ للنبي صلى الله عليه و آلهوأزواجه !! وفاطمة بنت محمد وعلي عليهم السلام ألا بيّنت لكم أن تضلّوا ، مرّتين(1) .
جامع الترمذي ، ومسند أبي يعلى ، وأبو سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه و آله :
يا علي لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك(2) .
وفي رواية : يا علي ، لا يحلّ لأحد من هذه الأمّة غيري وغيرك(3) .
وفي رواية : ولا يحّل أن يدخل مسجدي جنب غيري وغيره وغير ذريّته ، فمن شاء فهنا ، وأشار بيده نحو الشام .
فقال المنافقون : لقد ضلّ وغوى في أمر ختنه ، فنزل « ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى »(4) .
قال الحميري :
فيا أوّل من صلّى ومن زكّى ومن كبّر
ويا جار رسول اللّه في مسجده الأكبر
حلال فيه أن تجنب لا تلحي ولا تؤزر
* * *
ص: 123
وله أيضا :
صهر النبي وجاره في مسجد
طهر يطيبه الرسول مطيب
سيّان فيه عليه غير مذمّم
ممشاه إن جنبا وإن لم يجنب
* * *
وقال أبو الأسود :
هل أرض مسجده توطأ منهم
من بعد ذاك سواهما جنبان
إذ ذاك أذهب كلّ رجس عنهم
ربّي وطهّرهم من الأرزان(1)
أتراك في شكّ له من أنّهللفضل خصّ بفتحه بابان
* * *
خصوصيتهما بفتح بابيهما دليل على زيادة درجاتهما ، ورضى اللّه عنهما ، وجواز الاستطراق والمقام في المسجد جنبين دليل على طهارتهما وعصمتهما .
ص: 124
ص: 125
ص: 126
المرء يشرف بأن يكون في عقبه أولاد ، كما شرّف اللّه - تعالى - إبراهيم عليه السلام بأن جعل النبوة والإمامة في عقبه إلى يوم القيامة ، ومثله لعلي عليه السلام قال اللّه تعالى : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ »(1) .
وروي في الحلية عن أنس وأبي برزة عن النبي صلى الله عليه و آله : وهي الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، من أحبّه أحبّني ، ومن أبغضه أبغضني ، يعني عليا(2) .
وجعل إجماع ذرّيته حجّة على الخلق ، وأولاده هم الأئمة يصلحون لها .
وفي أولاده أنّ الصلاة واجبة عليهم في الصلوات .
وقوله حجّة في الدين ، وكذلك قول صهره وصهرته وزوجه وابنيه لشمول العصمة لهم في الدين .
وفي ولده نسل المصطفى إلى يوم التناد .
وفي أولاده لطيفة ، هما ابنا صلبه ، وسبطا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالولادة وابناه ببنى الشريعة ، وابنا بنته ، ولا يوجد في العالم جدّ هو أب في الحكم والشرع مع أنّه سبط وابن العمّ وابن البنت .
ولولديه أنّ النبي صلى الله عليه و آله أب لهما كأب الصلب ، كما قال عليه السلام : كلّ بني بنت فهو ابن أبيه . . الخبر .
وافتخر جبرئيل عليه السلام يوم المباهلة أنّه منهم .
والناس يسمّون أولاده : بأهل البيت ، وآل محمد صلى الله عليه و آله ، وعترة النبي ، وأولاد الرسول صلى الله عليه و آله ، وآل طه ويس ، ويلقبونهم : بالسيد وبالشريف .
والناس يتمنّون أن يكونوا منهم حتى وضع لذلك علم الأنساب ، وكتب الشجرة ، ويجزّون ذوائب المدّعين احتراما لهم ، ولا يحكم عليهم إلاّ نقباؤهم مع فقرهم وعجزهم ، والأعداء يتركون أكابرهم ، ويتبرّكون بأصاغرهم ، ويقتلون أحياهم ، ويعظّمون زيارة أمواتهم ، ويخربون دورهم ، ويزورون قبورهم ، كأنّهم يعادونهم للدنيا ويعدّونهم للآخرة .
ص: 128
تبرك عمر بن الخطاب بهما في الاستسقاء ، وغمس أيديهما في الدعاء مع جهده في إطفاء نور بني هاشم .
الأصمعي : لمّا كان عام رمادة(1) قال عمر لأبي عبيدة : خذ هذا البعير
بما عليه فات أهل البيت فانحره بينهم ، ومرهم ان يقدّدوا اللّحم ، وليحملوا الشحم ، وليلبسوا للغراير ، وليعدّوا ماء حارا ، فان احتاجوا إلى اللّحم أمدّوهم .
ثم خرج يستسقي فسقي(2) .
وإنّهم أعرف الناس نسبا ، وأخصّهم فضلاً ، ألا ترى أنّ العربي من ولد يعرب بن قحطان ، والقرشي من ولد النضر بن كنانة ، والهاشمي من ولد عبد المطلب ، والطالبي من ولد علي عليه السلام وعقيل وجعفر ، والعلوي من الحسن والحسين عليهماالسلام ومحمد والعباس وعمر أولاد أمير المؤمنين عليه السلام ، والفاطمي أولاد الحسن والحسين عليهم السلام .
* * *
أنشد محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد على قوم ذكروا الأنساب :
ص: 129
إنّ العباد تفرّقوا من واحد
فلأحمد السبق الذي هو أفضل
هل كان يرتحل البراق أبوكم
أم كان جبريل عليه ينزل(1)
* * *
وقد خصّ بالذريّة التي أبى اللّه أن يخرجها إلاّ من خير أرومة(2) خلقها ، فإنّ النبي صلى الله عليه و آله قد صاهره رجال من بني عبد مناف ، منهم أبو العاص بن الربيع ، وعتبة بن أبي لهب ، وعثمان بن عفان ، فكان هو المصطفى بكرم النجار(3) ، وطيب المغرس .
ثم إنّ أولاده يتزوّجون في الناس ولا يزوّجون فيهم إلاّ اضطرارا .
اجتهد عمر بن الخطاب في خطبة أم كلثوم اجتهادا ، وروي في ذلك أخبار .
وتزوّج الحجّاج ابنة عبد اللّه بن جعفر ، فاستأجل منه سنة حتى خلّص نفسه من أذاه .
وتزوّج(4) المأمون بفاطمة بنت محمد بن علي النقي عليه السلام !!
والكبراء يزوّجونهم رغبة فيهم ، كما زوّج المأمون ابنته من محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام .
ص: 130
ورغب عبد الملك بن مروان في زين العابدين عليه السلام فأبى .
وزوّج الصاحب من شريف معدم ، فقيل له في ذلك فقال :
الحمد للّه حمدا دائما أبدا
إذ صار سبط رسول اللّه لي ولدا
* * *
وفي الحساب : أعلى الأنساب ، نسب فاطمة عليهاالسلام ، لأنّهما استويا في العدد ، وهما مائتان وسبعة وأربعون .
ولا يوجد في أولاد الصحابة من المهاجرين والأنصار مشهورا بالعلم أو موسوما بالملل مثل ما يوجد في أولاده ، مثل الرضي والمرتضى .
قال أبو الحسن بن محفوظ : الرضي أشعر الناس ، لأنّه مجيد مكثر ، وما اجتمع في قرشي ذلك ، والمرتضى قد ألجم علماء الأمّة بالحجج والأدلّة .
فكيف بمثل محمد بن الحنفية ! أشجع أهل زمانه ، وكان النبي صلى الله عليه و آله ذكر اسمه وكنيته ، فبلغ من فضله حتى قالت الكيسانية : أنّه المهدي ، وهو الراوي عن أبيه علوما .
ومنهم أئمة الزيدية الذين لا يرون كلّ خارج إماما ، مثل : زيد ، ويحيى ، والناصر ، والقاسم سبعة عشر ، ومن يرى كلّ خارج إماما ، فثلاث وعشرون .
ص: 131
ومنهم خلفاء مصر ، نحو : العاضد ، والفائز ، والظافر ، والحافظ ، والمستعلي ، والمستنصر ، والظاهر ، والحاكم ، والعزيز ، والمعز ، والمنصور ، والقائم ، والمهدي .
ومنهم الملوك ، ملوك مكة والمدينة والجبل وبيهق .
ومنهم الملوك الماضون ، نحو : الداعي الكبير الحسن بن زيد وأخوه محمد .
ومنهم الرؤوساء والنقباء في كلّ مدينة .
فكيف بالأئمة المعصومين عليهم السلام ، مثل : الحسن ، والحسين ، وزين العابدين ، والباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ، والتقي ، والنقي ، والزكي ، والمهدي عليهم السلام ، الذين قد ظهرت العلوم في فرق العالمين منهم :
حتى أخذ من زين العابدين عليه السلام مثل : طاووس اليماني ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وابن شهاب الزهري .
وأخذ كلّ نوع من العلوم من محمد بن علي عليه السلام حتى سمّي باقر علم النبيين .
وأخذ من مشهوري أهل العلم من جعفر بن محمد عليه السلام أربعة آلاف إنسان ، فيهم أبو حنيفة ، ومالك ، ومحمد ، وقد روى عنه الشافعي وأحمد ، وصنّف من جواباته مائة كتاب ، وهي معروفة بكتب الأصول .
وكذلك حال موسى بن جعفر عليهماالسلام إلى أن حبس .
وظهر عن علي بن موسى عليهماالسلام ، وكذلك عن أبيه أبي جعفر عليه السلام ما لا يخفى على محصّل .
ص: 132
وإنّما قلّت الرواية عن أبي الحسن وأبي محمد عليهماالسلام ، لأنّهما كانا محبوسين في عسكر السلطان ممنوعين من الإنبساط في الفتيا .
* * *
قال المرزكي النحوي :
أيا لائمي في حبّ أولاد فاطم
أَهَلْ لرسول اللّه غيرهم عقب
هم أهل ميراث النبوة والهدى
وقاعدة الدين الحنيفي والقطب
أبوهم وصي المصطفى وابن عمّه
ووارث علم اللّه والبطل الندب(1)
* * *
وقال الصاحب :
وبالحسنين المجد مدّ رواقه
ولولاهما لم يبق للمجد مشهد
تفرّعت الأنوار للأرض منهما
فللّه أنوار بدت تتجدّد
هم الحجج الغرّ التي قد توضّحت
وهم سرج اللّه التي ليس تخمد
* * *
وقال ابن حماد :
ألا إنّني مولى لآل محمد
فلا تحسن الفحشاء منّي ولا الهزل
أولئك قوم لا يحاط بفضلهم
وليس لهم في الخلق شبه ولا شكل
ص: 133
هم أمناء اللّه في الأرض والسما
وهم عينه والأذن والجنب والحبل
وهم أنجم الدين الذي ضاء ضوءها
على ظلم الإشراك فهي لها تجلو
وفي كتب اللّه القديمة نعتهم
وقد نطقت عن عظم فضلهم الرسل
فروع رسول اللّه أحمد أصلها
لقد طاب فرع والنبي له أصل
علي أمير المؤمنين أبوهم
فهل لعلي في فضائله مثل
* * *
وقال ابن الحجاج :
فأنتم أهل بيت كان فيه
بأمر اللّه يخدم جبرئيل
وليس على فخاركم مزيد
وليس إلى مرامكم سبيل
* * *
وله أيضا :
أبوك أبو أئمتنا علي
وأمّك أمّ سادتنا البتول
فمن يرجو مداك وكيف يلقى
أبو السبطين فيه والرسول
* * *
ص: 134
وقال ابن دريد الأزدي :
إنّ البريّة خيرها نسبا
إن عدّ أكرمه وأمجده
نسب معظمة محمدة
وكفاه تعظيما محمده
ليست إذا كبت الزناد فما
تكبو إذا ما نضّ أزنده(1)
وأخو النبي محمد فريد محتدهلم يكبه في القدح مصلده(2)
حلّ البلاء به على شرفيتكأّد الراقين صعدده
* * *
ص: 135
ص: 136
ص: 137
ص: 138
ما وجدنا لعظماء الخلف والسلف في الأرض أثرا مذكورا ، أو خبرا مشهورا يتقرّب الناس إليها كما لم نجد في الأمم الماضية نحو كسرى وأنوشروان وفرعون وهامان وشداد ونمرود .
ووجدنا أهل البيت عليهم السلام امتلأت أقطار الأرض بآثارهم ، وبنوا
المشاهد والمساجد بأسمائهم ، وأنفق لسكان الأمصار من إجلال مشاهدهم بعد خمول شاهدهم ، وغر معاندهم ، وقصدهم في الآفاق البعيدة تقرّبا إلى اللّه بجاه تربهم .
وكلّما تطاولت الدهور زاد محلّها سموّا ، وذكرها نموّا ، ويرى الناس فيها العجائب عيانا ومناما ، كما نجد في آثار الأنبياء والأوصياء عليهم السلاممثل :
الحطيم ، ومقام إبراهيم عليه السلام ، وميزاب إسماعيل عليه السلام ، وربوة موسى عليه السلام ، وصخرة عيسى عليه السلام ، وباب حطّة بني إسرائيل ، وعند موالدهم ومحاضرهم ومجالسهم ، فظهر الحقّ وزهق الباطل .
* * *
قال الزاهي :
هل لكم مشهد يزار كما
مشاهد التابعين متبعه
يسطع نور لها على بعد
يطرق من زارها إذا سطعه
* * *
ص: 139
وقال الحصفكي :
قوم أتى في هل أتى مدحتهم
ما شكّ في ذلك إلاّ ملحد
قوم لهم في كلّ أرض مشهد
لا بل لهم في كلّ قلب مشهد
* * *
وقال غيره :
عمّروا بأطراف البلاد مقابرا
إذ خرّبوا من يثرب أوطانا
* * *
هذا أمير المؤمنين عليه السلام أكبر مشاهده اليوم مسجد ، ولد في الكعبة ، وربّي في دار خديجة ، وهي اليوم مسجد ، ومصلاهم عند باب مولد النبي صلى الله عليه و آله في شعب بني هاشم ، والموضع الذي بايع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيعة العشيرة ، وداره التي نزل فيها آية التطهير ، وموضع بيعة الغدير ، ومصلاّه في الرقّة ، وموضع سكونه في صفين ، ومسجد الإحرام للميقات من بنائه ، ومسجد براثا في بغداد من إظهاره ، ومسجد الذئب عند الفرات من آياته ، ومشهد الشمس في الحلّة من معجزاته ، ومسجد الجمجمة في بابل من دلائله ، ومشهد السمكة عند النيل من فضائله ، ومشهد النار والفرج والمنطقة في المدائن من قدرته ، ومسجد السوط في السوق العتيقة في بغداد من إخباره بالغيب ، ومشهد الكفّ بالكوفة ، وفي تكريت ، وفي الموصل ، وفي رقّة من إعجازه ، ومشهد الشعر في بلده من عجائبه ،
ص: 140
ومسجد المجداف وعرقل والنور في رقّة من براهينه ، ومسجد في الموصل من حججه ، ومشهد العلث(1) بين بغداد وسامراء من بركاته ، ومشهد البوق عند رحبة الشام من كراماته ، ومشهد الصخرة في الشام من سلطانه ، ومشهد كوثى عند بغداد .
وقبلته جامع البصرة ، وقتل في جامع الكوفة الذي بناه نوح عليه السلام ، وصلّى فيه ألف نبي وألف وصي ، ودفن في الغري ، وهو اليوم مسجد .
ومنازله كلّها لمّا توجه إلى البصرة مساجد ، النخيلة ، وزواطه ، والشرط ، ومذار ، ومطارة ، وزكية ، وعند مشهد عزير ، وفوق البصرة على أربع فراسخ ، وعند قلعة البصرة ، وايلة ، وبلجان ، والمحرزي ، وعبادان ، ودقلة ، وقرية عبد اللّه ، وكرخ زادو .
ومن طريق العراق في المدائن ، وبغداد ، والأنبار ، وتحت الحديثة ، وعند الجبّ ، وصندوديا ، وعانة ، وبين الرحبة وعانة ، وفي الرحبة وزيلبيا ، ويلنج ، ورقّة ، وصفين .
وكذلك مشاهد أولاده عليهم السلام ، ومشاهد أولاده الطاهرين في المدينة ، وكربلاء ، وبغداد ، وسامراء ، وطوس .
وأمّا مشاهد العلويين في آفاق الأرض مثل كواكب السماء .
ص: 141
قال الناشي :
فزوروا بالغريّ وكربلاء
وبغداد وسامرا القبورا
ويثرب قد حوت منهم وطوس
قبور أئمة تحط الوزورا
* * *
وقال المرزكي :
حفروا بطيبة والغري وكربلا
وبطوس والزورا وسامراء
ما جئتهم في كربة إلاّ انجلت
وتبدّل الضراء بالسراء
قوم بهم غفرت خطيئة آدم
وجرت سفينة نوح فوق الماء
* * *
وقال غيره :
بطيبة نفسي والبقيع وكربلا
وطوس وسامرا وبغداد والنجف
قبور متى تلمم بها تستدم بها
سوالف معنى مصطفاها ومؤتنف
* * *
وقال آخر :
بطيبة والغري وأرض طفّ
وبغداد وطوس وسرّ من را
قبور أئمّتي وهم هداتي
عليهم رحمة الرحمن تترى
ص: 142
وقال عضد الدولة :
سقى اللّه قبرا بالغري وحوله
قبور بمثوى الطهر مشتملات
ورمسا بطوس لابنه وسمّيه
سقته السحاب الغرّ صفو فرات
وأمّ القرى فيها قبور منيرة
عليها من الرحمن خير صلات
وفي أرض بغداد قبور زكية
وفي سرّ من رأى معدن البركات
* * *
ص: 143
ص: 144
ص: 145
ص: 146
أبو جعفر عليه السلام في قوله تعالى « وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً » قال : هم الأوصياء من مخافة عدوّهم(1) .
خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال : ما لنا ولقريش ، وما تنكر منّا قريش ، غير أنّا أهل بيت شيّد اللّه فوق بنيانهم بنيانا ، وأعلى اللّه فوق رؤوسهم رؤوسنا ، واختارنا اللّه عليهم ، فنقموا عليه أن اختارنا عليهم ، وسخطوا ما رضى اللّه ، وأحبّوا ما كره اللّه .
فلمّا اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا ، وعرّفناهم الكتاب والسنّة ، وعلّمناهم الفرائض والسنن ، وحفظناهم الصدق واللين ، وديّناهم الدين والإسلام ، فوثبوا علينا ، وجحدوا فضلنا ، ومنعونا حقّنا ، والتوونا أسباب أعمالنا واعلامنا .
اللّهم فإنّي أستعديك على قريش ، فخذ لي بحقّي منها ، ولا تدع مظلمتي لها ، وطالبهم - يا ربّ - بحقّي ، فإنّك الحكم العدل ، فإنّ قريشا صغّرت
ص: 147
قدري ، واستحلّت المحارم منّي ، واستخفّت بعرضي وعشيرتي ، وقهرتني على ميراثي من ابن عمّي ، وأغروا بي أعدائي ، ووتروا بيني وبين العرب والعجم ، وسلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وكدّي ، ومنعوني ما خلّفه أخي وحميمي وشقيقي ، وقالوا : إنّك لحريص متّهم !
أليس بنا اهتدوا من متاه الكفر ، ومن عمى الضلالة ، وغيّ الظلماء ؟
أليس أنقذتهم من الفتنة الظلماء ، والمحنة العمياء ؟
ويلهم ، ألم أخلّصهم من نيران الطغاة ، وكره العتاة ، وسيوف البغاة ، ووطأة الأسد ، ومقارعة الصماء ، ومجادلة القماقمة الذين كانوا عجم العرب ، وغنم الحرب ، وقطب الأقدام ، وجبال القتال ، وسهام الخطوب ، وسلّ السيوف ؟
أليس بي تسنّموا الشرف ، ونالوا الحقّ والنصف ؟
ألست نبوة محمد صلى الله عليه و آله ودليل رسالاته ، وعلامة رضاه وسخطه الذي كان يقطع الدرع الدلاص(1) ، ويصطلم(2) الرجال الحراص ، وبي كان يبري جماجم البهم ، وهام الأبطال إلى أن فزعت تيم إلى الفرار ، وعدي إلى الانتكاص ؟
أما وإنّي لو أسلمت قريشا للمنايا والحتوف ، وتركتها فحصدتها
سيوف الغواة ، ووطأتها الأعاجم ، وكرات الأعادي ، وحملات الأعالي ،
ص: 148
وطحنتهم سنابك الصافنات(1) ، وحوافر الصاهلات في مواقف الأزل(2) والهزل(3) في طلاب الأعنّة ، وبريق الأسنّة ، ما بقوا لهضمي ، ولا عاشوا لظلمي ، ولما قالوا : إنّك لحريص متهم .
ثم قال بعد كلام : إنّما أنطق لكم العجماء ذات البيان ، وافصح الخرساء ذات البرهان، لأنّي فتحت الإسلام، ونصرت الدين، وعززت الرسول صلى الله عليه و آله،
وبنيت أعلامه ، وأعليت مناره ، وأعلنت أسراره ، وأظهرت أثره وحاله ، وصفّيت الدولة ، ووطأت الماشي والراكب ، ثم قدتها صافية على أنّي بها مستأثر .
ثم قال بعد كلام : سبقني إليها التيمي والعدوي كسباق الفرس إحتيالاً وإغتيالاً وخدعة وغيلة .
ثم قال بعد كلام : يا معشر المهاجرين والأنصار ، أين كانت سبقة تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة ، ألا كانت يوم الأبواء إذ تكاتفت الصفوف ، وتكاثرت الحتوف ، وتقارعت السيوف ؟
أم هلاّ خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ودّ ، وقد نفح بسيفه ، وشمخ بأنفه ، وطمح بطرفه ؟
ولم لم يشفقا على الدين وأهله يوم بواط ، إذ إسودّ لون الأفق ، وأعوج عظم العنق ، وانحل سيل الغرق ؟
ص: 149
ولم لم يشفقا يوم رضوى ، إذا السهام تطير ، والمنايا تسير ، والأسد تزأر ؟
وهلاّ بادرا يوم العشيرة ، إذ الأسنان تصطّك ، والآذان تستّك ، والدروع تهتك ؟
وهلاّ كانت مبادرتهما يوم بدر ، إذ الأرواح في الصعداء ترتقي ، والجياد بالصناديد ترتدي ، والأرض من دماء الأبطال ترتوي ؟
ولم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية ، والدعاس(1) ترعب ، والأوداج تشخب ، والصدور تخضب ؟
وهلاّ بادرا يوم ذات الليوث ، وقد أمجّ(2)(3) التولب(4) ، واصطلم الشوقب(5) ، وادلهمّ(6) الكوكب ؟
ولم لا كانت شفقتهما على الإسلام يوم الأكدر ، والعيون تدمع ، والمنية تلمع ، والصفائح تنزع ؟
ثم عدد وقائع النبي صلى الله عليه و آله ، وقرعهما بأنّهما في هذه المواقف كلّها كانا مع النظّارة .
ص: 150
ثم قال : ما هذه الدهماء والدهياء التي وردت علينا من قريش ، أنا صاحب هذه المشاهد ، وأبو هذه المواقف ، وابن هذه الأفعال الحميدة(1) . . . إلى آخر الخطبة .
قال الناشي :
فلم لم يثوروا ببدر وقد
تبلت من القوم إذ بارزوكا(2)
ولم عرّدوا إذ شجيت العدىبمهراس أحد ولم نازلوكا(3)
ولم أجمحوا يوم سلع وقدثبتّ لعمرو ولم أسلموكا(4)
ولم يوم خيبر لم يثبتواصحابة أحمد واستركبوكا
فلاقيت مرحبا والعنكبوتوأسد يحامون إذا وجهوكا
فدكدكت حصنهم قاهراوطوّحت بالباب إذ حاجزوكا
ولم يحضروا بحنين وقدصككت بنفسك جيشا صكوكا(5)
فأنت المقدّم في كلّ ذاكفللّه درّك لم أخّروكا
* * *
ص: 151
ومن نهج البلاغة : اللّهم إنّي استعديك على قريش ، فإنّهم قد قطعوا رحمي ، وكفّروا آبائي ، وأجمعوا على منازعتي حقّا ، وكنت أولى به من غيري ، وقالوا : ألا إنّ في الحقّ أن يأخذه ، وفي الحقّ أن نمنعه ، فاصبر مغموما أو متّ متأسفا .
فنظرت فإذا ليس رافد ولا ذاب ولا مساعد ، إلاّ أهل بيتي ، فضننت بهم على المنيّة ، فأغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجى ، وصبرت على الأذى ، وطبت نفسي على كظم الغيظ ، وما هو أمرّ من العلقم ، وآلم من حرّ الشفار(1) .
الشقشقية ، المقمّصة : أما - واللّه - لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء(2) ، أو أصبر على طخية(3) عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر
ص: 152
على هاتي أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى(1) ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله ، فأدلى بها إلى فلان بعده .
ثم تمثّل بقول الأعشى :
شتّان ما يومي على كورها
ويوم حيّان أخي جابر
* * *
فيا عجبا ! بينا هو يستقيلها(2) في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّما تشطّرا(3) ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء ، يغلظ كلمها(4) ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها والإعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق(5) لها خرم(6) ، وإن أسلس لها تقحّم(7) ، فمني(8) الناس - لعمر اللّه - بخبط(9) وشماس(10) ، وتلوّن واعتراض .
فصبرت على طول المدّة ، وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فياللّه وللشورى ! متى اعترض الريب فيّ مع
ص: 153
الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ! ولكنّني أسففت(1) إذ أسفوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغى رجل لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن .
إلى أن قام ثالث القوم نافجا(2) حضنيه بين نثيله(3) ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون(4) مال اللّه خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث(5) عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وانكب(6) به بطنه ، فما راعني إلاّ والناس إليّ كعرف الضبع(7) ينثالون(8) عليّ من كلّ وجه ، حتى لقد وطى ء الحسنان ، وشقّ عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم .
فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ، وكأنّهم لم يسمعوا اللّه - سبحانه وتعالى - حيث يقول : « تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها » الآية ، بلى - واللّه - لقد سمعوها ووعوها ، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها(9) .
ص: 154
والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة(1) ظالم ، ولا سغب(2) مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز(3) .
فنوول كتابا ، فجعل يقرأ ، فلمّا فرغ من قراءته قال ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، لو إطردت مقالتك من حيث أفضيت ، فقال : هيهات - يا بن عباس - تلك شقشقة(4) هدرت ثم قرّت(5) .
ص: 155
ودخلت أم سلمة على فاطمة عليهاالسلام فقالت لها : كيف أصبحت عن ليتك يا بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
قالت : أصبحت بين كمد(1) وكرب ، فقد النبي صلى الله عليه و آله ، وظلم الوصي ، هتك - واللّه - حجبه ، أصبحت إمامته مقتصّة على غير ما شرع اللّه في التنزل ، وسنّها النبي صلى الله عليه و آله في التأويل ، ولكنّها أحقاد بدرية ، وترات أحدية كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لإمكان الوشاة .
فلمّا استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب(2) الآثار من مخيلة(3) الشقاق ، فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها ، وليس على ما وعد اللّه من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين ، أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد انتصار ممّن فتك(4) بآبائهم في مواطن الكروب ، ومنازل الشهادات(5) .
ص: 156
وقالت عليهاالسلام لمّا تكلّمت مع الأوّل : معاشر المسلمة ، المسرعة إلى قيل الباطل ، المغضية(1) على الفعل الخاسر ، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟! كلاّ بل ران على قلوبكم بتتابع سيئاتكم ، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ، ولبئس ما تأوّلتم ، وساء ما به أشرتم ، وشرّ ما منه اعتصمتم ، لتجدنّ - واللّه - محلّها ثقيلاً ، وغيّها وبيلاً ، إذا كشف لكم الغطاء ، وبان ما ورائه الضراء(2) ، وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون « وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ » .
ثم قالت للأنصار : معاشر النقباء ، وأعضاد البقية ، وأنصار الدين والملّة ، وحضنة الإسلام ، ما هذه الغميزة(3) في حقّي ، والإعراض عن ظلامتي ؟ أما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : المرء يحفظ في ولده ، لسرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة ، وبكم ما حاولت(4) طاقة ، أتقولون : مات محمد صلى الله عليه و آله ! فخطب لعمري جليل ، استوسع وهيه(5) ، واستهتر فتقه ،
ص: 157
واظلمت لديكم - واللّه - الأرض ، وتكدّرت الصفوة ، وأحيلت القرحة ، وتقرّحت السلعة(1) ، والثابت(2) خيرة اللّه ، وخشعت الجبال ، وأكدت
الآمال ، وضيع الحريم ، وأديلت(3) المحرمة(4) ، هي - واللّه - النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة(5) عاجلة ، أعلن لنا كتاب اللّه في أفنيتكم ممساكم ومصبحكم هتافا وصراخا ، وتلاوة وألحانا(6) ، ولقبله ما حلّ بأنبياء(7) اللّه ورسله ، حكم فصل ، وقضاء حتم ، « وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ »إلى قوله « الشّاكِرِينَ » .
أبني قيلة(8) ! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع ! تمسّكم الدعوة ، ويشملكم الخبر ، وفيكم العدّة والعدد ، وبكم الدار والجنن(9) ، تقرع صيحتي آذانكم فلا تجيبون ، وتسمعون صرختي فلا تغيثون ، وأنتم نخبة اللّه التي انتخب ، وخيرته التي انتحل لنا أهل البيت ، فنابذتم العرب ، وناجزتم البهم ، وكافحتم الأمم ، لا نبرح وتبرحون ، نأمركم فتأتمرون ،
ص: 158
حتى دارت لنا بكم رحى الإسلام ، ودرّ حلب البلاد ، وهدأت دعوة الهرج ، وسكنت فورة الشرّ ، وطفئت جمرة الكفر ، وقرّ نقار الحقّ ، واستوسق نظام الدين ، فإن حرتم بعد القصد ، ونكصتم بعد الإقدام « أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ » إلى قوله « مُؤمِنِينَ » .
ألا - واللّه - لقد أخلدتم إلى الخفض ، وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ، وخلوتم بالدعة ، ونجوتم من الضيق بالسعة ، وكلفتم(1) بالدعة ، فمحجتم(2) بالذي وعيتم ، ف-« إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ » الآية .
ألا وقد قلت الذي قلت عن عرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم ، ولكنّها فيضة للنفس ، وهيضة(3) للعظم ، وكظّة(4) الصدر ، ونفثة الغيظ ، وخور القناة(5) ، ومعذرة الحجّة ، فدونكموها ، فاحتقبوها(6) دبرة(7) الظهر ، نقبة(8)
ص: 159
الخفّ ، باقية العار ، موسومة الشنار(1) ، موصولة ب-« نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ » والحاكم الواحد الأحد(2) .
ولمّا انصرفت من عند أبي بكر أقبلت على أمير المؤمنين عليه السلام فقالت له :
يا بن أبي طالب ! اشتملت شملة(1) الجنين ، وقعدت حجرة الظنين(2) ، نقضت قادمة(3) الأجدل(4) ، فخانك ريش الأعزل .
هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي ، وبلغة ابنيّ ، واللّه لقد أجهد في
ظلامتي ، وألدّ في خصامي ، حتى منعتني القيلة نصرها ، والمهاجرة وصلها ، وغضّت الجماعة دوني طرفها، فلا مانع ولا دافع ، خرجت - واللّه - كاظمة(5)، وعدت راغمة(6) ، ولا خيار لي ، ليتني متّ قبل ذلّتي ، وتوفّيت دون منيّتي .
عذيري(7) - واللّه - فيك حاميا ، ومنك داعيا ، ويلاي في كلّ شارق ، مات العمد ، ووهن العضد ، شكواي إلى ربّي ، وعدواي إلى أبي ، اللّهم أنت أشدّ قوّة .
ص: 161
فأجابها أمير المؤمنين عليه السلام : لا ويل لك ، بل الويل لشانئك ، نهنهي(1) عن وجدك(2) يا بنت الصفوة ، وبقية النبوة ، فواللّه ما ونيت في ديني ،
ولاأخطأت مقدوري ، فإن كنت تريدين البلغة ، فرزقك مضمون ، وكفيلك مأمون ، وما أعدّ لك خير ممّا قطع عنك ، فاحتسبي .
فقالت : حسبي اللّه ونعم الوكيل(3) .
ولها
عليهاالسلام ترثي أباها :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة(4)
لو كنت حاضرها لم تكثر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلهافاختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا
أبدت رجال لنا فحوى صدورهملمّا فقدت وكلّ الإرث قد غصبوا
وكلّ قوم لهم قربى ومنزلةعند الإله وللأدنين مقترب
تجهّمتنا رجال واستخف بناجهرا وقد أدركونا بالذي طلبوا(5)
سيعلم المتولّي ظلم خاصتنايوم القيامة عنّا كيف ينقلب(6)
ص: 162
ص: 163
ص: 164
عثمان بن أبان قال : سألت الصادق عليه السلام عن قوله تعالى « وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها » الآية ، قال : نحن ذلك(1) .
عبدوس الهمداني وابن فورك الأصفهاني وابن شيرويه الديلمي عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام ما يلقى بعده .
قال : فبكى علي عليه السلام وقال : أسألك بحقّ قرابتي وصحبتي إلاّ دعوت اللّه أن يقبضني إليه ، قال : يا علي ، تسألني أن أدعو اللّه لأجل مؤجل(2) ... الخبر .
وذهب كثير من أصحابنا إلى أن الأئمة خرجوا من الدنيا على الشهادة واستدلوا بقول الصادق عليه السلام : واللّه ما منا إلاّ مقتول شهيد(3) .
ص: 165
أمير المؤمنين عليه السلام قال : بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ التفت إليّ فبكى ، فقلت : ما يبكيك يا رسول اللّه ؟
قال : أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة عليهاالسلام خدّها ، وطعن الحسن عليه السلام في فخذه ، والسمّ الذي يسقاه ، وقتل الحسين(1) عليه السلام .
رأى أمير المؤمنين عليه السلام في المنام قائلاً يقول :
إذا ذكر القلب رهط النبي
وسبي النساء وهتك الستر
وذبح الصبي وقتل الوصي
وقتل الشبير وسمّ الشبر
ترقرق في العين ماء الفؤاد
وتجري على الخدّ منه الدرر
فيا قلب صبرا على حزنهم
فعند البلايا تكون العبر
* * *
وكان عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر(2) كثيرا ما يقول :
تعزّ فكم لك من أسوة
تسكّن عنك غليل الحزن
بموت النبي وخذل الوصي
وذبح الحسين وسمّ الحسن
وجرّ الوصي وغصب التراث
وأخذ الحقوق وكشف الإحن
وهدم المنار وبيت الإله
وحرق الكتاب وترك السنن(3)
ص: 166
وله أيضا :
إذا ما المرء لم يعط مناه
وأضناه التفكر والنحول
ففي آل الرسول له عزاء
وما لاقته فاطمة البتول
* * *
وأجمع الفقهاء أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يقسم الخمس من الغنائم في بني هاشم .
وأورد الشافعي عن أبي حنيفة بإسناده عن عبد اللّه بن أبي ليلى : أنّ في عهد عمر أتي بمال كثير من فارس وشوش والأهواز ، فقال : يا بني هاشم ، لو أقرضتموني حقّكم من هذه الغنائم لأعوض عليكم مرّة أخرى ، فقال علي عليه السلام : يجوز(1) ، فقال العباس : أخاف فوت حقّنا ، فكان كما قال ، مات عمر وما ردّ عليهم ، وفات حقّهم !!!
وسئل الباقر عليه السلام عن الخمس ، فقال : الخمس لنا ، فمنعنا فصبرنا .
وكان عمر بن عبد العزيز ردّه إلى محمد الباقر عليه السلام ، وردّه أيضا المأمون .
فمن حرمت عليه الصدقة ، وفرضت له الكرامة والمحبّة يتكفّفون صبرا !
ص: 167
ويهلكون فقرا ! يرهن أحدهم سيفه ، ويبيع آخر ثوبه ، وينظر إلى فيئه بعين مريضة ، ويتشدّد على دهره بنفس ضعيفة ، ليس له ذنب إلاّ أن جدّه النبي صلى الله عليه و آله وأباه الوصي عليه السلام .
* * *
قال السيد الرضي :
رمونا كما ترمى الظماء عن الروى
يذودوننا عن إرث جدّ ووالد
بنى لهم الماضون آساس هذه
فعلّوا على بنيان تلك القواعد
* * *
وقال دعبل :
أرى فيئهم في غيرهم متقسّما
وأيديهم من فيئهم صفرات
* * *
وقال أبو فراس :
الحقّ مهتضم والدين مخترم
وفيى ء آل رسول اللّه مقتسم
* * *
وقال الصاحب :
أيا أمّة أعمى الضلال عيونا
وأخطأها نهج من الرشد لاحب
أأسلافكم أودوا بآل محمد
حروبا سيدري كيف منها العواقب
وأنتم على آثارهم واختيارهم
تميتونهم جوعا فهذي المصائب
ص: 168
دعوا حقّهم ما يبتغون جداكم
وخلّوا لهم من فيئهم لا يساغبوا
ألا ساء ذا عارا على الدين ظاهرا
يسير إليه الأجنبي المحارب
إذا كانت الدنيا لآل محمد
وأولاده غرثى يليها المحارب
* * *
ومن كثرة الظلم :
دفن الإمام عليه السلام فاطمة عليهماالسلام ليلاً ، وأوصى بدفن نفسه سرّا(1) .
ولقد هدم سعيد بن العاص دار علي والحسن وعقيل عليهم السلام من قبل يزيد(2) .
وهدم عبد الملك بن مروان بيت علي عليه السلام الذي كان في مسجد المدينة .
وأمر المتوكّل بتحرير قبر الحسين عليه السلام وأصحابه ، وكرب موضعها ، واجراء الماء عليها ، وقتل زوّارها ، وسلّط قوما من اليهود حتى تولّوا ذلك إلى أن قتل المتوكلّ ، فأحسن المنتصر سيرته ، وأعاد التربة في أيامه .
والمعتز حرق المشهد بمقابر قريش على ساكنه السلام .
وكان الصادق عليه السلام يتمثّل :
لآل المصطفى في كلّ عام
تجدّد بالأذى زفر جديد
* * *
ص: 169
وقال الحميري :
توفي النبي عليه السلام
فلمّا تغيب في الملحد
أزالوا الوصية عن أقربيه
إلى الأبعد الأبعد الأبعد
وكادوا مواليه من بعده
فيا عين جودي ولا تجمدي
وأولاد بنت رسول الإله
يضامون فيها ولم تكمد
فهم بين قتلى ومستضعف
ومنعفر في الثرى مفصد
* * *
وقال الزاهي :
أين بنو المصطفى الذين على
الخلق جميعا هواهم فرضا
أين المصابيح للظلام ومن
عليّ في الذر حبّهم عرضا
أين النجار التي محضت لها
وحقّ مثلي لودّها محضا
أين بنو الصوم والصلاة ومن
إبرامهم في الإله ما انتقضا
أين الجبال التي يضيق بها
عند إتساع العلوم كلّ فضا
تشتتوا في الورى فأصبحت الأ
جفان قرحى بدمعها فضضا
وذبحوا في الثرى على ظمأ
فإنحط عزّ العزاء وانخفضا
* * *
وقال الرضي :
ضربوا بسيف محمد أولاده
ضرب الغرائب عدن بعد ديارها
* * *
ص: 170
وله أيضا :
طبعنا لهم سيفا فكنّا لحدّه
ضرائب عن أيمانهم والسواعد
ألا ليس فعل الأوّلين وإن علا
على قبح فعل الآخرين تزايد
* * *
وقال محمد بن شارستان :
بمحمد سلّوا سيوف محمد
ضربوا بها هامات آل محمد
فكأنّ آل محمد أعداؤه
وكأنّما الأعداء آل محمد
* * *
وقال الصوري :
يا بني الزهراء ماذا أكلت(1)
فيكم الأيام من عيب وذم
وعجيبا أنّ حقّا بكمقام في الناس وفيكم لم يقم
ثم صارت سنّة جاريةكلّ من أمكنه الظلم ظلم
* * *
وقال دعبل :
وثب الزمان بكم فشتت منكم ما ألّفا
ولو أنّ أيديكم تمدّ إلى الإناء لما انكفا
* * *
وله أيضا :
لا أضحك اللّه سنّ الدهر إن ضحكت
وآل أحمد مظلومون قد قهروا
ص: 171
مشرّدون نفوا عن عقر دارهم
كأنّهم قد جنوا ما ليس يغتفر
* * *
وقال كثير عزّة :
طبت بيتا وطاب أهلك أهلاً
أهل بيت النبي والإسلام
يأمن الطير والوحوش ولا
يأمن آل النبي عند المقام
* * *
وقال العنبري :
وإذا رأى في العالمين مصيبة
ضربت بآل محمد أمثالها
* * *
وقال الحميري :
أليس عجيبا أنّ آل محمد
قتيل وباق هائم وأسير
تنام الحمام الورق عند هجوعها
ونومهم عند الرقاد زفير
* * *
وقال العلوي البصري :
أهل النبي الذي لولا هدايتهم
لم يهد خلق إلى فرض ولا سنن
مشتتين حيارى لا نصير لهم
مشرّدين عن الأهلين والوطن
في كلّ يوم أرى في وسط دارهم
بالسلّة البيض والهندية اللدن(1)
ص: 172
هذا بأنّ رسول اللّه جدّهمأوصى بحفظهم في السرّ والعلن
جاؤوا بقتل علي وسط قبلتهظلما وثنّوا بسمّ لابنه الحسن
وأشهروا ويلهم رأس الحسين علىرمح يطاف به في سائر المدن
* * *
وقال الجوهري الجرجاني :
آل الرسول عباديد(1) السيوف فمن
هاوٍ على وجهه خوفا ومسجون
ونافر ببلاد الهند مطرحولائذ بيمان أو ببيغون(2)
* * *
وقال محمد الموسوي :
ماذا تقولين في يوم الحساب غدا
لجدّه خير هاد حين يلقاك
بقتل أبنائه من بعده سفها
وسبي عترته الأبرار وصّاك
ستعلمون غدا يا أمّة تبعت
فعل المضلّين جهلاً سوء مثواك
* * *
وقال غيره :
ومن قبل موت المصطفى كان صحبه
إذا قال قولاً صدّقوه وحققّوا
ص: 173
فلمّا قضى خانوه في أهل بيته
وشمل بنيه بالأسنّة فرّقوا
* * *
وقال الزاهي :
يا آل أحمد ماذا كان جرمكم
فكلّ أرواحكم بالسيف تنتزع
تلقى جموعكم شتّى مفرّقة
بين العباد وشمل الناس مجتمع
وتستباحون أقمارا منكّسة
تهوى وأرؤسها بالسمر تنتزع
ما للحوادث لا تجرى بظالمكم
ما للمصائب عنكم ليس ترتدع
منكم طريد ومقتول على ظمأ
ومنكم دنف بالسمّ منصرع
وهارب في أقاصي الغرب مغترب
ودارع بدم اللبّات(1) مندرع
ومقصد من جدار ظلّ منكدراوآخر تحت ردم فوقه بقع
ومن محرّق جسم لا يزار لهقبر ولا مشهد يأتيه مرتدع
* * *
وله أيضا :
بنو المصطفى يفنون بالسيف عنوة
ويسلمني طيف الهجوع فأهجع
ظلمتم وذبّحتم وقسّم فيئكم
وجار عليكم من لكم كان يخضع
فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا
وإلاّ لكم فيها قتيل ومصرع
* * *
ص: 174
وقال منصور الفقيه :
تذكّر فديتك عند الخطوب
منال قريش إلى المصطفى
وما نال في مؤتة جعفرا
وفي أحد حمزة المرتضى
ونال البتول بموت الرسول
ونال عليا إمام الهدى
ونال حسينا ومن قبله
أخاه ومسلما المجتبى
وما نال موسى والباقرين
ونال علي بن موسى الرضا
ومن مات فيهم خفّي المكان
بعيد المحلّ حذير العدى
ليسهل كلّ عسير عليك
ويحلو بقلبك مرّ القضا
لأنّكم من بني آدم
وحال بني آدم ما ترى
* * *
وقال ابن الرومي :
بني أحمد لا يبرح المرء منكم
يتلّ على حرّ الجبين فيبعج(1)
كذاك بني العباس يصبر مثلكمويصبر للسيف الكمّي المدجّج
أكلّ أوان للنبي محمدقتيل زكي بالدماء مضرّج
* * *
وقال ابن حماد :
كفاك بخير الخلق آل محمد
أصابهم سهم أصاب فأوجعا
وقفت على أبياتهم فرأيتها
بياتا خرابا قفرة الجو بلقعا
* * *
ص: 175
وله أيضا :
بأيّ أرض شئت أو بلدة
لم تر فيها لهم مأتما
حين تولّى منهم هارب
لم ير إلاّ طالبا هاضما
* * *
وله أيضا :
سنّوا القتال عليهم والغصب
والتشريد والعدوانا
حتى استحل حريمهم ودماؤهم
فكأنّما كانت لهم قربانا
وتغلغلوا في قتلهم حتى بنوا
جهرا على أحيائهم بنيانا
* * *
وله أيضا :
يا دهر ما أنصفت آل محمد
في سالف من أمرهم وقريب
في كلّ يوم لا تزال تخصّهم
بمصائب ونوائب وخطوب
لم تخلهم من محنة وفجيعة
ما بين مهتضم وفقد حبيب
ما بين مقتول ومأسور جرى
عمدا إلى من سمّ في مشروب
ومجدّل ظام ومنكوس على
أعواد جذع بالكناس صليب
ولقد وقفت بكربلاء فهيّجت
تلك المواقف لوعتي وكروبي
* * *
وله أيضا :
على من أبكي من بنى بنت أحمد
على من سقي كأس المنيّة في السم
ص: 176
أم المفرد العطشان في طفّ كربلا
تسقّى المنايا بالمهندة الخذم(1)
وأصحابه صرعى على الترب ما لهممن الخلق زوّار سوى الطلس والعصم(2)
* * *
وله أيضا :
يا آل بيت محمد حزني لكم
قد قلّ عنه تصبّري وتجلّدي
ما للنوائب أنشبت أنيابها
فيكم فبين مهضّم ومشرّد
من كلّ ناحية عليكم نائح
ينعاكم في مأتم متجدّد
من ذا أنوح له ومن أبكي ترى
تبعاتكم يا آل بيت محمد
أعلى قتيل الملجمي وقد ثوى
متخضّبا بدمائه في المسجد
أم للذي في السمّ أسقي عامدا
أم للغريب النازح المتفرّد
أم للعطاش مجدّلين على الثرى
من بين كهل سيد ومسود
أم للرؤوس السائرات على القنا
مثل البدور إذا سرت في الأسعد
أم للسبايا من بنات محمد
تسبى مهتّكة كسبي الأعبد
ألذاك أبكي أم لمصلوب على
أعواده وسط الكناس مجرد
أبكي لمنبوش ومصلوب ومحروق
مذرّى في الرياح مبدّد
* * *
ص: 177
ص: 178
ص: 179
ص: 180
لقد عمي من قال : إنّ قوله تعالى « وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » أراد به نفسه ، لأنّ من المحال أن يدعو الإنسان نفسه ، فالمراد به من يجري مجرى « أنفسنا » ، ولو لم يرد عليا عليه السلام ، وقد حمله مع نفسه لكان للكفّار أن يقولوا : حملت من لم تشترط ، وخالفت شرطك ، وإنّما يكون للكلام معنى أن يريد به مجرى أنفسنا .
وأمّا شبهة الواحدي في الوسيط - إنّ أحمد بن حنبل قال : أراد بالأنفس ابن العمّ ، والعرب تخبر من بني العمّ بأنّه نفس ابن عمّه ، وقال اللّه تعالى « وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ » أراد إخوانكم من المؤمنين - ضعيفة ، لأنّه لا يحمل على المجاز إلاّ لضرورة .
وإن سلّمنا ذلك ، فإنّه كان للنبي صلى الله عليه و آله بنو الأعمام فما اختار منهم إلاّ عليا عليه السلام لخصوصية فيه دون غيره، وقد كان أصحاب العباء نفس واحدة، وقد بيّن بكلمات أُخر(1) .
قال ابن سيرين : قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام : أنت منّي وأنا منك(2) .
ص: 181
فضائل السمعاني ، وتاريخ الخطيب ، وفردوس الديلمي ، عن البراء وابن عباس ، واللّفظ لابن عباس : علي منّي مثل رأسي من بدني(1) .
وقوله صلى الله عليه و آله : أنت منّي كروحي من جسدي(2) .
وقال صلى الله عليه و آله : أنت منّي كالضوء من الضوء (3).
* * *
قال ابن حماد :
من الذي قال النبي له
أنت منّي مثل روحي في البدن
* * *
وقال ديك الجن :
عضو النبي المصطفى وروحه
وشمّه وذوقه وريحه
* * *
وقوله صلى الله عليه و آله : أنت زرّي من قميصي(4) .
قال ابن حماد :
وسمّاه ربّ العرش في الذكر نفسه
فحسبك هذا القول إن كنت ذا خبر
ص: 182
وقال لهم هذا وصيي ووارثي
ومن شدّ ربّ العالمين به أزري
علي كزرّي من قميصي إشارة
بأن ليس يستغني القميص عن الزرّ
* * *
وسئل النبي صلى الله عليه و آله عن بعض أصحابه ، فذكر فيه ، فقال له قائل : فعلي عليه السلام ؟ فقال : إنّما سألتني عن الناس ، ولم تسألني عن نفسي(1) .
وفيه حديث بريدة ، وحديث براءة ، وحديث جبرئيل : وأنا منكما(2) .
قال الحماني :
وأنزله منه النبي كنفسه
رواية أبرار تأدّت إلى بر
فمن نفسه فيكم كنفس محمد
ألا بأبي نفس المطهّر والطهر
* * *
وقال العوني :
وألحقه يوم البهال بنفسه
بأمر أتى من رافع السموات
فمن نفسه منكم كنفس محمد
بني الإفك والبهتان والفجرات
* * *
وقال ابن حماد :
وقال ما قد رويتم ثم ألحقه
بنفسه عند تأليف يؤلّفه
ونفس سيّدنا أولى النفوس بنا
حقّا على باطل النصّاب يقذفه
* * *
ص: 183
وله أيضا :
اللّه سمّاه نفس أحمد في
القرآن يوم البهال إذ ندبا
فكيف شبهه بطائفة
شبهها ذو المعارج الخشبا
* * *
وقال السوسي :
من نفسه من نفسه وجنسه من جنسه
وعرسه من عرسه فهل له معادل
* * *
البخاري : قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام :
أنت منّي وأنا منك(1) .
فردوس الديلمي عن عمران بن الحصين قال النبي صلى الله عليه و آله : علي منّي وأنا منه ، وهو ولي كلّ مؤمن بعدي(2) .
وقد روى نحوه عن ابن ميمون عن ابن عباس(3) .
ص: 184
عبد اللّه بن شداد : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لوفد : لتقيمنّ الصلاة وتؤتنّ
الزكاة ، أو لأبعثنّ عليكم رجل كنفسي(1) .
أبان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولايته ، وأنّه وليّ الأمّة من بعده .
كتاب الحدائق بالإسناد عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه و آله إذا أراد أن يشهر عليا عليه السلام في موطن أو مشهد علا على راحلته ، وأمر الناس أن ينخفضوا دونه(2) .
وفي شرف المصطفى : إنّه كان للنبي صلى الله عليه و آله عمامة يعتمّ بها يقال لها « السحاب » ، وكان يلبسها ، فكساها بعد علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فكان ربما اطلع علي عليه السلام فيها ، فيقول : أتاكم علي في السحاب(3) .
الباقر عليه السلام : خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم وهو راكب ، وخرج علي وهو
يمشي ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : إمّا أن تركب ، وإمّا تنصرف ، ثم ذكر مناقبه(4) .
أبو رافع : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إذا جلس ، ثم أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير علي عليه السلام ، وإنّ أصحاب النبي صلى الله عليه و آله كانوا يعرفون ذلك له ، فلا يأخذ بيد رسول اللّه صلى الله عليه و آله غيره(5) .
ص: 185
الجماني في حديثه : كان النبي صلى الله عليه و آله إذا جلس إتكأ على علي(1) عليه السلام .
سرّ الأدب عن أبي منصور الثعالبي : إنّه عوّذ عليا عليه السلام حين ركب ، وصفن(2) ثيابه في سرجه(3) .
وروي : أنّه سافر صلى الله عليه و آله ومعه علي عليه السلام وعائشة ، فكان النبي صلى الله عليه و آله ينام بينهما في لحاف(4) .
ص: 186
حلية الأولياء ومسند أبي يعلى وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عليه السلام
قال : أتانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى وضع رجله بيني وبين فاطمة(1) عليهاالسلام .
أنساب الأشراف : قال رجل لابن عمر : حدّثني عن علي بن أبي طالب ، قال : تريد أن تعلم ما كانت منزلته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فانظر إلى بيته من بيوت رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
البخاري وأبو بكر بن مردويه : قال ابن عمر : هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي(3) صلى الله عليه و آله .
خصائص النطنزي : قال ابن عمر : سأل رجل عمر بن الخطاب عن علي عليه السلام ، فقال : هذا منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذا منزل علي بن أبي طالب(4) ، وهذا المنزل فيه صاحبه(5) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا عطس قال علي عليه السلام : رفع اللّه ذكرك يا رسول اللّه .
ص: 187
فقال النبي صلى الله عليه و آله : أعلى اللّه كعبك يا علي(1) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا غضب لم يجز أحد أن يكلّمه غير علي(2) عليه السلام .
وأتاه يوما فوجده نائما فما أيقظه .
قال خطيب منبج :
وزار البرّة الزهراء يوما
رسول اللّه خير الزائرينا
فجاءت توقظ الهادي عليا
وكان موسّدا في النائمينا
فقال لها دعيه ولا تريدي
له الإيقاظ فيمن توقظينا
* * *
لا شك أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان أكبر سنا ، وأكثر جاها من علي عليه السلام ، فلمّا كان يحترمه هذا الاحترام إمّا أنّه كان من اللّه - تعالى - أو من قبل نفسه ، وعلى الحالين جميعا أظهر للناس درجته عند اللّه - تعالى - ، ومنزلته عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 188
ومن تحنّنه ، ما جاء في أمالي الطوسي عن ابن مسعود قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكفّه في كفّ علي عليه السلام ، وهو يقبّلها .
فقلت : ما منزلة علي منك ؟
وحدّثني أبو العلاء الهمداني بإسناده إلى عائشة قالت : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله التزم عليا وقبّله ، ويقول : بأبي الوحيد الشهيد ، بأبي الوحيد الشهيد .
وقد ذكره أبو يعلى الموصلي في المسند عن ابن مينا عن أبيه عن عائشة(3) .
ص: 189
أبو بصير في حديثه عن الصادق عليه السلام : أنّه أخذ يمسح العرق عن وجه علي عليه السلام ، ويمسح به وجهه(1) .
أبو العلاء العطار بإسناده إلى عبد خير عن علي عليه السلام قال : أهدي إلى النبي صلى الله عليه و آله قنو موز ، فجعل يقشّر الموزة ويجعلها في فمي .
فقال له قائل : إنّك تحبّ عليا ! قال : أو ما علمت أنّ عليا منّي وأنا منه(2) .
* * *
قال الحميري :
أنت ابن عمّي الذي قد كان بعد أبي
إذ غاب عنّي أبي لي حاضنا وأبا
ما إن عرفت سوى عمّي أبيك أبا
ولا سواك أخا طفلاً ولا شيبا
كم فرّجت يدك اليمنى بذي شطب
في مارق خارج عن وجهي الكربا
وهؤلاء أهل شرك لا خلاق لهم
من مات كان لنار أوقدت حطبا
ص: 190
تاريخ الخطيب : فقد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد إنصرافه من بدر ، فنادت الرفاق بعضهم بعضا : أفيكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ حتى جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه علي عليه السلام .
فقالوا : يا رسول اللّه ، فقدناك ! فقال : إنّ أبا الحسن وجد مغصا في بطنه ، فتخلّفت معه عليه(1) .
وروي أنّه جرح رأسه عمرو بن ودّ يوم الخندق ، فجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فشدّه ونفث فيه فبرأ ، وقال : أين أكون إذا خضب هذه من هذه .
وكان علي عليه السلام ينام مع النبي صلى الله عليه و آله في سفره ، فأسهرته الحمّى ليلة أخذته ، فسهر النبي صلى الله عليه و آله لسهر علي عليه السلام ، فبات ليلته بينه وبين مصلاّه يصلّي ، ثم يأتيه ، فيسأله وينظر إليه ، حتى أصبح بأصحابه الغداة ، فقال : اللّهم اشف عليا وعافه ، فإنّه أسهرني الليلة ممّا به .
وفي رواية : قم يا علي فقد برئت .
وقال صلى الله عليه و آله : ما سألت ربّي شيئا إلاّ أعطانيه ، وما سألت شيئا إلاّ سألته لك(2) .
* * *
ص: 191
قال الحميري :
من ليلة بات موعوكا أبا حسن
فيها يكابد من حمى ومن ألم
إذ قال من بعدما صلّى النبي له
أبشر فقد الت من وعك ومن سقم
وما سألت لنفسي قيد أنملة
من فضل علم ولا حلم ولا فهم
إلاّ سألت لكم مثل الذي ظفرت
كفّي به ذا لذي الآلاء والكرم
* * *
أبو الزبير عن أنس قال : كنت أمشي خلف حمار رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو يكلّم الحمار ، والحمار يكلّمه ، وهو يريد الغابة والغيطة(1) .
فلمّا دنى منهما قال : اللّهم أرني إياه ، اللّهم أرني إياه ، وقال في الرابعة : اللّهم أرني وجهه ، فإذا علي عليه السلام قد خرج من بين النخل ، فانكب على النبي صلى الله عليه و آله ، وانكب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبّله . . الخبر .
وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا لم يلق عليا عليه السلام يقول : أين حبيب اللّه وحبيب رسوله ؟ .
* * *
قال العوني :
إمامي حبيب المصطفى بعل فاطمه
فناهيك بعلاً بالجليلة والبعل
ص: 192
وقال غيره :
حبيب رسول اللّه ثم ابن عمّه
وزوجته الزهراء من أطهر الطهر
* * *
فضائل أحمد : جابر الأنصاري : كنّا مع النبي صلى الله عليه و آله عند امرأة من الأنصار ، فصنعت له طعاما ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : يدخل عليكم رجل من أهل الجنّة .
فرأيت النبي صلى الله عليه و آله يدخل رأسه تحت الوادي ويقول : اللّهم إن شئت فحولّه عليا ، فدخل علي عليه السلام ، فهنئه(1) .
جامع الترمذي ، وإبانة العكبري ، ومسند أحمد وفضائله ، وكتاب ابن مردويه : عن أم عطية وأبي هريرة وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث عليا عليه السلام في سريّة ، قال : فرأيته رافعا يديه يقول : اللّهم لا تمتني حتى تريني عليا(2) .
ص: 193
الأربعين عن الخطيب : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال يوم الخندق : اللّهم إنّك أخذت منّي عبيدة بن الحارث يوم بدر ، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد ، وهذا علي ، فلا تدعني فردا « وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ »(1) .
* * *
قال خطيب منبج :
وكان إذا مضى يوما علي
لحرب عداته المتظافرينا
يقول لربّه لا قول سخط
ولكن قولة المتضرّعينا
أخذت عبيدة منّي ببدر
فآلم أخذه قلبي الحزينا
وفي أحد لحمزة قد أصابت
طوائلها أكفّ الطالبينا
وجعفر يوم مؤتة قد سقته
كؤوس الموت أيدي الكافرينا
وقد أبقيت لي منهم عليا
يكايد دوني الحرب الزبونا(2)
إلهي لا تذرني منه فرداوأنت اليوم خير الوارثينا
فلا تقدم عليّ الموت حتىأراه قد أتى في القادمينا
* * *
ص: 194
وقال الحيص بيص :
قوم إذا أخذ المديح قصائدا
أخذوه عن طه وعن ياسين
وإذا انطوى أرق الأضالع وفّروا
ميسور زادهم على المسكين
وإذا عصى أمر الموالي خادم
نفذت أوامرهم على جبرين
وإذا تفاخرت الرجال بسيّد
فخروا بأنزع في العلوم بطين
ملقي عمود الشرك بعد قيامه
ومبين دين اللّه بعد كمون
والمستغاث إذا تصافحت القنا
وغدت صفون الخيل غير صفون(1)
ما أشكلت يوم الجدال قضيةإلاّ وبدّل شكّها بيقين
مستودع السرّ الخفي وموضعالحقّ الجلي وفتنة المفتون
* * *
ص: 195
ومن إنشائه الأسرار عليه ، ما روى ابن شيرويه في الفردوس قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه و آله : صاحب سرّي علي بن أبي طالب(1) .
الترمذي في الجامع ، وأبو يعلى في المسند ، وأبو بكر بن مهدويه في الأمالي ، والخطيب في الأربعين ، والسمعاني في الفضائل ، مسندا إلى جابر قال :
ناجى النبي صلى الله عليه و آله في يوم الطائف عليا عليه السلام ، فأطال نجواه ، فقال أحد الرجلين للآخر : لقد أطال نجواه مع ابن عمّه .
وفي رواية الترمذي : فقال الناس : لقد أطال نجواه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و آله .
وفي رواية غيره : أنّ رجلاً قال : أتناجيه دوننا ! فقال النبي صلى الله عليه و آله : ما انتجيته ، ولكن اللّه إنتجاه .
ثم قال الترمذي : أي أمر ربّي [ أن ] انتجي معه(2) .
ص: 196
قال العبدي :
وكان بالطائف إنتجاه
فقال أصحابه الحضور
أطلت نجواك مع علي
فقال ما ليس فيه زور
ما أنا ناجيته ولكن
ناجاه ذو العزّة الخبير
* * *
وقال الحميري :
وفي يوم ناجاه النبي محمد
يسرّ إليه ما يريد ويطلع
فقالوا أطال اليوم نجوى ابن عمّه
مناجاته بغي وللبغي مصرع
فقال لهم لست الغداة انتجيته
بل اللّه ناجاه فلم يتورّعوا
* * *
وله أيضا :
ويوم الثنية يوم الوداع
وأزمع نحو تبوك المضيّا
نجّي يودّعه خاليا
وقد أوقف المسلمون المطيّا
فظنّ أولوا الشكّ أهل النفاق
ظنونا وقالوا مقالاً فريّا
وقالوا يناجيه دون الأنام
بل اللّه أدناه منه نجيّا
على فم أحمد يوحى إليه
كلاما بليغا ووحيا خفيّا
فكان به دون أصحابه
بما حثّ فيه عليه حفيّا
ص: 197
وله أيضا :
وكنت الخليفة دون الأنام
على أهله يوم يغزو تبوكا
غداة انتجاك وظلّ المطي
بأكوارهم إذ هم قد رأوكا
يراك نجيّا له المسلمون
وكان الإله الذي ينتجيكا
على فم أحمد يوحى إليك
وأهل الضغائن مستشرفوكا
* * *
وقال غيره :
واذكر غداة خلا به في معرك
لمّا أراد إلى تبوك مضيّا
يرضيه حين بدا له استخلافه
قولاً يسرّ إلى أخيه خفيّا
والمسلمون ومن تأبّش(1) منهم
دون الثنية واقفون مطيّا
من قبلهم لقد انتجاه لحادثبل كان قرّبه الإله نجيّا
* * *
الكليني عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله في خطبة الوداع :
سمّوني أُذنا ، وزعموا أنّه لكثرة ملازمته إياي ، وإقبالي عليه ، وقبوله منّي ، حتى أنزل اللّه - تعالى - « وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ »(2) .
ص: 198
ودخل أميرالمؤمنين عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجلس عند يمينه ، فتناجى عند ذلك إثنان ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لا يتناجى إثنان دون الثالث ، فانّ ذلك يؤذي المؤمن(1) ، فنزل « إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالإِثْمِ
وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ » الآية ، وقوله تعالى « إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا » الآية .
ص: 199
وأمره صلى الله عليه و آله أن لا يفارقه عند وفاته ، ذكره الدارقطني في الصحيح والسمعاني في الفضائل : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يزل يحتضنه حتى قبض ، يعني عليا عليه السلام(1) .
الأعمش عن أبي سلمة الهمداني وسلمان قالا : قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفي حجر علي(2) عليه السلام .
أبو بكر بن عياش ، وابن الحجاف ، وعثمان بن سعيد ، كلّهم عن جميع بن عمير عن عائشة أنّها قالت : سالت نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كفّ علي عليه السلام فردّها إلى فيه(3) .
قال الحميري :
وسالت نفس أحمد في يده
فالزمها المحيّا والجبينا
* * *
ص: 200
وعن المغيرة عن أم موسى عن أم سلمة قالت : والذي أحلف به ، كان علي عليه السلام لأقرب الناس عهدا برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم ذكرت بعد كلام قالت : فانكب عليه علي عليه السلام ، فجعل يسّاره ويناجيه(1) .
ومن ذلك أنّه قسم له النبي صلى الله عليه و آله حنوطه الذي نزل به جبرئيل عليه السلام من السماء(2) .
قال الحميري :
إنّ جبريل أتى ليلاً إلى
طاهر من بعد ما كان هجع
بحنوط طيّب من جنّة
في صرار حلّ منه فسطع
فدعا أحمد من كان به
واثقا عند معضّات الجزع
ص: 201
أوثق الناس معا في نفسه
عند مكروه إذ الخطب وقع
قسم الصرّة أثلاثا فلم
يأل عن تسوية القسم الشرع
قال جزء لي وجزء لابنتي
ولك الثالث فاقبضها جمع
فإذا متّ فحنّطني بها
ثم حنّطها بهذا لا تدع
إنّها أسرع أهلي ميتة
ولحاقا بي فلا تكثر جزع
* * *
ص: 202
وكان من الثقّة به أنّه جعله لمصالح حرمه .
روى التاريخي في تاريخه ، والأصفهاني في حليته عن محمد بن الحنفية : إنّ الذي قذفت به مارية ، وهو خصي اسمه « مابور » ، وكان المقوقس أهداه مع الجاريتين إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فبعث النبي عليا عليه السلام ، وأمره بقتله .
فلمّا رأى عليا عليه السلام ، وما يريد به تكشّف حتى بيّن لعلي عليه السلام أنّه أجبّ لا شيء معه ممّا يكون مع الرجال ، فكفّ عنه(1) عليه السلام .
حلية الأولياء : محمد بن إسحاق بإسناده في خبر : أنّه كان ابن عمّ لها يزورها ، فأنفذ عليا عليه السلام ليقتله .
قال : فقلت : يا رسول اللّه ، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسبكة المحماة ؟
وفي رواية : كالمسمار المحمى في الوبر ، ولا يثنيني شيء حتى أمضي لما أرسلتني به ، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ؟ فقال : بل الشاهد قد يرى ما لا يرى الغائب .
ص: 203
فأقبلت متوشّحا السيف ، فوجدته عندها ، فاخترطت السيف ، فلمّا أقبلت نحوه عرف أنّي أريده ، فأتى نخلة فرقى فيها ، ثم رمى بنفسه على قفاه ، وشغر برجليه ، فإذا هو أجبّ أمسح ما له ممّا للرجل ، قليل ولا كثير ، فأغمدت سيفي ، ثم أتيت إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فأخبرته ، فقال : الحمد للّه الذي يصرف عنّا أهل البيت الإمتحان(1) .
عن ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام في آخر احتجاجه على أبي بكر بثلاث وعشرين خصلة : نشدتكم باللّه ، هل علمتم أنّ عائشة قالت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ إبراهيم ليس منك ، وإنّه من فلان القبطي ! فقال : يا علي ، فاذهب فاقتله ، فقلت : يا رسول اللّه ، إذا بعثتني أكون كالمسمار المحمى في الوبر لما أمرتني(2) . . المعنى سواء .
تاريخ الطبري : لمّا كان من وقعة أحد ما قد كان بعث النبي صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون ؟ وماذا يريدون ؟ في كلام له .
قال علي عليه السلام : فخرجت في آثار القوم انظر ما يصنعون ، فلمّا اجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، وتوجهوا إلى مكة ، أقبلت أصيح ، يعني بانصرافهم(1) .
المفسرون في قوله تعالى : « وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ » أنّه لمّا سحر النبي صلى الله عليه و آله لبيد بن أعصم اليهودي في بئر دوران ، مرض النبي صلى الله عليه و آله ، فجاء إليه ملكان ، فأخبراه بالرمز .
فأنفذ صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام والزبير وعمار ، فنزحوا ماء تلك البئر كأنّه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة ، وأخرجوا الخفّ ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه ، وإذا وتر معقود فيه أحد عشر عقدة مغروزة ، فحلّها علي عليه السلام ، فبرأ النبي(2) صلى الله عليه و آله .
إن صحّ هذا الخبر ، فليتأوّل ، وإلاّ فليطرح(3) .
ومن ذلك ما دعا له صلى الله عليه و آله في مواضع كثيرة ، منها : يوم الغدير ، قوله : اللّهم وال من والاه . . . الخبر .
ص: 205
ودعا له يوم خيبر : اللّهم قه الحرّ والبرد .
ودعا له يوم المباهلة : اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
ودعا له لمّا مرض : اللّهم عافه واشفه ، وغير ذلك .
ودعاؤه له بالنصر والولاية لا يجوز إلاّ لوليّ الأمر ، فبانت بذلك إمامته .
وكان عليه السلام يكتب الوحي والعهد ، وكاتب الملك أخصّ إليه ، لأنّه قلبه ولسانه ويده ، فلذلك أمره النبي صلى الله عليه و آله بجمع القرآن بعده ، وكتب له الأسرار ، وكتب يوم الحديبية بالاتفاق .
وقال أبو رافع : إنّ عليا عليه السلام كان كاتب النبي صلى الله عليه و آله إلى من عاهد ووادع ، وإنّ صحيفة أهل نجران كان هو كاتبها ، وعهود النبي صلى الله عليه و آله لا توجد قطّ إلاّ بخطّ علي عليه السلام .
ومن ذلك ما رواه أبو رافع : إنّ عليا عليه السلام كانت له من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساعة من الليل بعد العتمة لم تكن لأحد غيره .
ص: 206
تاريخ البلاذري : أنّه كانت لعلي عليه السلام دخلة لم تكن لأحد من الناس(1) .
مسند الموصلي عبد اللّه بن يحيى عن علي عليه السلام : قال كانت لي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساعة من السحر آتيه فيها ، فكنت إذا أتيت استأذنت ، فإن وجدته يصلّي سبح قلت : أدخل(2) .
مسند أحمد ، وسنن ابن ماجة ، وكتاب أبي بكر بن عياش بأسانيدهم عن عبد اللّه بن يحيى الحضرمي عن علي عليه السلام قال :
كان لي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله مدخلان ، مدخل بالليل ، ومدخل بالنهار ، وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلّي تنحنح لي(3) .
وقال عبد المؤمن الأنصاري : سألت أنس بن مالك : من كان آثر الناس عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : ما رأيت أحدا بمنزلة علي بن أبي طالب عليه السلام ، إن كان يبعث إليه في جوف الليل يستخلى به حتى يصبح هذا عنده إلى أن فارق الدنيا(4) .
قال الحميري :
وكان له من أحمد كلّ شارق
قبل طلوع الشمس أو حين تنجم
إذا ما بدت مثل الصلابة دخلة
يقوم فيأتي بابه فيسلّم
ص: 207
يقول إذا جاء السلام عليكم
ورحمة ربّي إنّه مترحّم
فيبلغ بترحيب ويجلس ساعة
ويؤتى بفضل من طعام فيطعم
ويدعو بسبطيه حنانا ورقّة
فيدنيهما منه قريبا ويكرم
يضمّهما ضمّ الحبيب حبيبه
إلى صدره ضمّا وشمّا فيلثم
* * *
ومن ذلك أنّه قال صلى الله عليه و آله : لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي ، أنا أبو القاسم ، اللّه يعطي ، وأنا أقسم .
وفي خبر : سمّوا باسمي ، وكنّوا بكنيتي ، ولا تجمعوا بينهما ، ثم إنّه رخّص في ذلك لعلي عليه السلام ولابنه(1) .
الثعلبي في تفسيره ، والسمعاني في رسالته ، وابن البيع في أصول الحديث ، وأبو السعادات في فضائل العشرة ، والخطيب والبلاذري في تاريخهما ، والنطنزي في الخصائص بأسانيدهم عن علي عليه السلام قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إن ولد لك غلام نحلته اسمي وكنيتي(2) .
ص: 208
وفي رواية السمعاني وأحمد : فسمّه باسمي ، وكنّه بكنيتي(1) ، وهو له رخصة دون الناس(2) .
ولمّا ولد محمد بن الحنفية ، قال طلحة : قد جمع علي عليه السلام لولده بين اسم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكنيته ، فجاء علي عليه السلام بمن يشهد له أنّ رسول اللّه
صلى الله عليه و آله رخّص لعلي عليه السلام وحده في ذلك ، وحرّمهما على أمّته من بعده .
وكذلك رخّص في ذلك للمهدي عليه السلام ، لما اشتهر قوله صلى الله عليه و آله : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي(3) .
قال الصاحب :
أما عرفتم سمّو منزله
أما عرفتم علو مثواه
أما رأيتم محمدا حدبا
عليه قد حاطه وربّاه
واختصّه يافعا وآثره
واعتامه(4) مخلصا وآخاه
زوّجه بضعة النبوة إذرآه خير امرئ واتقاه
* * *
ص: 209
ثم إنّه كان ذخيرة النبي صلى الله عليه و آله للمهمّات .
قال أنس : بعث النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى قوم عصوه ، فقتل القاتل ، وسبى الذريّة وانصرف بها .
فبلغ النبي صلى الله عليه و آله قدومه ، فتلقّاه خارجا من المدينة ، فلمّا لقيه اعتنقه وقبّل بين عينيه ، وقال : بأبي وأمّي من شدّ اللّه به عضدي ، كما شدّ عضد موسى بهارون عليهماالسلام(1) .
وفي حديث جابر أنّه قال لوفد هوازن :
أما - والذي نفسي بيده - ليقيمنّ الصلاة وليؤتنّ الزكاة ، أو لأبعثنّ إليهم رجلاً ، وهو منّي كنفسي ، فليضربنّ أعناق مقاتليهم ، وليسبينّ ذراريهم ، هو هذا ، وأخذ بيد علي عليه السلام .
فلمّا أقرّوا بما شرط عليهم ، قال : ما استعصى عليّ أهل مملكة ولا أمّة إلاّ رميتهم بسهم اللّه علي بن أبي طالب ، ما بعثته في سريّة إلاّ رأيت جبرئيل عليه السلام عن يمينه ، وميكائيل عليه السلام عن يساره ، وملكا أمامه ، وسحابة
تظلّه حتى يعطي اللّه حبيبي النصر والظفر(2) .
ص: 210
وروى الخطيب في الأربعين نحوا من ذلك عن مصعب بن عبد الرحمن : أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله لوفد ثقيف(1) . . الخبر .
وفي رواية : أنّه قال مثل ذلك لبني وليعة(2) .
ثم إنّه عليه السلام كان عيبة سرّه .
روى الموفّق المكّي في كتابه في خبر طويل عن أم سلمة : أنّه دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو مخلّل أصابعه في أصابع علي عليه السلام ، فقال : يا أم سلمة ، أخرجي من البيت واخليه ، فخرجت ، وأقبلا يتناجيان بكلام لا أدري ما هو .
فأقبلت ثلاث مرات ، فأستأذن أن ألج ، والنبي صلى الله عليه و آله يأبى ، وأذن في الرابعة ، وعلي عليه السلام واضع يديه على ركبتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قد أدنى فاه من أذن النبي صلى الله عليه و آله ، وفم النبي صلى الله عليه و آله على أذن علي عليه السلام يتسارّان ، وعلي يقول : أفأمضي وأفعل ؟
والنبي صلى الله عليه و آله يقول : نعم .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا أم سلمة ، لا تلوميني ، فإنّ جبرئيل أتاني من اللّه يأمر أن أوصي به عليا عليه السلام من بعدي ، وكنت بين جبرئيل وعلي ،
ص: 211
وجبرئيل عن يميني ، فأمرني جبرئيل أن آمر عليا بما هو كائن إلى يوم القيامة(1) . . الخبر .
ومن ذلك : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أعطاه درعه ، وجميع سلاحه ، وبغلته ، وسيفه ، وقضيبه ، وبرده ، وغير ذلك .
ص: 212
ص: 213
ص: 214
ص: 215
ص: 216
أحمد بن يحيى الأزدي عن إبراهيم النخعي أنّه قال : لمّا أُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله هتف به هاتف في السماوات :
يا محمد ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يقرأ عليك السلام ويقول لك : إقرأ على علي بن أبي طالب منّي السلام(1) .
قال ابن حماد :
واهبط بالسلام إليك لطفا
إله الخلق جبريلاً أمينا
* * *
قنبر : كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام على شاطيء الفرات ، فنزع قميصه ودخل الماء ، فجاءت موجة فأخذت القميص ، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم يجد القميص ، فاغتم بذلك غمّا شديدا ، وإذا بهاتف يهتف : يا أبا الحسن ، انظر عن يمينك وخذ ما ترى ، فإذا مئزر عن يمينه ، وفيه قميص مطوي ، فأخذه ولبسه ، فسقط عن جنبه رقعة فيها مكتوب : هدية من
ص: 217
اللّه العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب ، وهذا قميص هارون بن عمران « وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ »(1) .
وفي حديث الحسن بن ذكردان الفارسي : إنّ عليا عليه السلام مشى مع النبي صلى الله عليه و آله - وهو راكب - حتى وصل إلى غدير ماء ، فتوضيا وصلّيا .
قال علي عليه السلام : فبينما أنا ساجد وراكع ، إذ قال : يا علي ، ارفع رأسك انظر إلى هدية اللّه إليك ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بنشز من الأرض ، وإذا عليها فرس بسرجه ولجامه ، فقال : هذا هدية اللّه إليك اركبه ، فركبته وسرت مع النبي(2) صلى الله عليه و آله .
أمالي أبي عبد اللّه النيسابوري : إنّه دخل الكاظم على الصادق عليهماالسلام ، والصادق على الباقر عليهماالسلام ، والباقر على زين العابدين عليهماالسلام ، وزين العابدين على الشهيد عليهماالسلام ، وكلّهم فرحون وقائلون : أنّه ناول النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام تفاحة ، فسقط من يديه وصارت بنصفين ، فخرج في وسطه مكتوب فيه : من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب(3) .
ص: 218
كتاب الخطيب الخوارزمي عن ابن عباس : إنّه هبط جبرئيل عليه السلام ومعه أترجة ، فقال : إنّ اللّه - تعالى - يقرئك السلام ويقول لك : هذه هدية علي بن أبي طالب ، فدعاه النبي صلى الله عليه و آله فدفعها .
فلمّا صارت في كفّه انفلقت الأترجة ، فإذا فيها حريرة خضراء نضرة ، مكتوب فيها سطران : هدية(1) من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب(2) .
ويقال : كان ذلك لمّا قتل عمروا .
الأعمش عن أبي سفيان عن أبي أيوب الأنصاري قال : نزل النبي صلى الله عليه و آله داري ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام من السماء بجام من فضّة ، فيه سلسلة من ذهب ، فيه ماء من الرحيق المختوم ، فناول النبي صلى الله عليه و آله فشرب ، ثم ناول عليا عليه السلام فشرب ، ثم ناول فاطمة عليهاالسلام فشربت ، ثم ناول الحسن عليه السلامفشرب ، ثم ناول الحسين عليه السلام فشرب .
ثم ناول الأول ، فانضمّ الكأس ، فأنزل اللّه تعالى : « لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ » ، « وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ »(3) .
ص: 219
ابن عباس قال : جاع النبي صلى الله عليه و آله جوعا شديدا ، فأخذ بأستارها وقال : يا ربّ محمد ، لا تجع محمدا أكثر ممّا أجعته ، فهبط جبرئيل عليه السلام ومعه لوزة ، فقال : إنّ اللّه - جلّ ذكره - يأمرك أن تفكّ عنها .
قال : فإذا في جوفها ورقة خضراء نضرة ، مكتوب عليها : محمد رسول اللّه ، أيّدته بعلي ، ارتضيت له عليا ، وارتضيته لعلي ، ما أنصف اللّه من نفسه من إتهمه في قضائه ، واستبطاه في رزقه(1) .
ثابت عن أنس : لمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله إلى غزوة الطائف ، فبينما نحن [ نمشي وإذا ] بغمامة ، فأدخل يده تحتها ، فأخرج رمّانا ، فجعل يأكل ويطعم عليا عليه السلام ، ثم قال لقوم رمقوه بأبصارهم : هكذا يفعل كلّ نبي بوصيه(2) .
وفي رواية الباقر عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله مصّها ، ثم دفعها إلى علي عليه السلام ، فمصّها حتى لم يترك منها شيئا ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : إنّه لا يذوقها إلاّ نبي أو وصي نبي .
محمد بن أبي عمير ومحمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه و آله برمّانتين من الجنّة ، فأعطاهما إيّاه ، فأكل واحدة ، وكسر الأخرى ، وأعطى عليا عليه السلام نصفها فأكله .
ص: 220
ثم قال : الرمّانة التي أكلتها فهي النبوة ، ليس لك فيها شيء ، وأمّا الأخرى فهي العلم ، فأنت شريكي فيها(1) .
عيسى بن الصلت عن الصادق عليه السلام ، في خبر : فأتوا جبل ذباب ، فجلسوا عليه ، فرفع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأسه ، فإذا رمّانة مدلاة ، فتناولها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ففلقها ، فأكل وأطعم عليا عليه السلام منها ، ثم قال : يا أبا بكر ، هذه رمّانة من رمّان الجنّة ، لا يأكلها في الدنيا إلاّ نبي أو وصي نبي(2) .
أبان بن تغلب عن أبي الحمراء أنّه قال صلى الله عليه و آله : يا فلان ، ما أنا منعتك من هذه الرمّانة ، ولكن اللّه أتحفني بها ووصيّي ، وحرّمها على غير نبي أو وصي في دار الدنيا ، فسلّم لأمر ربّك تطعم في الآخرة إن قبلت وصدّقت ، وإن كذّبت وجحدت « فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » ، إنّ عليا وشيعته « فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ » إلى قوله « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » بهذا .
وقد روينا من حديث الرمّان عند الخروج إلى العقيق ، فإنّ نزول المنديل من السماء فيه رمّان معجز ، ثم فقد الرمّان من كمّه عند مشاهدة الثاني معجز ثان ، ثم وجدانه بعد ذلك معجز ثالث(3) .
قال ابن حماد :
من أكل الطير الذي لم يستطع
خلق له جحدا ولا كتمانا
ص: 221
من أكل القطف(1) الجنيّ على حرى
واليه أهدى ربّه رمّانا
من ذا له يوم الغدير فضيلةإذ لا نطيق لفضله جحدانا
* * *
أم فروة : كانت ليلتي من أمير المؤمنين عليه السلام ، فرأيته يلقط من الحجرة حبّ طعام ، من طعام قد نثر ، ويقول : يا آل علي قد سبقتم .
أبو محمد الفحّام بالإسناد عن محمد بن جرير بإسناد له عن أنس ، وابن خشيش التميمي بالإسناد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، واللّفظ له :
إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ركب يوما إلى جبل كداء ، فقال : يا أنس ، خذ البغلة وانطلق إلى موضع كذا تجد عليا جالسا يسبّح بالحصى ، فاقرأه منّي السلام ، واحمله على البغلة ، وائت به إليّ .
فقال : فلمّا ذهبت وجدت عليا عليه السلام كذلك ، فقلت : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله
يدعوك ، فلمّا أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال له : اجلس ، فإنّ هذا موضع قد جلس فيه سبعون نبيا مرسلاً ، ما جلس فيه من الأنبياء أحد إلاّ وأنا خير
ص: 222
منه ، وقد جلس مع كلّ نبي أخ له ، ما جلس من الإخوة أحد إلاّ وأنت خير منه .
قال : فرأيت غمامة بيضاء ، وقد أظلّتهما ، فجعلا يأكلان منه عنقود عنب ، وقال : كل - يا أخي - فهذه هدية من اللّه إليّ ثم إليك ، ثم شربا ، ثم ارتفعت الغمامة .
ثم قال صلى الله عليه و آله : يا أنس ، والذي خلق ما يشاء ، لقد أكل من الغمامة ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيّا ، وثلاثمائة وثلاثة عشر وصيّا ، ما فيهم نبي أكرم على اللّه منّي ، ولا وصي أكرم على اللّه من علي عليه السلام(1) .
قال العبدي ، وروي عن ابن حماد :
حدّثنا الشيخ الثقه
محمد عن صدقه
رواية متّسقه
عن أنس عن النبي
رأيته على حرى
مع النبي ذي النهى
يقطف قطفا في الهوى
شيئا كمثل العنب
فأكلا منه معا
حتى إذا ما شبعا
رأيته مرتفعا
فطال منه عجبي
كان طعام الجنّة
أنزله ذو المنة(2)
هديّة للصفوةمن الهدايا النخب
* * *
ص: 223
وقال الناشي :
وأكله قطف العنب
مع النبي المنتجب
من السماء المقترب
وهذه دلائل
* * *
الرضا عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله : أدخلت الجنّة ، وناولني جبرئيل عليه السلام سفرجلة ، فانفلقت ، فخرجت منها جارية ، فقلت : من أنت ؟ فقالت : أنا الراضية المرضية ، خلقني اللّه لأخيك ولابن عمّك علي بن أبي طالب(1) .
قال الوراق :
علي الذي أهدى السفرجل ربّه
إليه فألفاه تحية منعم
علي لدى الأستار حيّاه ذو العلى
بكاغذة في لوزة لم توسم
* * *
وقد تقدّم حديث اشتراء الحبّ من جبرئيل عليه السلام .
ص: 224
قال الحميري :
ابتاع من جبريل حبّا قد زكى
في جنّة لم تحرم الأنهارا
جبريل بايعه وأحمد ضيفه
خير الأنام مركبا ونجارا
* * *
وله أيضا :
فأبصر دينارا طريحا فلم يزل
مشيرا به كفّا ينادى ويسمع
فمال به والليل يغشى سواده
وقد همّ أهل السوق أن يتصدّعوا
إلى بيّع سمح اليدين مبارك
توسّم فيه الخير والخير يتبع
فقال له بعني طعاما فباعه
فقال لك الدينار والحبّ أجمع
فلا ذلك الدينار أحمي تبره
ولا الحبّ ما كان في الأرض يزرع
فبايعه جبريل والضيف أحمد
فثمّ تناهى الخير والبرّ أجمع
* * *
وله أيضا :
وبايع جبريل
ونعم البيّع المشتر
بدينار من الحبّ
فلم يندم ولم يخسر
ص: 225
وقال الناشي :
وبايع الحنطة جبريل الذي
من حنطة الفردوس بالحبّ هبط
لم تلمس الدينار كفّ طابع
ولا اجتنى الحنطة دفّاع النبط
دينارك اللّه تولّى نقشه
كذلك الحنطة من خير الحنط
* * *
وقال ابن حماد :
ولكم من تحفة أتحفه
ربّه تعلو جميع التحف
كم له في الطور والنجم وهل
أتى من وصف له والزخرف
* * *
وقال السيد الحميري :
كانت ملائكة الرحمن دائبة
يهبطن نحوك بالألطاف والتحف
والقطف والحبّ والدينار أهبطه
لطف من اللّه ذي الإحسان واللطف
* * *
ص: 226
ص: 227
ص: 228
حديث علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة في تفسير قوله تعالى « وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ » الآية .
قال أنس : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمّا كانت ليلة المعراج نظرت تحت العرش أمامي ، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب قائما أمامي تحت العرش ، يسبّح اللّه ويقدّسه ، قلت : يا جبرئيل ، سبقني علي بن أبي طالب ؟ قال : لا ، لكنّي أخبرك ، اعلم - يا محمد صلى الله عليه و آله - إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يكثر من الثناء والصلاة على علي بن أبي طالب فوق عرشه ، فاشتاق العرش إلى علي بن أبي طالب ، فخلق اللّه - تعالى - هذا الملك على صورة علي بن أبي طالب تحت عرشه ، لينظر إليه العرش فيسكن شوقه ، وجعل تسبيح هذا الملك وتقديسه وتمجيده ثوابا لشيعة أهل بيتك يا محمد(1) . . الخبر .
طاووس عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمّا أسري بي إلى السماء ، وصرت أنا وجبرئيل إلى السماء السابعة ، قال جبرئيل : يا محمد ، هذا موضعي ، ثم زجّ بي في النور زجّة ، فإذا أنا بملك من ملائكة اللّه
ص: 229
- تعالى - في صورة علي عليه السلام ، - اسمه « علي » - ساجد تحت العرش يقول : اللّهم اغفر لعلي وذريّته ومحبّيه وأشياعه وأتباعه ، والعن مبغضيه وأعاديه وحسّاده « إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »(1) .
مجاهد عن ابن عباس ، والحديث مختصر : لمّا عرج النبي صلى الله عليه و آله إلى السماء رأى ملكا على صورة علي عليه السلام ، حتى لا يفاوت منه شيئا ، فظنّه عليا عليه السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، سبقتني إلى هذا المكان ؟ فقال جبرئيل عليه السلام : ليس هذا علي بن أبي طالب ، هذا ملك على صورته ، وإنّ الملائكة اشتاقوا إلى علي بن أبي طالب ، فسألوا ربّهم أن يكون من علي عليه السلام صورته فيرونه .
وفي حديث حذيفة : أنّه رآه في السماء الرابعة(2) .
قال الوراق القمّي :
علي الذي لمّا تشوّق في السما
إلى وجهه سكّانها شوق محرم
على خلقه ذو العرش صوّر ملكا
وقال لهم زوروا الوليّ المطهم(3)
* * *
وقال العبدي :
يا من شكت شوقه الأملاك إذ شغفت
بحبّه وهواه غاية الشغف
فصاغ شبهك ربّ العالمين فما
ينفكّ من زائر منها ومعتكف
ص: 230
وله أيضا :
لقد أعطيت ما لم يعط خلقا
هنيئا يا أمير المؤمنينا
إليك اشتاقت الأملاك حتى
تحنّت من تشوّقها حنينا
هناك برا لها الرحمن شخصا
كشبهك لا يغادره يقينا
* * *
وله أيضا :
صوّر اللّه لأملاك العلى
مثله أعظمه في الشرف
وهي ما بين مطيف زائر
ومقيم حوله معتكف
هكذا شاهده المبعوث في
ليلة المعراج فوق الرفرف
* * *
وقال العوني :
وفي خبر صحّت روايته لهم
عن المصطفى لا شكّ فيه فيستبرا
بأن قال لمّا أن عرجت إلى السماء
رأيت بها الأملاك ناظرة شزرا(1)
إلى نحو شخص حين بيني وبينهلعظم الذي عاينته منه لي خيرا
فقلت حبيبي جبرئيل من الذيتلاحظه الأملاك قال لك البشرى
فقلت وما من ذاك قال علي الرضاوما خصّه الرحمن من نعم فخرا
تشوّقت الأملاك إذ ذاك شخصهفصوّره الهادي على صور أخرى
فمال إلى نحو ابن عمّ ووارثعلى جذل منه بتحقيقه خبرا
* * *
ص: 231
الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى « وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ » قال : كان جبرئيل عليه السلام جالسا عند النبي صلى الله عليه و آله عن يمينه ، إذ أقبل أمير
المؤمنين عليه السلام ، فضحك جبرئيل ، فقال : يا محمد ، هذا علي بن أبي طالب قد أقبل ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا جبرئيل ، وأهل السماوات يعرفونه ؟
قال : يا محمد ، والذي بعثك بالحقّ نبيا ، إنّ أهل السماوات لأشدّ معرفة له من أهل الأرض ، ما كبّر تكبيرة في غزوة إلاّ كبّرنا معه ، ولا حمل حملة إلاّ حملنا معه ، ولا ضرب بسيف إلاّ ضربنا معه .
يا محمد ، إن اشتقت إلى وجه عيسى وعبادته ، وزهد يحيى وطاعته ، وميراث سليمان وسخاوته ، فانظر إلى وجه علي بن أبي طالب .
وأنزل اللّه تعالى : « وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً » يعني شبها لعلي بن أبي طالب ، وعلي بن أبي طالب شبها لعيسى بن مريم « إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ »يعني يضحكون ويعجبون .
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس :
إنّه لمّا تمثّل إبليس لكفّار مكة يوم بدر على صورة سراقة بن مالك ، وكان سائق عسكرهم إلى قتال النبي صلى الله عليه و آله ، فأمر اللّه - تعالى - جبرئيل عليه السلام ،
ص: 232
فهبط إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه ألف من الملائكة ، فقام جبرئيل عن يمين أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان إذا حمل علي عليه السلام حمل معه جبرئيل ، فبصر به إبليس ، فولّى هاربا ، وقال : « إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ » .
قال ابن مسعود : واللّه ما هرب إبليس إلاّ حين رأى أمير المؤمنين عليه السلام ، فخاف أن يأخذه ويستأسره ويعرفه الناس ، فهرب ، فكان أوّل منهزم ، وقال « إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ » لمن حارب أمير المؤمنين عليه السلام .
السمعاني في فضائل الصحابة عن ابن المسيب عن أبي ذر : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : يا أبا ذر ، علي أخي وصهري وعضدي ، إنّ اللّه لا يقبل فريضة إلاّ بحبّ علي بن أبي طالب .
يا أبا ذر ، لمّا أسري بي إلى السماء مررت بملك جالس على سرير من نور ، على رأسه تاج من نور ، إحدى رجليه في المشرق والأخرى في المغرب ، وبين يديه لوح ينظر إليه ، والدنيا كلّها بين عينيه ، والخلق بين ركبتيه ، ويده تبلغ المشرق والمغرب ، فقلت : يا جبرئيل ، من هذا ؟ فما رأيت من ملائكة ربّي - جلّ جلاله - أعظم خلقا منه ! قال : هذا عزرائيل ملك الموت ، ادن فسلّم عليه .
فدنوت منه ، فقلت : سلام عليك حبيبي ملك الموت ، فقال : وعليك السلام يا أحمد ، ما فعل ابن عمّك علي بن أبي طالب ؟
ص: 233
فقلت : وهل تعرف ابن عمّي ؟ قال : وكيف لا أعرفه ! وإنّ اللّه - جلّ جلاله - وكّلني بقبض أرواح الخلائق ما خلا روحك وروح علي ابن أبي طالب ، فإنّ اللّه يتوفّاكما بمشيئته(1) .
كتابي الخطيب الخوارزمي وأبي عبد اللّه النطنزي : قال أبو عبيد ، صاحب سليمان بن عبد الملك :
بلغ عمر بن عبد العزيز أنّ قوما تنقّصوا لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فصعد المنبر وقال : حدّثني غزال(2) بن مالك الغفاري عن أم سلمة قال : بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عندي إذ أتاه جبرئيل ، فناداه ، فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ضاحكا .
فلمّا سرى عنه ، قلت : ما أضحكك ؟ قال : أخبرني جبرئيل : أنّه مرّ
بعلي وهو يرعى ذودا(3) له ، وهو نائم قد أبدى بعض جسده ، قال : فرددت عليه ثوبيه ، فوجدت برد إيمانه قد وصل إلى قلبي(4) .
أمالي أبي جعفر القمّي ، في خبر طويل : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال يوما :
ص: 234
معاشر الناس ، أيّكم ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلوا باللاّت والعزى ليقتلوني ، وقد كذبوا وربّ الكعبة ، فأحجم الناس ، فقال : ما أحسب علي بن أبي طالب فيكم .
فأخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك ، فجاء فقال : أنا لهم سريّة وحدي ، فدرّعه وعمّمه ، وقلّده من نفسه ، فأركبه فرسه .
فخرج أمير المؤمنين عليه السلام ، فمكث ثلاثة لا يصل خبر من السماء ولا من الأرض ، فأقعدت فاطمة الحسن والحسين عليهم السلام على وركيها وهي تقول : أوشك أن يؤتم هذين الغلامين .
فأسبل النبي صلى الله عليه و آله عينيه يبكى ، ثم قال : معاشر الناس ، من يأتيني بخبر علي فأبشره بالجنّة .
فتفرّقت الناس في طلبه ، وأقبل عامر بن قتادة يبشر بعلي عليه السلام ، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام ، ومعه أسيران ورأس وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس ، وقال : لمّا سرت في الوادي رأيت هؤلاء ركبانا على الأباعر ، فنادوني : من أنت ؟ فقلت : علي بن أبي طالب ابن عّم رسول اللّه ، فشدّ عليّ هذا المقتول ، ودارت بيني وبينه ضربات ، وهبّت ريح حمراء سمعت صوتك فيها - يا رسول اللّه - وأنت تقول : قطعت لك جربان(1) درعه ، فضربته ، فلم أجفه ، ثم هبت ريح صفراء ، فسمعت صوتك فيها - يا رسول اللّه - : قلبت(2)
ص: 235
لك الدرع عن فخذه ، فضربته ووكزته ، فقال الرجلان : صاحبنا هذا يعدّ بألف فارس ، فلا تعجل علينا ، وقد بلغنا أنّ محمدا رفيق شفيق رحيم ، فاحملنا إليه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أمّا الصوت الأول فصوت جبرئيل ، والآخر فصوت ميكائيل .
فعرض النبي صلى الله عليه و آله عليهما الإسلام ، فأبيا ، فأمر بقتلهما ، فهبط جبرئيل وقال : لا تقتله ، فإنّه حسن الخلق سخي في قومه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، امسك ، فإنّ هذا رسول ربّي يخبرني أنّه حسن الخلق سخيّ في قومه ، فقال الرجل : واللّه ما ملكت درهما مع أخ لي قطّ ، ولا قطّبت وجهي في الحرب ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله .
وفي رواية الأصبغ : إنّ عليا عليه السلام مضى من المدينة وحده ، فأتى عليه
سبعة أيام ، فرؤي النبي صلى الله عليه و آله يبكي ويقول : اللّهم ردّ إليّ عليا قرّة عيني ، وقوّة ركني ، وابن عمّي ، ومفرج الكرب عن وجهي ، ثم ضمن الجنّة لمن أتى بخبر علي عليه السلام .
فركب الناس في كلّ طريق ، فوجده الفضل بن عباس ، فبشّر النبي صلى الله عليه و آله بقدومه ، فاستقبله ، فما زال يفتّش عن يمين علي وعن يساره ، وعن بدنه وعن رأسه ، فقلت : تفتش عليا عليه السلام كأنّه كان في الحرب ؟
فأخبرني عن جبرئيل : أنّ أقواما من المشركين يقصدونك من الشام ، فأخرج إليهم عليا عليه السلام وحده ، فخرج معه جبرئيل في ألف ملك ، وميكائيل في ألف ملك ، ورأيت ملك الموت يقاتل دون علي عليه السلام .
ص: 236
أربعين الخطيب ، وشرح ابن الفياض ، وأخبار أبي رافع ، في خبر طويل عن حذيفة بن اليمان : أنّه دخل أمير المؤمنين عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو مريض ، فإذا رأسه في حجر رجل أحسن الخلق ، والنبي صلى الله عليه و آله
نائم ، فقال الرجل : ادن إلى ابن عمّك ، فأنت أحقّ به منّي ، فوضع رأسه في حجره .
فلمّا استيقظ النبي صلى الله عليه و آله سأله عن الرجل ، قال علي عليه السلام : كان كذا وكذا ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ذاك جبرئيل ، كان يحدّثني حتى خفّ عنّي وجعي(1) .
وفي خبر: إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يملي عليه جبرئيل، فنام وأمره بكتابة الوحي .
قال الناشيء :
وحي من اللّه حبا الطهر به
أثبته حفظ على ما غلط
أناطه الطهر به مواخيا
في الفضل إذ قال له اللّه انط
* * *
وقال الحميري :
فبينا رسول اللّه يملي أصابه
نعاس فأغفى ساعة متجافيا
فأملى عليه جبريل مكانه
من الوحي آيات بها كان آتيا
فلمّا انجلى عنه النعاس كأنّه
هلال سرت عنه الغيوم سواريا
تلا بعض ما خطّت من الخبر كفّه
وكان لما أوعى من العلم تاليا
ص: 237
فقال علي قال أنت محمد
بل الروح أملاه عليك مباديا
أتاني به جبريل يمليه معربا
عليك فلم يغفل ولم يك ناسيا
* * *
وقال ابن حماد :
ثم لمّا هبّ نادى وقد اسود السجل
إنّني قلت وجبريل الذي كان يمل
* * *
وله أيضا :
ناجاك لندب علي ربّ العلى شفاها
في الأرض من غير ترجمان
* * *
المحبرة :
أمن عليه الوحي أملاه واثقا
جبريل وهو إليه ذو اطمئنان
إذ قال أحمد يا علي اكتب ولا
تلمح وذاك به الأمين أتاني
من ذي الجلال فإنّي عنكما
متبرّز في هذه الغطيان
وخلا خليل خليله بخليله
ويداه عنه الوحي تكتنفان
ووعت مسامعه حلاوة لفظه
ورآه رؤية غير ما رؤيان
* * *
التهذيب والكافي : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : لمّا هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان على رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان رأسه في حجر علي عليه السلام ، فأذّن جبرئيل وأقام .
ص: 238
فلمّا انتبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : يا علي ، سمعت ؟
قال : نعم ، قال : حفظت ؟ قال : نعم ، قال : ادع بلالاً فعلّمه ، فدعى علي عليه السلام بلالاً فعلّمه(1) .
محمد بن عمرو بإسناده عن جابر بن عبد اللّه أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما عصاني قوم من المشركين إلاّ رميتهم بسهم اللّه .
قيل : وما سهم اللّه يا رسول اللّه ؟ قال : علي بن أبي طالب ، ما بعثته في سريّة ، ولا أبرزته لمبارزة ، إلاّ رأيت جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وملك الموت أمامه ، وسحابة تظلّه حتى يعطيه اللّه خير النصر والظفر(2) .
أبو هريرة : لمّا قسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله المغنم في غزاة تبوك خلّف عليا عليه السلام
على أهله ، دفع إليه سهمين ، فتكلّموا في ذلك ، فقال : معاشر الناس ، ناشدتكم باللّه ورسوله ، ألم تروا الفارس الذي حمل على المشركين من
ص: 239
يمين العسكر فهزمهم ، ثم رجع إليّ فقال لي : يا محمد ، إنّ لي معك سهما ، وقد جعلته لعلي عليه السلام ، وهو جبرئيل .
معاشر الناس ، ناشدتكم باللّه ورسوله ، هل رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين من يسار العسكر فهزمهم ، ثم رجع إليّ ، فعلّمني وقال لي : يا محمد ، إنّ لي معك سهما ، وقد جعلته لعلي عليه السلام ، وهو ميكائيل ، فواللّه ، ما دفعت إلى علي إلاّ سهم جبرئيل وميكائيل ، فكبّر وكبّر الناس بأجمعهم(1) .
قال الوراق القمّي :
علي حوى سهمين من غير أن غزا
غزاة تبوك حبّذا سهم مسهم
* * *
أركبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم خيبر ، وعمّمه بيده ، وألبسه ثيابه ، وأركبه بغلته ، ثم قال : امض - يا علي - وجبرئيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، وعزرائيل أمامك ، وإسرافيل ورائك ، ونصر اللّه فوقك ، ودعائي خلفك .
وخبّر النبي صلى الله عليه و آله رميه باب خيبر أربعين ذراعا ، فقال صلى الله عليه و آله : والذي نفسي بيده ، لقد أعانه عليه أربعون ملكا(2) .
ص: 240
ويقول علي عليه السلام في كتابه : واللّه ، ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية ، ولا بحركة غدائية ، ولكنّي أيّدت بقوّة ملكوتية ، ونفس بنور ربّها مضيئة(1) .
قال الحميري :
وللّه جلّ اللّه في فتح خيبر
عليه أيادي نعمة بعد أنعم
مشى بين جبريل وميكال حوله
ملائكة مشي الهزبر المصمّم
فصمّم آذان(2) الذين تهوّدوا
وأرعن ممّن يعبد اللّه موحم(3)
* * *
وله أيضا :
من كان جبريل يقوم يمينه
فيها وميكال يقوم يسارا
من كان ينصره ملائكة السما
يأتونه مددا له أنصارا
* * *
وله أيضا :
يا راية جبريل سار أمامها
قدما وأتبعها النبي دعاء
اللّه فضّله بها ورسوله
واللّه ظاهر عنده الآلاء
* * *
ص: 241
ابن فياض في شرح الأخبار : روى محمد بن الجنيد بإسناده عن سعيد بن المسيب قال : أصاب عليا عليه السلام يوم أحد ستّة عشر ضربة ، وهو بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يذبّ عنه ، في كلّ ضربة يسقط إلى الأرض ، فإذا سقط رفعه جبرئيل(1) .
خصائص العلوية : قيس بن سعد عن أبيه قال علي عليه السلام : أصابني يوم أحد ستّ عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن ، فأتاني رجل حسن الوجه ، حسن اللمّة ، طيب الريح ، فأخذ بضبعي(2) فأقامني ، ثم قال : أقبل عليهم ، فإنّك في طاعة اللّه وطاعة رسول اللّه ، وهما عنك راضيان .
قال علي عليه السلام : فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فأخبرته ، فقال : يا علي ، أقرّ اللّه عينك ، ذاك جبرئيل(3) .
العيون والمحاسن بإسناده عن أبي عبد اللّه العنزي قال : إنا جلوس مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام يوم الجمل ، إذ جاءه الناس يهتفون به : يا أمير المؤمنين ، لقد نالنا النبل والنشاب ، فتنكّر .
ص: 242
ثم جاء آخرون ، فذكروا مثل ذلك وقالوا : قد جرحنا ، فقال عليه السلام : من يعذرني من قوم يأمرون بالقتال ، ولم تنزل بعد الملائكة .
فقال : إنّا لجلوس إذ هبت ريح طيبة من خلفنا - واللّه - لوجدت بردها بين كتفي من تحت الدرع والثياب ، فضرب أمير المؤمنين عليه السلام درعه ، ثم قام إلى القوم ، فما رأيت فتحا كان أسرع منه(1) .
وروي عن عامر بن سعد : أنّه لمّا جاء أبو اليسر الأنصاري بالعباس ، فقال : واللّه ، ما أسرني إلاّ ابن أخي علي بن أبي طالب ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : صدق عمّي ، ذلك ملك كريم ، فقال : قد عرفته بحجلته وحسن وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ الملائكة الذين أيّدني اللّه بهم على صورة علي بن أبي طالب ، ليكون ذلك أهيب في صدور الأعداء(2) .
وقال أبو اليسر الأنصاري : رأيت العباس آنفا وعقيلاً معهما رجل على فرس أبلق ، عليه ثياب بيض ، يقود العباس وعقيلاً ، فدفعهما إلى علي عليه السلام وقال : يا علي ، هذان عمّك وأخوك ، فدونكهما ، فأنت أولى بهما ، فحكى ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : ذلك جبرئيل دفعهما إليك .
فضائل العشرة : إنّ جنّيا كان في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فدخل علي عليه السلام ، فغاب الجنّي ، فلمّا خرج علي عليه السلام عاد الجنّي إلى مكانه ، فقال له
ص: 243
النبي صلى الله عليه و آله : لم غبت عند حضور علي ؟ فقال : يا رسول اللّه ، إنّ عليا جرحني ، فقال : وكيف ولم تظهر إلاّ في زمن سليمان ؟ ثم قال : إنّ اللّه خلق ملكا على صورة علي عليه السلام يقاتل مع الأنبياء .
الفصول والعيون والمحاسن عن المفيد : قال الصادق عليه السلام في حديث بدر : لقد كان يسئل الجريح من المشركين ، فيقال : من جرحك ؟ فيقول : علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فإذا قالها مات(1) .
* * *
قال الحميري :
وقد رويتم له الأملاك ناصرة
تكرّ إن كرّ منها ما تخفّفه
وكان ذا في إمارات الإمام وما
يزال يجمعها فيه مشرفه
* * *
وقال العوني :
من كان جبريل في الهيجاء يسعده
وكان يعضده ميكال إذ حملوا
* * *
وقال غيره :
قاتل الروح مرارا
تحت رايات علي
* * *
ص: 244
فضائل الصحابة عن أحمد ، وخصائص العلوية عن النطنزي ، قال الحارث : لمّا كانت ليلة بدر ، قال النبي صلى الله عليه و آله : من يستقي لنا من الماء ؟
فأحجم الناس ، فقام علي عليه السلام فاحتضن فرسه ، ثم أتى بئرا بعيدة القعر مظلمة ، فانحدر فيها ، فأوحى اللّه إلى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، تأهبوا لنصرة محمد وحزبه ، فهبطوا من السماء ، لهم لغط يذعر من يسمعه ، فلمّا حاذوا البئر سلّموا عليه من عند آخرهم إكراما وتبجيلاً(1) .
محمد بن ثابت بإسناده عن ابن مسعود والفلكي المفسّر بإسناده عن محمد بن الحنفية قال : بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده .
فلمّا أتى القليب وملأ القربة الماء فأخرجها جاءت ريح فهرقته ، ثم عاد إلى القليب وملأ القربة فأخرجها ، فجاءت ريح فأهرقته ، وهكذا في الثالثة .
فلمّا كانت الرابعة ملأها ، فأتى بها النبي صلى الله عليه و آله ، فأخبر بخبره ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أمّا الريح الأولى ، فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، والريح الثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك(2) .
ص: 245
وفي رواية : ما أتوك إلاّ ليحفظوك .
وقد رواه عبد الرحمن بن صالح بإسناده عن الليث ، وكان يقول : كان لعلي عليه السلام في ليلة واحدة ثلاثة آلاف منقبة وثلاث مناقب ، ثم يروي هذا الخبر(1) .
قال الحميري :
وسلّم جبريل وميكال ليلة
عليه وإسرافيل حيّاه معربا
أحاطوا به في روعة جاء يستقي
وكان على ألف بها قد تحزبا
ثلاثة آلاف ملائك سلّموا
عليه فأدناهم وحيّا ورحبا
* * *
وله أيضا :
ذاك الذي سلّم في ليلة
عليه ميكال وجبرئيل
ميكال في ألف وجبريل في
ألف ويعلوهم سرافيل
* * *
وقال العوني :
بأبي من خفق المسح به
طائرا في الجوّ في الليل الدجى
بأبي من هبط الجبّ ولم
يخش من أهواله مع من خشي
فأتى جبريل مع ميكال مع
عزرائيل مع ما قد روى
بين أملاك صفوف هبطوا
كيف يقضون حقوق المستقي
ص: 246
وله أيضا :
وعليه سلّم جبرئيل وجنده
وأخوه ميكائيل والجندان
إذ أقبلت ريح فصدّت وجهه
وهراق نطفة شنّه ريحان(1)
* * *
وقال الجماني :
ومن سلّم جبريل
عليه ليلة الجبّ
* * *
جابر : كنت أماشي أمير المؤمنين عليه السلام على الفرات إذ خرجت موجة عظيمة حتى انستر(2) عنّي ، ثم انحسرت عنه ولا رطوبة عليه ، فوجمت لذلك وتعجّبت ، وسألته عن ذلك ، قال : ورأيت ذلك ؟
قلت : نعم .
قال : إنّما هو الموكّل بالماء ، فخرج فسلّم عليّ واعتنقني(3) .
قال الوراق :
علي الذي أهدى إلى الماء صحبه
بحيث يلوح الدين للمتبسّم
* * *
ص: 247
عبد اللّه بن عباس وحميد الطويل عن أنس قالا : صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا ركع أبطأ في ركوعه حتى ظننّا أنّه نزل عليه وحي ، فلمّا سلّم واستند إلى المحراب نادى : أين علي بن أبي طالب ؟ وكان في آخر الصفّ يصلّى ، فأتاه ، فقال : يا علي لحقت الجماعة ؟
فقال : يا نبي اللّه عجّل بلال الإقامة ، فناديت الحسن بوضوء ، فلم أر أحدا ، فإذا أنا بهاتف يهتف : يا أبا الحسن ، أقبل عن يمينك ، فالتفت فإذا أنا بقدس(1) من ذهب مغطّى بمنديل أخضر معلّقا ، فرأيت ماء أشدّ بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وأطيب ريحا من المسك ، فتوضأت وشربت ، وقطّرت على رأسي قطرة وجدت بردها على فؤادي ، ومسحت وجهي بالمنديل بعدما كان الماء يصبّ على يدي ، وما أرى شخصا ، ثم جئت - يا نبي اللّه - ولحقت الجماعة .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : القدس من أقداس الجنّة ، والماء من الكوثر ، والقطرة من تحت العرش ، والمنديل من الوسيلة ، والذي جاء به جبرئيل عليه السلام ، والذي ناولك المنديل ميكائيل ، وما زال جبرئيل واضعا يده على ركبتي يقول : يا محمد ، قف قليلاً حتى يجئ علي عليه السلام فيدرك معك الجماعة(2) .
* * *
ص: 248
قال خطيب منبج :
ومن وافاه جبريل بماء
من الفردوس فعل المكرمينا
وصبّ عليه إسرافيل منه
وكان به من المتطهّرينا
* * *
وقال الناشي :
والسطل والمنديل حين أتى به
جبريل حسبك خدمة الأملاك
* * *
وقال القمّي :
علي شكا فوت الصلاة فجاءه
وضوء بمنديل كما قيل معلم
* * *
وقال ابن حماد :
أيّها الناصب جهلاً
أنت عن رشدك غفل
من إليه جاء جبر
يل بمنديل وسطل
عميت عيناك قل لي
أعلى قلبك قفل
* * *
وله أيضا :
أعطيت في الفضل ما لم يعطه أحد
كذا روى خلف منّا عن السلف
كالجام والسطل والمنديل يحمله
جبريل ما أحد فيه بمختلف
* * *
ص: 249
وقال غيره :
إمامي الذي حمّال ماء طهوره
هو الروح جبريل الأمين إلى الرسل
هو الآية الكبرى هو الحجّة التي
بها احتج باريها على الخلق بالظل
* * *
وقال آخر :
فكم له من آية معجزة
لا يستطيع مبطل إبطالها
من قدس يهبط أو نجم هوى
أو دعوة قاربها أو نالها
كالطائر المحنوذ(1) أو من قدرة
قد قيّض اللّه له أشكالها
كالمسخ والثعبان أو كالنار فيالأحزاب يوما صالها وجالها
* * *
وروى مشاهدته لجبرئيل عليه السلام على صورة دحية الكلبي حين سمّاه بتلك الأسامي .
وحين وضع رأس رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجره وقال : أنت أحقّ به منّي .
وحين كان يملي الوحي ونعس النبي صلى الله عليه و آله .
ص: 250
وحين اشترى الناقة من الأعرابي بمائة درهم ، وباعها من آخر بمائة وستّين .
وحين غسل النبي صلى الله عليه و آله . وغير ذلك(1) .
وروى نحوا منه أحمد في الفضائل .
قال الحميري :
ويسمع حسّ جبريل إذا ما
أتى بالوحي خير الواطنينا
* * *
وقد خدمه جبريل في عدّة مواضع :
روى علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى « تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ » قال : لقد صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله سبع رمضانات ، وصام علي بن أبي
طالب عليهماالسلاممعه ، فكان كلّ ليلة القدر ينزل فيها جبريل على علي عليه السلام ، فيسلّم عليه من ربّه .
وروي عن الباقر عليه السلام في خبر يذكر فيه وفاة النبي صلى الله عليه و آله : أنّه أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه ، فقال : السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، في اللّه عزاء من كلّ مصيبة ، ونجاة من كلّ هلكة ، ودرك لما فات « كُلُّ نَفْسٍ
ص: 251
ذائِقَةُ الْمَوْتِ » الآية ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - إصطفاكم وفضّلكم وطهّركم ، وجعلكم أهل بيت نبيه صلى الله عليه و آله ، وأودعكم حكمه ، وأورثكم كتابه ، وجعلكم تابوت علمه ، وعصا عزّه ، وضرب لكم مثلاً من دونه ، وعصمكم من الذنوب ، وآمنكم من الفتنة ، فتعزّوا بعزاء اللّه ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - لا ينزع عنكم نعمته ، ولا يزيل عنكم بركته . . في كلام طويل .
فقيل للباقر عليه السلام : ممّن كانت التعزية ؟ فقال : من اللّه - تعالى - على لسان جبرئيل .
وقد روى نحوا من ذلك سفيان بن عيينة عن الصادق(1) عليه السلام .
وقد احتج أمير
المؤمنين عليه السلام يوم الشورى فقال : هل فيكم من غسل
رسول اللّه صلى الله عليه و آله غيري ، وجبرئيل يناجي وأجد حسّ يده معي(2) .
حدث أبو عوانة عن الحسن بن علي بن عفان عن محمد بن الصلت عن مندل بن علي عن إسماعيل بن زياد عن إبراهيم بن شمر عن أبي الضحاك الأنصاري قال :
كان على مقدّمة النبي صلى الله عليه و آله يوم حنين علي عليه السلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : وددت أنّ عليا قال : من دخل الرجل(3) فهو آمن ، قال : فقال علي عليه السلام : من دخل الرجل فهو آمن ، قال : فضحك جبرئيل .
ص: 252
فقال النبي صلى الله عليه و آله . . - قال أبو عوانة وذكر حديثا لم أحفظه -
ثم قال : قال علي عليه السلام : وقد بلغ من أمري ما يجيبني جبرئيل ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نعم ، وهو جبرئيل ، يجيبك(1) اللّه - تبارك اللّه وتعالى - .
خلقة الملائكة على صورته ، ومجيئهم إلى زيارته ، ونصرته ، وإذنهم في مكالمته ، وكونهم في خدمته يدلّ على أنّه أكرم خليقته بعد النبي صلى الله عليه و آله ، الملائكة جنوده ، والحاديان عبيده كفو الملك ، وكافى الخلق إنسي ملك .
ص: 253
ص: 254
ص: 255
ص: 256
عباية بن ربعي الأسدي قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام ، وعنده رجل رثّ الهيئة ، وأمير المؤمنين عليه السلام يكلّمه .
فلمّا قام الرجل قلت : يا أمير المؤمنين ، من هذا الذي شغلك عنّا ؟ قال : هذا وصي موسى(1) عليه السلام .
عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن الصادق عليه السلام في خبر : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام توضّأ وأذّن في صفين ، فانفلق الجبل عن هامة بيضاء بلحية بيضاء ووجه أبيض ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، مرحبا بوصيّ خاتم النبيين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والأعزّ المأثور ، والفاضل الفائز بثواب الصديقين [ و ] سيّد الوصيين .
فقال له : وعليك السلام ، يا أخي شمعون بن جمون وصيّ عيسى بن مريم روح القدس ، كيف حالك ؟
قال : بخير يرحمك اللّه ، أنا منتظر روح اللّه ينزل ، ولا أعلم أحدا أعظم
ص: 257
في اللّه بلاء ، ولا أحسن غدا ثوابا ، ولا أرفع مكانا منك ، إصبر يا أخي - يا علي - [ على ] ما أنت فيه حتى تلقى الحبيب غدا ، فقد رأيت أصحابك - يعني الأوصياء - بالأمس لقوا ما لقوا من بني إسرائيل ، نشروهم بالمناشير ، وحملوهم على الخشب(1) . . . إلى آخر كلامه .
الأصبغ بن نباتة قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يصلّي إذ أقبل رجل عليه بردان أخضران ، وله عقيصتان سوداوان ، أبيض اللحية ، فلمّا سلّم أمير المؤمنين عليه السلام من صلاته أكبّ على رأسه فقبّله ، ثم أخذ بيده ، فذهبا .
قال : فخرجنا نحوهما مسرعين ، فسألنا عنه ، فقال : هذا أخي الخضر أكبّ عليّ وقال لي : إنّك في مدرة - يعني الكوفة - لا يريدها جبّار بسوء إلاّ قصمه اللّه ، واحذر الناس ، فخرجت معه لأشيّعه ، لأنّه أراد الظهر(2) .
وروى خرور وسعد بن طريف عن الأصبغ : أنّه جاء ثانية ، فإذا ميثم يصلّي إلى تلك الأسطوانة ، فقال : يا صاحب السارية ، اقرأ صاحب الدار السلام - يعني عليا عليه السلام - وأعلمه أنّي بدأت به ، فوجدته نائما .
جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال : لمّا قبض
رسول اللّه صلى الله عليه و آله جاء آتٍ يسمعون حسّه ولا يرون شخصه ، فقال : السلام
ص: 258
عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته ، في اللّه عزاء من كلّ مصيبة ، وخلف من كلّ هالك ، ودرك من كلّ ما فات ، فباللّه فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإنّ المحروم من حرم الثواب والسلام .
فقال علي عليه السلام : تدرون من هذا ؟ هذا الخضر(1) .
وروى محمد بن يحيى قال : بينا علي عليه السلام يطوف بالكعبة ، إذا رجل متعلّق بالأستار ، وهو يقول : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، يا من لا يغلّطه السائلون ، يا من لا يتبرّم بإلحاح الملحيّن ، أذقني برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك .
فقال علي عليه السلام : يا عبد اللّه ، دعاؤك هذا ؟ قال : وقد سمعته ؟ قال : نعم ، قال : فادع به في دبر كلّ صلاة ، فوالذي نفس الخضر بيده ، لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء وقطرها ، وحصباء الأرض وترابها ، لغفر لك أسرع من طرفة عين(2) .
عبد اللّه بن الحسن بن الحسن عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه السلام : كان في مسجد الكوفة يوما ، فلمّا جنّه الليل أقبل رجل من باب الفيل عليه ثياب بيض ، فجاء الحرس وشرطة الخميس ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : ما تريدون ؟ فقالوا : رأينا هذا الرجل أقبل الينا فخشينا أن يغتالك .
ص: 259
فقال عليه السلام : كلا ، انصرفوا - رحمكم اللّه - أتحفظوني من أهل الأرض ، فمن يحفظني من أهل السماء !
ومكث الرجل عنده مليّا يسأله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لقد ألبست الخلافة بهاء وزينة وكمالاً ، ولم تلبسك ، ولقد افتقرت إليك أمّة محمد صلى الله عليه و آله ، وما افتقرت إليها ، ولقد تقدّمك قوم وجلسوا مجلسك ، فعذابهم على اللّه ، وإنّك لزاهد في الدنيا ، وعظيم في السماوات والأرض ، وإنّ لك في الآخرة لمواقف كثيرة ، تقرّ بها عيون شيعتك ، وإنّك لسيد الأوصياء ، وأخوك سيد الأنبياء ، ثم ذكر الأئمة الإثني عشر ، فانصرف .
وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام على الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : تعرفانه ؟ قالا : ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا أخي الخضر .
وفي الخبر : إنّ خضرا وعليا عليهماالسلام قد اجتمعا ، فقال له علي عليه السلام : قل كلمة حكمة .
فقال : ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء قربة إلى اللّه .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة باللّه (1) ، فقال الخضر : ليكتب هذا بالذهب .
أمالي المفيد النيسابوري وتاريخ بغداد : قال الفتح بن شجرف : رأى أمير المؤمنين عليه السلام الخضر في المنام ، فسأله نصيحة ، قال : فأراني كفّه ، فإذا فيها مكتوب بالخضرة :
ص: 260
قد كنت ميتا فصرت حيّا
وعن قليل تعود ميتا
فابن لدار البقاء بيتا
ودع لدار الفناء بيتا(1)
* * *
عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه قال : لمّا أخرج علي عليه السلام ملبّبا وقف عند قبر النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا بن العمّ ، « إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا
يَقْتُلُونَنِي » .
قال : فخرجت يد من قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعرفون أنّها يده ، وصوت يعرفون أنّه صوته ، نحو الأوّل يقول : يا هذا « أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً »(2) .
عبد اللّه بن سليمان وزياد بن المنذر والعباس بن الحريش الراوي ، كلّهم عن أبي جعفر عليه السلام ، وأبان بن تغلب ومعاوية بن عمار وأبو سعيد المكاري ، كلّهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لقى الأوّل فاحتج عليه ، ثم قال : أترضى برسول اللّه صلى الله عليه و آله بيني وبينك ؟ فقال : وكيف لي بذلك ؟
ص: 261
فأخذ بيده ، فأتى به مسجد قبا ، فإذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيه ، فقضى له على الأوّل(1) . . القصّة .
زيارة الأنبياء والأوصياء بعد غيبتهم أو وفاتهم تدلّ على جلالة قدر المزور ، وأنّه لا نظير له في زمانه .
ص: 262
ص: 263
ص: 264
علل الشرائع عن ابن بابويه : سلمان في خبر : أنّه مرّ إبليس بنفر يسبّون عليا عليه السلام ، فقال : تبّا لكم ، عبدت اللّه في الجان إثنى عشر ألف سنة ، فلمّا أهلك الجان شكوت إلى اللّه الوحدة ، فعرج بي إلى السماء الدنيا ، فعبدت اللّه فيها إثنى عشر ألف سنة أخرى في جملة الملائكة .
فبينا نحن كذلك إذ مرّ بنا نور شعشعاني ، فخرّوا سجّدا ، فإذا بالنداء من قبل اللّه - تعالى - : ما هذا نور ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، هذا نور طينة علي بن أبي طالب(1) .
جابر عن أبي جعفر عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا علي ، إئت الوادي ، فدخل الوادي ، ودار فيه ، فلم ير أحدا ، حتى إذا صار على بابه لقيه شيخ ، فقال : ما تصنع هنا ؟ قال : أرسلني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : تعرفني ؟ قال : ينبغي أن يكون أنت الملعون ، فقال : ما ترى أصارعك ؟ فصارعه ، فصرعه علي عليه السلام ، فقال : قم عنّي حتى أبشرك .
ص: 265
فقام عنه ، فقال : بم تبشرني يا ملعون ؟ قال : إذا كان يوم القيامة صار الحسن عن يمين العرش ، والحسين عن يسار العرش ، يعطون شيعتهم الجواز من النار .
فقام إليه ، فقال : أصارعك مرّة أخرى ؟ قال : نعم ، فصرعه مرّة أخرى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : قم عنّي حتى أبشرك .
فقام عنه ، قال : لمّا خلق اللّه - تعالى - آدم أخرج ذريّته من ظهره مثل الذرّ ، فأخذ ميثاقهم « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » ، فأشهدهم على أنفسهم ، فأخذ ميثاق محمد وميثاقك ، فعرّف وجهك الوجوه ، وروحك الأرواح ، فلا يقول لك أحد : أحبّك ، إلاّ عرفته ، ولا يقول لك : أبغضك ، إلاّ عرفته .
قال : قم صارعني ثالثة ، قال : نعم ، فصارعه فاعتنقه ، ثم صارعه فصرعه أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : يا علي لا تنقضني ، قم عنّي حتى أبشرك ، قال : بلى ، وأبرأ منك وألعنك .
قال : واللّه يا بن أبي طالب ، ما أحد يبغضك إلاّ شركت أباه في رحم أمّه وولده وماله ، أما قرأت كتاب اللّه « وَشارِكْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ »(1) الآية .
تاريخ الخطيب وكتاب النطنزي بإسنادهما عن ابن جريح عن مجاهد
عن ابن عباس ، وبإسناد الخطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي أبي عبد اللّه عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وفي إبانة الخركوشي بإسناده عن
ص: 266
الضحاك عن ابن عباس ، وقد رواه القاضي أبو الحسن الأشناني عن إسحاق الأحمر ، وروى من أصحابنا جماعة منهم أبو جعفر بن بابويه في الإمتحان ، ولفظ الحديث للخركوشي :
قال ابن عباس : كنت أنا ورسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي بن أبي طالب عليهماالسلامبفناء الكعبة ، إذ أقبل شخص عظيم - ممّا يلي الركن اليماني - كفيل ، فتفل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : لعنت ، فقال علي عليه السلام : ما هذا يا رسول اللّه ؟ قال : أو ما تعرفه ؟ ذاك إبليس اللّعين .
فوثب علي عليه السلام وأخذ بناصيته وخرطومه وجذبه ، فأزاله عن موضعه ، وقال : لأقتلنّه يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أما علمت - يا علي - أنّه قد أجّل له إلى يوم الوقت المعلوم ، فتركه .
فوقف إبليس وقال : يا علي ، دعني أبشرك ، فما لي عليك ولا على شيعتك سلطان ، واللّه ما يبغضك أحد إلاّ شاركت أباه فيه ، كما هو في القرآن « وَشارِكْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ » ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : دعه يا علي ، فتركه(1) .
قال الوراق القمي :
علي أخو الكرّات صارع فاعتلى
أبا مرّة الغاوي بكفّ مصدم
* * *
ص: 267
كتاب إبراهيم روى أبو سارة الشامي بإسناده ، وكتاب ابن فياض روى إسماعيل بن أبان بإسناده ، كلاهما عن أم سلمة في حديث :
أنّه خرج علي عليه السلام ومعه بلال يقفوان أثر رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى انتهيا إلى الجبل ، فانقطع الأثر عنهما .
فبينا هما كذلك ، إذ وقع لهما رجل متكئ على عصا ، له كساء على عاتقه ، كأنّه راع من هذه الرعاة .
فقال علي عليه السلام : يا بلال ، اجلس حتى آتيك بالخبر ، وتوجّه قبل الرجل حتى إذا كان قريبا منه قال : يا عبد اللّه ، رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
فقال الرجل : وهل للّه من رسول !
فغضب علي عليه السلام وتناول حجرا ورماه ، فأصاب بين عينيه ، فصاح صيحة ، فإذا الأرض كلّها سواد بين خيل ورجل حتى أطافوا به .
ثم أقبل علي عليه السلام ، فبينما هو كذلك ، إذ أقبل طائران من قبل الجبل ، فأخذ أحدهما يمنة والآخر يسرة ، فما زالا يضربانهم بأجنحتهما حتى ذهب ذلك السواد ، ورجع الطائران حتى أخذا في الجبل ، فقال لبلال : انطلق حتى نتبع هذين الطائرين ، فصعد علي عليه السلام الجبل وبلال ، فإذا هما برسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد أقبل من خلف الجبل ، فتبسّم في وجه علي عليه السلام ، فقال : يا علي ، مالي أراك مذعورا !
فقصّ عليه الخبر ، فقال : أو تدري ما الطائران ؟
ص: 268
قال : لا ، قال : ذاك جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام كانا عندي يحدّثاني ، فلمّا سمعا الصوت عرفا أنّه إبليس ، فأتياك - يا علي - ليعيناك(1) .
قال الباخرزي :
وكيف يرى إبليس معشار ما أرى
وقد فتحت عينان لي وهو أعور
* * *
وفي حديث أبي بكر هبة اللّه العلافي بإسناده إلى ابن عباس في خبر طويل : أنّه اجتمع النبي صلى الله عليه و آله وعلي وجعفر عند فاطمة عليهم السلام ، وهي في صلاتها ، فلمّا سلّمت أبصرت عن يمينها رطب على طبق ، وعلى يسارها سبعة أرغفة ، وسبعة طيور مشويات ، وجام من لبن ، وطاس من عسل ، وكأس من شراب الجنّة ، وكوز من ماء معين ، فسجدت وحمدت وصلّت على أبيها ، وقدّمت الرطب .
فلمّا فرغوا عن أكله قدّمت المائدة ، فإذا بسائل من وراء الباب : أهل بيت الكرم ، هل لكم في إطعام المسكين .
فمدّت فاطمة عليهاالسلام يدها إلى رغيف ، ووضعت عليه طيرا ، وحملت بالجام ، وأرادت أن تدفع إلى السائل ، فتبسم نبي اللّه صلى الله عليه و آله في وجهها
ص: 269
وقال : إنّها محرّمة على هذا السائل ، ثم نبأها بأنّه إبليس ، وأنّه لو واسيناه لصار من أهل الجنّة .
فلمّا فرغوا من الطعام خرج علي عليه السلام من الدار ، وواجه إبليس وبكّته(1) ووبّخه ، وقال له : الحكم بيني وبينك السيف ، ألا تعلم بفناء من نزلت يا لعين ؟! شوشت ضيافة نور اللّه في أرضه . . في كلام له .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : كل أمره إلى ديان يوم الدين .
فقال إبليس : يا رسول اللّه ، اشتقت إلى رؤية علي ، فجئت آخذ منه الحظّ الأوفر ، وأيم اللّه إنّي من أودائه ، وإنّي لأواليه(2) .
أبو صالح المؤذن في الأربعين بإسناده عن زينب بنت جحش في حديث دخول النبي صلى الله عليه و آله على فاطمة عليهاالسلام ، وقوله لها : هاتي ذاك الطيران(3) ، وكان من موائد الجنّة ، فإذا بسائل قال : السلام عليكم أهل البيت ، أطعمونا ممّا رزقكم اللّه .
فردّ النبي صلى الله عليه و آله : يطعمك اللّه يا عبد اللّه ، فجاء مرّة أخرى فردّه . . إلى آخر الخبر .
ص: 270
كتاب أبي إسحاق العدل الطبري عن عمر بن علي عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال : دعانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا وفاطمة والحسن والحسين ، ثم نادى بالصحفة فيها طعام كهيئة السكنجبين ، وكهيئة الزبيب الطائفي الكبار ، فأكلنا منه ، فوقف سائل على الباب ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إخسأ .
ثم قال : ارفع ما فضل ، فرفعه .
فقالت فاطمة عليهاالسلام : يا رسول اللّه ، لقد رأيتك اليوم صنعت ما كنت تفعله ! سأل سائل فقلت : إخسأ ، ورفعت فضل الطعام ، ولم أرك رفعت طعاما قطّ .
فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الطعام كان من طعام الجنّة ، وإنّ السائل كان شيطانا .
تهذيب الأحكام : أنّه لمّا همّ علي عليه السلام بغسل النبي صلى الله عليه و آله سمعنا صوتا في البيت : إنّ نبيكم طاهر مطهر ، فادفنوه ولا تغسلوه .
فقال علي عليه السلام : إخسأ عدوّ اللّه ، فإنّه أمرني بغسله وكفنه ودفنه ، وذلك سنّة .
ثم قال : نادى مناد آخر غير تلك النغمة : يا علي بن أبي طالب ، استر عورة نبيك ، ولا تنزع القميص(1) .
ص: 271
كافي الكليني : جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلامعلى
المنبر ، إذ أقبل ثعبان من ناحية باب من أبواب المسجد ، فهمّ الناس أن يقتلوه ، فأرسل أمير المؤمنين عليه السلام : أن كفّوا ، فكفّوا .
وأقبل الثعبان ينساب حتى انتهى إلى المنبر ، فتطاول فسلّم على أمير المؤمنين عليه السلام ، فأشار أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته ، ثم أقبل عليه ، فقال
له : من أنت ؟ فقال : أنا عمير بن عثمان ابن خليفتك على الجنّ ، وإنّ أبي مات ، وأوصاني أن آتيك واستطلع رأيك ، فقد أتيتك ، فما تأمرني به ، وما ترى ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أوصيك بتقوى اللّه ، وأن تنصرف فتقوم مقام أبيك ، فأنت خليفتي عليهم(1) .
وفي حديث طويل عن علي بن محمد الصوفي : أنّه لقى إبليس ، فسأله فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا من ولد آدم ، فقال : لا إله إلاّ اللّه ، أنت من قوم يزعمون أنّهم يحبّون اللّه ويعصونه ، ويبغضون إبليس ويطيعونه ، فقال : من أنت ؟ فقال : أنا صاحب الميسم ، والاسم الكبير ، والطبل العظيم ، وأنا قاتل هابيل ، وأنا الراكب مع نوح في الفلك ، أنا عاقر ناقة صالح ، أنا صاحب نار إبراهيم ، أنا مدبّر قتل يحيى ، أنا ممكّن قوم فرعون
ص: 272
من النيل ، أنا مخيّل السحر وقائده إلى موسى ، أنا صانع العجل لبني إسرائيل ، أنا صاحب منشار زكريا ، أنا السائر مع أبرهة إلى الكعبة بالفيل ، أنا المجمع لقتال محمد يوم أحد وحنين ، أنا ملقي الحسد يوم السقيفة في قلوب المنافقين ، أنا صاحب الهودج - يوم البصرة - والبعير ، أنا صاحب المواقف في عسكر صفين ، أنا الشامت يوم كربلاء بالمؤمنين ، أنا إمام المنافقين ، أنا مهلك الأولين ، أنا مضلّ الآخرين ، أنا شيخ الناكثين ، أنا ركن القاسطين ، أنا ظلّ المارقين ، أنا أبو مرّة مخلوق من نار لا من طين ، أنا الذي غضب عليه ربّ العالمين .
فقال الصوفي : بحقّ اللّه عليك إلاّ دللتني على عمل أتقرّب به إلى اللّه ، وأستعين به على نوائب دهري .
فقال : اقنع من دنياك بالعفاف والكفاف ، واستعن على الآخرة بحبّ علي بن أبي طالب وبغض أعدائه ، فإنّي عبدت اللّه في سبع سماواته ، وعصيته في سبع أرضيه ، فلا وجدت ملكا مقرّبا ، ولا نبيّا مرسلاً ، إلاّ وهو يتقرّب بحبّه .
قال : ثم غاب عن بصري ، فأتيت أبا جعفر عليه السلام فأخبرته بخبره ، فقال : آمن الملعون بلسانه وكفر بقلبه .
مناقب أبي إسحاق الطبري وإبانة الفلكي : قال أبو حمزة الثمالي : كان رجل من بني تميم يقال له « خيثمة » ، فلمّا حكّموا الحكمين خرج هاربا نحو الجزيرة ، فمرّ بواد مخيف يقال له « ميافارقين » ، فهتف به من الوادي :
ص: 273
يا أيّها الساري باميافارق
مخالفا للحقّ دين الصادق
تابعت دينا ليس دين الخالق
بل كلّ دين أحمق منافق
* * *
فقال خيثمة :
لمّا رأيت القوم في الخصوم
فارقت دين أحمق لئيم
حتى يعود الدين في الصميم
* * *
فقال :
اسمع لقولي ثم دعه ترشد
إنّ عليا كالحسام الأصيد
منهاجه دين النبي المهتد
فارجع إلى دين وصي أحمد
فخالف المرّاق فيه واشهد
* * *
فرجع إلى علي عليه السلام ولم يزل معه حتى قتل(1) .
وفي بعض كتب الأخبار عن بعض صالحات الجنّ ممّن كانت تدخل على أهل البيت عليهم السلام أنّها قالت : رأيت إبليس على صخرة جزيرة ماثلاً وهو يقول :
ص: 274
شفيعي إلى اللّه أهل العبا
وإن لم يكونوا شفيعي فمن
شفيعي النبي شفيعي الوصي
شفيعي الحسين شفيعي الحسن
شفيعي التي أحصنت فرجها
فصلّى عليهم إله المنن
* * *
وهذه من عجائبه عليه السلام لأنّ الخلائق يخافون من إبليس وجنوده ، ويتعوّذون منه ، وهم يخافون من علي بن أبي طالب ويحبّونه ، ويتوسّلون به لعلو شأنه ، وسمّو مكانه .
ص: 275
ص: 276
ص: 277
ص: 278
أبو القاسم الكوفي في الردّ على أهل التبديل : إنّ حسّاد علي عليه السلامشكوا في مقال النبي صلى الله عليه و آله في فضائل علي عليه السلام ، فنزل « فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ » يعني في علي عليه السلام « فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ » يعني أهل الكتاب عمّا في كتبهم من ذكر وصي محمد صلى الله عليه و آله ، فإنّكم تجدون ذلك في كتبهم مذكورا .
ثم قال « لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ » يعني بالآيات هاهنا الأوصياء المتقدّمين والمتأخّرين .
الكافي محمد بن الفضل عن أبي الحسن عليه السلام قال : ولاية علي عليه السلاممكتوبة
في صحف جميع الأنبياء ، ولن يبعث اللّه رسولاً إلاّ بنبوة محمد ووصيّه علي(1) عليه السلام .
صاحب شرح الأخبار : قال أبو جعفر عليه السلام في قوله تعالى « وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » بولاية علي(2) عليه السلام .
ص: 279
وفي بعض الأصول : قال سلمان : والذي نفسي بيده ، لو أخبرتكم بفضل علي عليه السلام في التوراة لقالت طائفة منكم : إنّه لمجنون ، ولقالت طائفة أخرى : اللّهم اغفر لقاتل سلمان(1) .
روضة الواعظين عن النيسابوري : إنّ فاطمة بنت أسد حضرت ولادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا كانت وقت الصبح قالت لأبي طالب عليه السلام : رأيت الليلة عجبا - يعني حضور الملائكة وغيرها - .
فقال : انتظري سبتا(2) تأتين بمثله ، فولدت أمير
المؤمنين عليه السلام بعد ثلاثين سنة(3) .
كتاب مولد أميرالمؤمنين عليه السلام عن ابن بابويه : أنّه رقد أبو طالب عليه السلامفي الحجر ، فرأى في منامه كأنّ بابا انفتح عليه من السماء ، فنزل منه نور ، فشمله فانتبه لذلك ، فأتى راهب الجحفة ، فقصّ عليه ، فأنشأ الراهب يقول :
أبشر أبا طالب عن قليل
بالولد الحلاحل(4) النبيل
ص: 280
يا لقريش فاسمعوا تأويليهذان نوران على سبيل
كمثل موسى وأخيه السول(1)
* * *
فرجع أبو طالب عليه السلام إلى الكعبة ، وطاف حولها ، وأنشد :
أطوف للآل حول البيت
أدعوك بالرغبة محيي الميت
بأن تريني السبط قبل الموت
أغرّ نورا يا عظيم الصوت
منصلتا(2) بقتل أهل الجبت
وكلّ من دان بيوم السبت
* * *
ثم عاد إلى الحجر فرقد فيه ، فرأى في منامه كأنّه ألبس إكليلاً من ياقوت ، وسربالاً من عبقر ، وكأنّ قائلاً يقول : يا أبا طالب ، قرّت عيناك ، وظفرت يداك ، وحسنت رؤياك ، فأتى لك بالولد ، ومالك البلد ، وعظيم التلد ، على رغم الحسد ، فانتبه فرحا ، فطاف حول الكعبة قائلاً :
أدعوك ربّ البيت والطواف
والولد المحبوّ بالعفاف
تعينني بالمنن اللطاف
دعاء عبد بالذنوب واف
وسيد السادات والأشراف
* * *
ص: 281
ثم عاد إلى الحجر فرقد ، فرأى في منامه عبد مناف يقول : ما يثنيك عن ابنة أسد . . في كلام له ، فلمّا انتبه تزوّج بها ، وطاف بالكعبة قائلاً :
قد صدقت رؤياك بالتعبير
ولست بالمرتاب في الأمور
أدعوك ربّ البيت والنذور
دعاء عبد مخلص فقير
فأعطني يا خالقي سروري
بالولد الحلاحل المذكور
يكون للمبعوث كالوزير
يا لهما يا لهما من نور
قد طلعا من هاشم البدور
في فلك عال على البحور
فيطحن الأرض على الكرور
طحن الرحى للحبّ بالتدوير
إنّ قريشا بات بالتكبير(1)
منهوكة بالغي والثبور
وما لها من موئل مجيرمن سيفه المنتقم المبير
وصفوة الناموس في السفيرحسامه الخاطف للكفور(2)
* * *
إبراهيم النخعي عن علقمة بن عباس في خبر : أنّه أتى براهب قرقيسا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا رآه قال : مرحبا ببحيراء الأصغر ، أين كتاب شمعون الصفا ؟ قال : وما يدرك يا أمير المؤمنين ! قال : إنّ عندنا علم جميع الأشياء ، وعلم جميع تفسير المعاني .
ص: 282
فأخرج الكتاب وأمير المؤمنين واقف ، فقال عليه السلام : امسك الكتاب معك ، ثم قرأ : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، قضى فيما قضى ، وسطّر فيما كتب ، أنّه باعث في الأميين رسولاً منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ، ويدلّهم على سبيل اللّه ، لا فظّ ولا غليظ . . وذكر من صفاته واختلاف أمّته بعده .
إلى أن قال : ثم يظهر رجل من أمّته بشاطيء الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويقضي بالحقّ ، وذكر من سيرته .
ثم قال : ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ، فإنّ نصرته عبادة ، والقتل معه شهادة .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الحمد للّه الذي لم يجعلني عنده منسيّا ، الحمد للّه الذي ذكر عبده في كتب الأبرار ، فقتل الرجل في صفين(1) .
أمالي أبي الفضل الشيباني ، وأعلام النبوة عن الماوردي ، والفتوح عن الأعثم ، في خبر طويل :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا نزل بليخ(2) من جانب الفرات نزل إليه
ص: 283
شمعون بن يوحنا ، وقرأ عليه كتابا من إملاء المسيح عليه السلام ، وذكر بعثة النبي صلى الله عليه و آله وصفته .
ثم قال : فإذا توفّاه اللّه اختلفت أمّته ، ثم اجتمعت لذلك ما شاء اللّه ، ثم اختلف على عهد ثالثهم ، فقتل قتلاً ، ثم يصير أمرهم إلى وصيّ نبيهم ، فيبغوا عليه ، وتسلّ السيوف من أغمادها ، وذكر من سيرته وزهده ، ثم قال : فإنّ طاعته للّه طاعة ، ثم قال : ولقد عرفتك ونزلت إليك .
فسجد أمير المؤمنين عليه السلام ، وسمع منه يقول : شكرا للمنعم ، شكرا عشرا ، ثم قال : الحمد للّه الذي لم يخملني ذكري ، ولم يجعلني عنده منسيّا ، فأصيب الراهب ليلة الهرير(1) .
الكليني في الكافي عن الصادق عليه السلام في خبر طويل يذكر فيه : أنّه أتى إليه بجماعة أفطروا في يوم من شهر رمضان ، فقال لهم عليه السلام : أيهود أنتم ؟ قالوا : لا ، قال : أفنصارى ؟ قالوا : لا ، بل مسلمون ، قال : فيكم علّة ؟ قالوا : لا ، قال : تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، ولا نعرف محمدا ، قال : إن أقررتم وإلاّ قتلتكم بالدخان ، فلمّا أبوا قتلهم بالدخان .
ص: 284
فحاجّه في ذلك جماعة من اليهود ، وقالوا : ما هذه البدعة التي أحدثت في دين محمد صلى الله عليه و آله ؟
قال عليه السلام : نشدتك اللّه بالتسع آيات التي أنزلت على موسى بطور سيناء ، وبحقّ الكنائس الخمس والقدس ، وبحقّ ( المشهت(1) ) الديان ، هل تعلم أنّ يوشع بن نون أتى بقوم بعد وفاة موسى شهدوا أن لا إله إلاّ اللّه ، ولم يقرّوا بأنّ موسى رسول اللّه فقتلهم بمثل هذه القتلة ؟ قال اليهودي : نعم ، أشهد أنّك ناموس موسى .
ثم أخرج من قبائه كتابا ، فدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ففضّه ونظر فيه وبكى ، فقال اليهودي : ما يبكيك يا بن أبي طالب ؟ فقال عليه السلام : هذا اسمي مثبت ، فقال له اليهودي : أرني اسمك في هذا الكتاب ، قال : فأراه اسمه في الصحيفة ، وقال : اسمي « إليا » ، فأسلم اليهودي في قومه .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : الحمد للّه الذي أثبتني عنده في صحيفة الأبرار(2) .
والمبشّرون(3) به باب يطول في ذكره نحو : سلمى ، وقيس بن ساعدة ، وتبّع الملك ، وعبد المطلب ، وأبو طالب ، وأبو الحارث بن أسعد الحميري .
ص: 285
وهو القائل قبل البعثة بسبعمائة سنة :
شهدت على أحمد أنّه
رسول من اللّه باري النسم
فلو مدّ عمري إلى عمره
لكنت وزيرا له وابن عم
وكنت عذابا على المشركين
أسقيهم كأس حتف وغم(1)
* * *
وله ، وقيل لغيره :
حاله حالة هارون
لموسى فافهماها
ذكره في كتب اللّه
دراها من دراها
أمّتا موسى وعيسى
قد تلتها فاسألاها(2)
* * *
وقال العبدي :
أسماؤه في المثاني
كثيرة للذكور
في صحف موسى وعيسى
مكنونة في الزبور
ما زال في اللوح سطر
يلوح بين السطور
تزور أملاك ربّي
منه بخير مزور
هذا علي حبيبي
أخو البشير النذير
* * *
ص: 286
ذكر الخبر في الكتب السالفة لا يكون إلاّ للأولياء الأصفياء ، ولا يعني به الأمور الدنياوية ، فإذا قد صحّ لعلي عليه السلام الأمور الدينية كلّها ، وذلك لا يصحّ إلاّ لنبي أو إمام ، وإذا لم يكن نبيّا لابدّ أن يكون إماما .
ص: 287
ص: 288
ص: 289
ص: 290
زاذان عن سلمان الفارسي في خبر طويل : إنّ جاثليقا جاء في نفر من النصارى إلى أبي بكر ، وسأله مسائل عجز عنها أبو بكر ، فقال عمر : كفّ أيّها النصراني عن هذا العنت ، وإلاّ أبحنا دمك ، قال الجاثليق : أهذا عدل على من جاء مسترشدا طالبا ، دلّوني على من أسأله عمّا أحتاج إليه .
فجاء علي عليه السلام واستسأله ، فقال النصراني : أسألك عمّا سألت عنه هذا الشيخ : خبّرني أمؤمن أنت عند اللّه أم عند نفسك ؟
فقال عليه السلام : أنا مؤمن عند اللّه ، كما أنا مؤمن في عقيدتي .
قال : خبّرني عن منزلتك في الجنّة ما هي ؟ قال : منزلتي مع النبي الأمّي في الفردوس الأعلى ، لا ارتاب بذلك ، ولا أشكّ في الوعد به من ربّي .
قال : فبماذا عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها ؟ قال : بالكتاب المنزل ، وصدق النبي المرسل .
قال : فبما عرفت صدق نبيك ؟ قال : بالآيات الباهرات ، والمعجزات البينات .
قال : فخبّرني عن اللّه - تعالى - أين هو ؟ قال : إنّ اللّه - تعالى - يجلّ عن الأين ، ويتعالى عن المكان ، كان فيما لم يزل ولا مكان ، وهو اليوم كذلك ، ولم يتغيّر من حال إلى حال .
ص: 291
قال : فخبّرني عنه - تعالى - أمدرك بالحواس فيسلك المسترشد في طلبه الحواس ، أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن كذلك ؟
قال : تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار ، أو تدركه ، أو يقاس بالناس ، والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول ، الدالة لذوي الإعتبار بما هو منها مشهود ومعقول .
قال : فخبّرني عمّا قال نبيكم في المسيح ، وأنّه مخلوق ؟
فقال : أثبت له الخلق بالتدبير الذي لزمه ، والتصوير ، والتغيير من حال إلى حال ، والزيادة التي لا ينفك منها والنقصان ، ولم أنف عنه النبوة ، ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد .
قال : فبما بنت أيّها العالم عن الرعية الناقصة عنك ؟
قال : بما أخبرتك به عن علمي بما كان وما يكون .
قال : فهلمّ شيئا من ذلك أتحقّق به دعواك ؟
قال : خرجت أيّها النصراني من مستقرّك مستنكرا لمن قصدت بسؤالك له ، مضمرا خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد ، فأريت في منامك مقامي ، وحدّثت فيه بكلامي ، وحذّرت فيه من خلافي ، وأمرت فيه بإتباعي .
قال : صدقت - واللّه - وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ، وأنّك وصي رسول اللّه ، وأحقّ الناس بمقامه ، وأسلم الذين كانوا معه .
ص: 292
فقال عمر : الحمد للّه الذي هداك أيّها الرجل ، غير أنّه يجب أن تعلم أنّ علم النبوة في أهل بيت صاحبها ، والأمر من بعده لمن خاطبته أولاً برضى الأمّة ، قال : قد عرفت ما قلت ، وأنا على يقين من أمري(1) .
وفي حديث ثابت بن الأفلح قال : ضلّت لي فرس نصف الليل ، فأتيت باب أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا وصلت الباب خرج إليّ قنبر .
فقال لي : يا بن الأفلح ، الحق فرسك ، فخذه من عوف بن طلحة السعدي .
إبراهيم بن عمر رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : لو وجدت رجلاً ثقة لبعثت معه هذا المال إلى المدائن إلى شيعته(2) .
فقال رجل في نفسه : أنا آخذه ، وآخذ طريق الكرخة ، فجاء إليه فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أذهب بهذا المال إلى المدائن .
قال : فرفع رأسه ، فقال : إياك عنّي ، تأخذ طريق الكرخة(3) .
ص: 293
غريب الحديث والفائق : أنّ عليا عليه السلام قال : أكثروا الطواف بهذا البيت ، فكأنّي برجل من الحبشة أصلع(1) أصمع(2) جالس عليه وهو يهدم(3) .
صاحب الحلية عن الحارث بن سويد قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : حجّوا قبل أن لا تحجّوا ، فكأنّي انظر إلى حبشي أصمع أقرع بيده معول يهدمها حجرا حجرا(4) .
عبد الرزاق عن أبيه عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف قال : سمع علي عليه السلام ضوضاء في عسكره ، فقال : ما هذا ؟
فقيل : قتل معاوية .
فقال : كلا وربّ الكعبة ، لا يقتل حتى تجتمع عليه الأمّة .
قالوا له : يا أمير المؤمنين ، فلم نقاتله ؟
ص: 294
قال : ألتمس العذر بيني وبين اللّه (1) .
النضر بن شميل عن عوف عن مروان الأصفر قال : قدم راكب من الشام وعلي عليه السلام بالكوفة ، فنعى معاوية ، فأدخل على علي عليه السلام ، فقال له علي عليه السلام : أنت شهدت موته ؟ قال : نعم ، وحثوته عليه . قال : إنّه كاذب .
قيل : وما يدريك يا أمير المؤمنين أنّه كاذب ؟ قال : إنّه لا يموت حتى يعمل كذا وكذا ، أعمالاً عملها في سلطانه .
فقيل له : فلم تقاتله وأنت تعلم هذا ؟ قال : للحجّة(2) .
المحاضرات عن الراغب : أنّه قال عليه السلام : لا يموت ابن هند حتى يعلّق الصليب في عنقه .
وقد رواه الأحنف بن قيس ، وابن شهاب الزهري ، والأعثم الكوفي ، وأبو حيّان التوحيدي ، وأبو الثلاج في جماعة : فكان كما قال(3) .
ص: 295
عمار [ و ] ابن عباس : أنّه لمّا صعد علي عليه السلام المنبر قال لنا : قوموا فتخلّلوا
الصفوف ونادوا : هل من كاره ، فتصارخ الناس من كلّ جانب : اللّهم قد رضينا وأسلمنا ، وأطعنا رسولك وابن عمّه .
فقال : يا عمار ، قم إلى بيت المال فاعط الناس ثلاثة دنانير لكلّ انسان ، وارفع لي ثلاثة دنانير .
فمضى عمار وأبو الهيثم مع جماعة من المسلمين إلى بيت المال ، ومضى أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد « قبا » يصلّي فيه ، فوجدوا فيه ثلاثمائة ألف دينار ، ووجدوا الناس مائة ألف ، فقال عمار : جاء - واللّه - الحقّ من ربّكم ، واللّه ما علم بالمال ولا بالناس ، وإنّ هذه لآية وجبت عليكم بها طاعة هذا الرجل .
فأبى طلحة والزبير وعقيل(1) ! أن يقبلوها . . القصّة .
ونقلت المرجئة والناصبة عن أبي الجهم العدوي - وكان معاديا لعلي عليه السلام - قال :
ص: 296
خرجت بكتاب عثمان - والمصريّون قد نزلوا بذي خشر(1) - إلى معاوية ، وقد طويته طيّا لطيفا ، وجعلته في قراب سيفي ، وقد تنكّبت عن الطريق ، وتوخّيت سواد الليل حتى كنت بجانب الجرف ، إذا رجل على حمار مستقبلي ، ومعه رجلان يمشيان أمامه ، فإذا هو علي بن أبي طالب قد أتى من ناحية البدو ، فأثبتني ، ولم أثبته حتى سمعت كلامه ، فقال : أين تريد يا صخر ؟
قلت : البدو ، فادع الصحابة ، قال : فما هذا الذي في قراب سيفك ؟
قلت : لا تدع مزاحك أبدا ، ثم جزته(2) .
الأصبغ بن نباتة قال : أتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال : إنّي أحبّك في السرّ كما أحبّك في العلانية ، قال : فنكت أمير المؤمنين عليه السلامبعود كان في يده في الأرض ساعة ، ثم رفع رأسه فقال : كذبت واللّه .
ثم أتاه رجل آخر ، فقال : إنّي أحبّك ، فنكت بعود في الأرض طويلاً ، ثم رفع رأسه ، فقال : صدقت ، إنّ طينتنا طينة مرحومة أخذ اللّه ميثاقها يوم أخذ الميثاق ، فلا يشذّ منها شاذّ ، ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة(3) .
ص: 297
وقال أبو جعفر عليه السلام : إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق(1) .
علي بن النعمان ومحمد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر طويل : أنّه أنفذت عائشة رجلاً شديد العداوة لعلي عليه السلام بكتاب إليه ، فقال أبو عبد اللّه : فمضى فاستقبله راكبا ، قال : فناوله الكتاب ، ففضّ خاتمه ، ثم قرأه ، قال : تبلغ إلى منزلنا ، فتصيب من طعامنا وشرابنا ، ونكتب جواب كتابك ، قال : هذا - واللّه - لا يكون .
فثنى رجله فنزل ، وأحدق به أصحابه ، ثم قال له : أسألك ؟ قال : نعم ، قال : وتجيبني ؟ قال : نعم ، قال : ناشدتك اللّه ، أقالت : إلتمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل ، فأُتيت بك ، فقالت لك : ما بلغت من عداوتك لهذا الرجل ؟ فقلت : كثيرا ، ما أتمنّى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي ، وأنّي ضربته ضربة بالسيف يشقّ السيف الدم ؟ فقال : اللّهم نعم .
قال : فأنشدك اللّه ، أقالت : فاذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعنا كان أو مقيما ، أما إنّك إن رأيته ظاعنا رأيته راكبا بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، منتكبا قوسا ، معلّقا كنانته بقربوس سرجه ، أصحابه خلفه كأنّهم طير صواف ؟
ص: 298
قال : اللّهم نعم .
قال : فأنشدك اللّه ، هل قالت لك : إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تنالن منه شيئا ، فإنّ فيه السحر ؟ قال : اللّهم نعم .
قال : فمبلغ عنّي ؟ قال : اللّهم نعم ، فإنّي قد أتيتك وما في الأرض خلق أبغض إليّ منك ، وأنا الساعة ما في الأرض خلق أحبّ إليّ منك ، فمرني بما شئت .
فقال : ادفع كتابي هذا ، وقل لها : ما أطعت اللّه ورسوله حيث أمرك اللّه بلزوم بيتك . . الخبر .
قال : فبلّغ الرجل رسالته ، ثم رجع إلى أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
الأصبغ قال : صلّينا مع أمير المؤمنين عليه السلام الغداة ، فإذا رجل عليه ثياب السفر قد أقبل ، فقال : من أين ؟ قال : من الشام ، قال : ما أقدمك ؟ قال : لي حاجة ، قال : أخبرني وإلاّ أخبرتك بقضيتك ، قال : أخبرني بها يا أمير المؤمنين .
قال : نادى معاوية يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا : من يقتل عليا فله عشرة آلاف دينار ، فوثب فلان وقال : أنا ، قال : أنت .
ص: 299
فلمّا انصرف إلى منزله ندم وقال : أسير إلى ابن عمّ رسول اللّه وأبي ولديه فأقتله .
ثم نادى مناديه يوم الثاني : من يقتل عليا فله عشرون ألف دينار ، فوثب آخر ، فقال : أنا ، فقال : أنت ، ثم إنّه ندم واستقال معاوية ما قاله .
ثم نادى مناديه اليوم الثالث : من يقتل عليا فله ثلاثون ألف دينار ، فوثبت أنت ، وأنت رجل من حمير ، قال : صدقت ، قال : فما رأيك ، تمضي إلى ما أمرت به أو ماذا ؟ قال : لا ، ولكن انصرف ، قال : يا قنبر ، أصلح له راحلته ، وهيئ له زاده ، واعطه نفقته .
إسحاق بن حسان بإسناده عن الأصبغ قال : أمرنا أمير المؤمنين عليه السلام بالمسير من الكوفة إلى المدائن ، فسرنا يوم الأحد ، وتخلّف عنّا عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وجرير بن عبد اللّه البجلي مع خمسة نفر ، فخرجوا إلى مكان بالحيرة يقال له « الخورنق والسدير » ، وقالوا : إذا كان يوم الجمعة لحقنا عليا قبل أن يجمع الناس ، فصلّينا معه .
فبينا هم جلوس ، وهم يتغدّون إذ خرج عليهم ضبّ ، فاصطادوه ، فأخذه عمرو بن حريث ، فبسط كفّه فقال : بايعوا هذا أمير المؤمنين ! فبايعه الثمانية ، ثم أفلتوه وارتحلوا ، وقالوا : إنّ علي بن أبي طالب يزعم أنّه يعلم الغيب ، فقد خلعناه وبايعنا مكانه ضبّا .
ص: 300
فقدموا المدائن يوم الجمعة ، فدخلوا المسجد وأمير المؤمنين عليه السلاميخطب على المنبر ، فقال عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أسرّ إليّ حديثا كثيرا في كلّ حديث باب يفتح كلّ باب ألف باب ، إنّ اللّه - تعالى - يقول في كتابه العزيز : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » ، وأنا أقسم باللّه ليبعثن يوم
القيامة ثمانية نفر من هذه الأمّة إمامهم ضبّ ، ولو شئت أن أسمّيهم لفعلت .
فتغيّرت ألوانهم ، وارتعدت فرائصهم ، وكان عمرو بن حريث ينتفض كما تنتفض السعفة جبنا وفرقا(1) .
عبد اللّه بن أبي رافع قال : حضرت أمير المؤمنين عليه السلام وقد وجّه أبا موسى الأشعري وقال له : احكم بكتاب اللّه ولا تجاوزه ، فلمّا أدبر ، قال : كأنّي به وقد خدع .
قلت : يا أمير المؤمنين ، فلم توجّهه وأنت تعلم أنّه مخدوع ! فقال : يا بني ، لو عمل اللّه في خلقه بعلمه ما احتجّ عليهم بالرسل(2) .
مسند العشرة عن أحمد بن حنبل : أنّه قال أبو الوصي غياثا : كنّا
ص: 301
عامدين إلى الكوفة مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فلمّا بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاث من حروراء شذّ منّا أناس كثير ، فذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : لا يهولنّكم أمرهم ، فإنّهم سيرجعون ، فكان كما قال(1) .
قال عليه السلام لطلحة والزبير ، وقد استأذناه في الخروج إلى العمرة : واللّه ، ما تريدان العمرة ، وإنّما تريدان البصرة(2) .
وفي رواية : إنّما تريدان الفتنة(3) .
وقال عليه السلام : لقد دخلا بوجه فاجر ، وخرجا بوجه غادر ، ولا ألقاهما إلاّ في كتيبة ، وأخلق بهما أن يقتلا .
وفي رواية أبي الهيثم بن التيهان وعبد اللّه بن رافع : ولقد أنبئت بأمركما ، وأريت مصارعكما ، فانطلقا ، وهو يقول وهما يسمعان : « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ »(4) .
وقالت صفيّة بنت الحرث الثقفية - زوجة عبد اللّه بن خلف الخزاعي -
ص: 302
لعلي عليه السلام يوم الجمل بعد الوقعة : يا قاتل الأحبّة ، يا مفرّق الجماعة ، فقال عليه السلام : إنّي لا ألومك أن تبغضيني - يا صفيّة - وقد قتلت جدّك يوم بدر ، وعمّك يوم أحد ، وزوجك الآن ، ولو كنت قاتل الأحبّة لقتلت من في هذه البيوت .
ففتّش ، فكان فيها مروان وعبد اللّه بن الزبير(1) .
الأعمش بروايته عن رجل من همدان قال : كنّا مع علي عليه السلام بصفين ، فهزم أهل الشام ميمنة العراق ، فهتف بهم الأشتر ليتراجعوا ، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأهل الشام : يا أبا مسلم خذهم ، ثلاث مرات .
فقال الأشتر : أوليس أبو مسلم معهم ! قال : لست أريد الخولاني ، وإنّما أريد رجلاً يخرج في آخر الزمان من المشرق يهلك اللّه به أهل الشام ، ويسلب عن بني أمية ملكهم .
قال الحميري :
نادى علي فوافا فوق منبره
أسمع الناس أنّي سيد الشيب
وإنّ فيّ وخير القول أصدقه
لسنّة من نبي اللّه أيوب
واللّه لي جامع شملي كما جمعت
كفّاه بعد شتات شمل يعقوب
ص: 303
واللّه لي واهب من فضل رحمته
ما ليس إلاّ لذي وحي بموهوب
واللّه منبعث من عترتي رجلاً
يفنى أمية وعدا غير مكذوب
هذا حديث عجيب عن أبي حسن
يروى وقد كان يأتي بالأعاجيب
* * *
وروي عن الحسن بن علي عليه السلام في خبر : أنّ الأشعث بن قيس الكندي بنى في داره مئذنة ، فكان يرقى إليها إذا سمع الأذان في أوقات الصلوات في مسجد جامع الكوفة ، فيصيح من على مئذنته : يا رجل ، إنّك لكاذب ساحر ، وكان أبي يسمّيه عنق النار(1) .
وفي رواية : عرف النار(2) .
فيسأل عن ذلك ، فقال : إنّ الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدودة من السماء فتحرقه ، فلا يدفن إلاّ وهو فحمة سوداء .
فلمّا توفي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه ، كالعنق الممدود ، حتى أحرقته ، وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور .
ص: 304
ابن بطّة في الإبانة وأبو داود في السنن عن أبي مجالد في خبر : أنّه عليه السلام قال في الخوارج مخاطبا لأصحابه : واللّه لا يقتل منكم عشرة .
وفي رواية : ولا ينفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منّا عشرة(1) .
فقتل من أصحابه تسعة ، وإنفلت منهم تسعة ، إثنان إلى سجستان ، وإثنان إلى عمان ، وإثنان إلى بلاد الجزيرة ، وإثنان إلى اليمن ، وواحد إلى موزن ، والخوارج من هذه المواضع منهم(2) .
وقال الأعثم : المقتولون من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام : رويبة بن وبر العجلي ، وسعد بن خالد السبيعي ، وعبد اللّه بن حماد الأرحبي ، والفياض بن خليل الأزدي ، وكيسوم بن سلمة الجهني ، وعبيد بن عبيد الخولاني ، وجميع بن جشم الكندي ، وضبّ بن عاصم الأسدي(3) .
قال أبو الجوائز الكاتب : حدّثنا علي بن عثمان قال : حدّثنا المظفر بن الحسن الواسطي السلال قال : حدّثنا الحسن بن ذكردان - وكان ابن ثلاثمائة وخمس وعشرين سنة - قال :
ص: 305
رأيت عليا عليه السلام في النوم ، وأنا في بلدي ، فخرجت إليه إلى المدينة ، فأسلمت على يده ، وسمّاني « الحسن » ، وسمعت منه أحاديث كثيرة ، وشهدت معه مشاهده كلّها ، فقلت له يوما من الأيام : يا أمير المؤمنين ، ادع اللّه لي ، فقال : يا فارسي ، إنّك ستعمّر ، وتحمل إلى مدينة يبنيها رجل من بني عمّي العباس تسمّى في ذلك الزمان « بغداد » ، ولا تصل إليها ، تموت بموضع يقال له « المدائن » .
فكان كما قال عليه السلام ليلة دخل المدائن مات .
مسعدة بن اليسع عن الصادق عليه السلام في خبر : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ بأرض بغداد ، فقال : ما تدعى هذه الأرض ؟ قالوا : بغداد ، قال : نعم ، يبني هاهنا مدينة ، وذكر وصفها .
ويقال : أنّه وقع من يده سوط ، فسأل عن أرضها ، فقالوا : « بغداد » ، فأخبر أنّه يبنى ثمّ مسجد يقال له « مسجد السوط » .
وفي تاريخ بغداد : أنّه قال المفيد أبو بكر الجرجاني : أنّه قال : ولد أبو الدنيا في أيام أبي بكر ، وأنّه قال : إنّي خرجت مع أبي للقاء أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا صرنا قريبا من الكوفة عطشنا عطشا شديدا ، فقلت لوالدي : اجلس حتى أدور لك الصحراء ، فلعلّي أقدر على ماء .
فقصدت إليه ، فإذا أنا ببئر شبه الركية أو الوادي ، فاغتسلت منه ، وشربت منه حتى رويت ، ثم جئت إلى أبي فقلت : قم ، فقد فرّج اللّه عنّا ،
ص: 306
وهذه عين ماء قريب منّا ، ومضينا فلم نر شيئا ، فلم يزل يضطرب حتى مات ودفنته .
وجئت إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو خارج إلى صفين ، وقد أخرج له البغلة ، فجئت ومسكت له بالركاب ، والتفت إليّ ، فانكببت أقبّل الركاب ، فشجّت في وجهي شجّة - قال أبو بكر المفيد : ورأيت الشجّة في وجهه واضحة - ثم سألني عن خبري ، فأخبرته بقضيّتي ، فقال : عين لم يشرب منها أحد إلاّ وعمّر عمرا طويلاً ، فأبشر فإنّك ستعمّر ، وسمّاني بالمعمّر ، وهو الذي يدعى بالأشج(1) .
وذكر الخطيب : أنّه قدم بغداد في سنة ثلاثمائة ، وكان معه شيوخ من بلده ، فسألوا عنه ، فقالوا : هو مشهور عندنا بطول العمر ، وقد بلغني أنّه مات في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة ، ونحو ذلك ذكر شيخنا في الأمالي وفاته(2) .
الحارث الأعور وعمرو بن الحريث وأبو أيوب عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه لمّا رجع من وقعة الخوارج نزل يمنى السواد ، فقال له راهب : لا ينزل هاهنا إلاّ وصي نبي يقاتل في سبيل اللّه ، فقال علي عليه السلام : فأنا سيّد الأوصياء ،
وصيّ سيّد الأنبياء ، قال : فإذا أنت أصلع قريش ، وصيّ محمد صلى الله عليه و آله ،
ص: 307
خذ عليّ الإسلام ، فإنّي وجدت في الإنجيل نعتك ، وأنت تنزل « مسجد براثا » بيت مريم وأرض عيسى عليهماالسلام .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : فاجلس يا حباب ، قال : وهذه دلالة أخرى .
ثم قال : فأنزل - يا حباب - من هذه الصومعة ، وابن هذا الدير مسجدا ، فبنى حباب الدير مسجد ا ، ولحق أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة ، فلم يزل بها مقيما حتى قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، فعاد حباب إلى مسجده ببراثا .
وفي رواية : أنّ الراهب قال : قرأت أنّه يصلّي في هذا الموضع « إيليا » وصيّ « البارقليطا » محمد نبي الأميّين ، الخاتم لمن سبقه من أنبياء اللّه ورسله - في كلام كثير - . . فمن أدركه فليتبع النور الذي جاء به ، ألا وأنّه تغرس في آخر الأيام بهذه البقعة شجرة لا يفسد ثمرها .
وفي رواية زاذان : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ومن أين شربك ؟ قال : من دجلة ، قال : ولم لم تحفر عينا تشرب منها ؟ قال : قد حفرتها وخرجت مالحة ، قال : فاحتفر الآن بئرا أخرى .
فاحتفر فخرج ماؤها عذبا ، فقال : يا حباب ، ليكن شربك من هاهنا ، ولا يزال هذا المسجد معمورا ، فإذا خرّبوه ، وقطعوا نخله حلّت بهم - أو قال : بالناس - داهية .
وفي رواية محمد بن القيس : فأتى أمير المؤمنين عليه السلام موضعا من تلك الملبّة(1) ، فركلها برجله ، فانبجست عين خرارة ، فقال : هذه عين مريم عليهاالسلام .
ص: 308
ثم قال : فاحتفروا هاهنا سبعة عشر ذراعا ، فاحتفروا ، فإذا صخرة بيضاء ، فقال : هاهنا وضعت مريم عيسى عليهماالسلام من عاتقها ، وصلّت هاهنا .
فنصب أمير المؤمنين عليه السلام الصخرة ، وصلّى إليها ، وأقام هناك أربعة أيام .
وفي رواية الباقر عليه السلام : قال : هذه عين مريم التي انبعث لها ، واكشفوا هاهنا سبعة عشر ذراعا ، فكشف ، فإذا صخرة بيضاء(1) . . الخبر .
وفي رواية : هذا الموضع المقدّس صلّى فيه الأنبياء(2) .
وقال أبو جعفر عليه السلام : ولقد وجدنا أنّه صلّى فيه [ إبراهيم عليه السلام ] قبل عيسى(3) .
ورواية أُخرى : صلّى فيه الخليل(4) .
وروي : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صاح ، فقال : يا بئر - بالعبراني - أقرب إليّ ، فلمّا عبر إلى المسجد ، وكان فيه عوسج وشوك عظيم ، فانتضى سيفه وكسح ذلك كلّه ، وقال : إنّ هاهنا قبر نبي من أنبياء اللّه ، وأمر الشمس أن إرجعي ، فرجعت ، وكان معه ثلاثة عشر رجلاً من أصحابه ، فأقام القبلة بخطّ الإستواء ، وصلّى إليها .
وقال العوني :
وقلت براثا كان بيتا لمريم
وذاك ضعيف في الأسانيد أعوج
ولكنّه بيت لعيسى بن مريم
وللأنبياء الزهر مثوى ومدرج
ص: 309
وللأوصياء الطاهرين مقامهم
على غابر الأيام والحقّ أبلج
بسبعين موصى بعد سبعين مرسل
جباههم فيها سجودا تشجّج
وآخرهم فيها صلاة إمامنا
علي بذا جاء الحديث المنهّج
* * *
وفي رواية : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : يا وشا ، ادن منّي ، قال : فدنوت منه ، فقال : امض إلى محلّتكم ستجد على باب المسجد رجلاً وامرأة يتنازعان ، فائتني بهما .
قال : فمضيت ، فوجدتهما يختصمان ، فقلت : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يدعوكما ، فسرنا حتى دخلنا عليه ، فقال : يا فتى ما شأنك وهذه الإمرأة ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، إنّي تزوّجتها وأمهرت وأملكت وزففت ، فلمّا قربت منها رأت الدم ، وقد حرت في أمري ! فقال عليه السلام : هي عليك حرام ، ولست لها بأهل .
فماج الناس في ذلك ، فقال لها : هل تعرفيني ؟ فقالت : سماع اسمع بذكرك ولم أرك ، فقال : ما أنت فلانة بنت فلان من آل فلان ؟ فقالت : بلى واللّه ، فقال : ألم تتزوّجين بفلان بن فلان متعة سرّا من أهلك ؟ ألم تحملي منه حملاً ، ثم وضعتيه غلاما ذكرا سويّا ، ثم خشيت قومك وأهلك ، فأخذتيه وخرجت ليلاً حتى إذا صرت في موضع خال وضعتيه على الأرض ، ثم وقفت مقابلته ، فحننت عليه ، فعدت أخذتيه ، ثم عدت طرحتيه حتى
ص: 310
بكى خشيت الفضيحة ، فجاءت الكلاب ، فأنبحت عليك فخفت فهرولت ، فانفرد من الكلاب كلب ، فجاء إلى ولدك فشمّه ، ثم نهشه لأجل رائحة الزهوكة(1) ، فرميت الكلب إشفاقا فشججتيه ، فصاح فخشيت أن يدركك الصباح فيشعر بك ، فوليت منصرفة ، وفي قلبك من البلابل ، فرفعت يديك نحو السماء وقلت : اللّهم احفظه يا حافظ الودائع ؟
قالت : بلى - واللّه - كان هذا جميعه ، وقد تحيّرت في مقالتك ، فقال : هاؤم الرجل ، فجاء ، فقال : اكشف عن جبينك ، فكشف ، فقال للمرأة : هاء الشجّة في قرن ولدك ، وهذا الولد ولدك ، واللّه - تعالى - منعه من وطيك بما أراه منك من الآية التي صدّته ، واللّه قد حفظ عليك كما سألتيه ، فاشكري للّه على ما أولاك وحباك .
الحارث الأعور وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن يزيد ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، وعيسى بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ودخل بعض الخبر في بعض :
إنّ عليا عليه السلام كان يدور في أسواق الكوفة ، فلعنته إمرأة ثلاث مرات ، فقال : يا سلقلقية ، كم قتلت من أهلك ؟ قالت : سبعة عشر ، أو ثمانية عشر .
ص: 311
فلمّا انصرفت قالت لأمّها ذلك ، فقالت : السلقلقية من ولدت بعد حيض ، ولا يكون لها نسل ، فقالت : يا أمّاه أنت هكذا ؟
قالت : بلى(1) . . الخبر .
وفي رواية عن الباقر عليه السلام : إنّها قالت - وقد حكم عليها - : ما قضيت بالسويّة ، ولا تعدل في الرعيّة ، ولأقضينّك عند اللّه بالمرضيّة ، فنظر إليها ، ثم قال : يا خزيّة ، يا بذيّة ، يا سلفع(2) ، أو يا سلسع ، فولّت تولول وهي
تقول : وا ويلي ، لقد هتكت - يا بن أبي طالب - سترا كان مستورا(3) .
وفي خصائص النطنزي : قال علي عليه السلام : اللّه أكبر .
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يبغضك من قريش إلاّ سفحي ، ولا من الأنصار إلاّ يهودي ، ولا من العرب إلاّ دعي ، ولا من سائر الناس إلاّ شقي ، ولا من النساء إلاّ سلقلقية .
فقالت المرأة : وما السلقلقية ؟ قال : التي تحيض من دبرها(4) .
فقالت المرأة : صدق اللّه ورسوله ، أخبرتني بشيء هو فيّ - يا علي - لا أعود إلى بغضك أبدا ، فقال : اللّهم إن كانت صادقة ، فحوّل طمثها حيث النساء طمثت ، فحوّل اللّه طمثها .
ص: 312
وقال الحارث الأعور : فتبعها عمرو بن حريث ، وسألها عن مقاله فيها ، فصدّقته ، فقال عمرو : أتراه ساحرا أو كاهنا أو مجذوما ؟ قالت : بئس ما قلت يا عبد اللّه ، لكنّه من أهل بيت النبوة .
فأقبل ابن حريث إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخبره بمقالها ، فقال عليه السلام : لقد كانت المرأة أحسن قولاً منك(1) .
قال ابن حماد :
ولقد قضى فيما رووه قضية
فيها عجائب مثلها لا يسمع
جاءته امرأة تخاصم بعلها
فقضى عليها بالذي هو أورع
قالت قضيت بغير حقّ قال لا
يا سلقع يا مهيع يا قردع(2)
فهناك ولّت لا تلبّث فانثنىفي إثرها رجس لئيم يتبع
قال انظري أترين سحرا عندهقالت له مهلاً فخدّك أضرع
بل ذاك علم رسالة ونبوةومضت وعاد وقلبه متلذّع
قال الإمام له أسأت وأحسنتفينا وكلّ حاصد ما يزرع
* * *
وقال له عليه السلام حذيفة بن اليمان في زمن عثمان : إنّي - واللّه - ما فهمت قولك ، ولا عرفت تأويله حتى بلغت ليلتي ، أتذكر ما قلت لي بالحرّة ،
ص: 313
وإنّي مقيل : كيف أنت يا حذيفة إذا ظلمت العيون العين ، والنبي صلى الله عليه و آله بين أظهرنا ، ولم أعرف تأويل كلامك إلاّ البارحة ، رأيت عتيقا ثم عمر تقدّما عليك ، وأوّل اسمهما عين ، فقال : يا حذيفة نسيت عبد الرحمن حيث مال بها إلى عثمان .
وفي رواية : وسيضمّ إليهم عمرو بن العاص مع معاوية ابن آكلة الأكباد ، فهؤلاء العيون المجتمعة على ظلمي(1) .
وروى زيد وصعصعة ابنا صوحان ، والبراء بن سبرة ، والأصبغ بن نباتة ، وجابر بن شرحبيل ، ومحمود بن الكواء :
أنّه ذكر بدير الديلم من أرض فارس لأسقف ، وقد أتت عليه عشرون ومائة سنة : أنّ رجلاً قد فسّر الناقوس - يعنون عليا عليه السلام - فقال : سيروا بي إليه ، فإنّي أجده أنزع بطينا .
فلمّا وافى أمير المؤمنين عليه السلام قال : قد عرفت صفته في الإنجيل ، وأنا أشهد أنّه وصيّ ابن عمّه ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : جئت لتؤمن ، أزيدك رغبة في إيمانك ؟ قال : نعم ، قال : إنزع مدرعتك ، فأر أصحابك الشامة التي بين كتفيك ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، وشهق شهقة فمات .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : عاش في الإسلام قليلاً ، ونعم في جوار اللّه كثيرا .
ص: 314
ابن عباس أنّه قال عليه السلام يوم الجمل : لنظهرنّ على هذه الفرقة ، ولنقتلنّ هذين الرجلين(1) .
وفي رواية : لنفتحنّ البصرة ، وليأتينكم اليوم من الكوفة ثمانية آلاف رجل وبضع وثلاثون رجلاً ، فكان كما قال(2) .
وفي رواية : ستة آلاف وخمسة وستّون .
ومن حديث ابن عباس في سبب مجيء أويس القرني في صفين(3) .
أصحاب التفسير عن جندب بن عبد اللّه الأزدي :
لمّا نزل أمير المؤمنين عليه السلام النهروان ، فانتهينا إلى عسكر القوم ، فإذا لهم دويّ كدويّ النحل من قراءة القرآن ، وفيهم أصحاب البرانس ، فلمّا أن رأيتهم دخلني من ذلك ، فتنحيت وقمت أصلّي ، وأنا أقول : اللّهم إن كان
ص: 315
قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن فيه ، وإن كان ذلك معصية فأرني ذلك ، فأنا في ذلك إذ أقبل عليّ ، فلمّا حاذاني قال : نعوذ باللّه - يا جندب - من الشكّ .
ثم نزل يصلّي إذ جاءه فارس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عبر القوم وقطعوا النهر ، فقال عليه السلام : كلاّ ما عبروا .
فجاء آخر ، فقال : قد عبر القوم ، فقال : كلاّ ما فعلوا ، قال : واللّه ما جئت حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب والأثقال .
فقال عليه السلام : واللّه ما فعلوا ، وإنّه لمصرعهم ، ومهراق دمائهم - وفي رواية : لا يبلغون إلى قصر بوري بنت كسرى - ، فدفعنا إلى الصفوف ، فوجدنا الرايات والأثقال كما هي .
قال : فأخذ بقفاي ودفعني ، ثم قال : يا أخا الأزد ، ما تبيّن لك الأمر ؟ فقلت : أجل يا أمير المؤمنين(1) .
سفيان بن عيينة عن طاووس اليماني أنّه قال عليه السلام لحجر البدري : يا حجر ، كيف بك إذا أوقفت على منبر صنعاء ، وأمرت بسبّي والبراءة منّي ؟
قال : فقلت : أعوذ باللّه من ذلك .
ص: 316
قال : واللّه إنّه كائن ، فإذا كان ذلك فسبّني ، ولا تتبرّأ منّي ، فإنّه من تبرّأ منّي في الدنيا برأت منه في الآخرة(1) .
قال طاووس : فأخذه الحجاج على أن يسبّ عليا عليه السلام ، فصعد المنبر وقال : أيّها الناس إنّ أميركم هذا أمرني أن ألعن عليا ، ألا فالعنوه ، لعنه اللّه (2) .
أمثال أبي عبد اللّه : أنّه أثنى عليه رجل متّهم ، فقال : إنّا دون ما تقول ،
وفوق ما تظنّ في نفسك(3) .
ص: 317
قال الناشي :
له في كلّ وجه سمة
تنبئ عن العقد
فتسقي الرجس بالغي
وتحظي البرّ بالرشد
* * *
ص: 318
ص: 319
ص: 320
الأصبغ بن نباتة قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا وقف الرجل بين يديه قال : يا فلان ، إستعدّ وأعدّ لنفسك ما تريد ، فإنّك تمرض في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا في ساعة كذا وكذا ، فيكون كما قال(1) .
وكان عليه السلام قد علم رشيد الهجري من ذلك ، فكانوا يلقّبونه رشيد البلايا(2) .
وأخبر عن قتل الحسين(3) عليه السلام .
فضل بن الزبير عن أبي الحكم عن مشيخته : إنّ أمير المؤمنين عليه السلامقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، قال رجل : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من
ص: 321
طاقة شعر ؟ قال عليه السلام : إنّ على كلّ طاقة في رأسك ملك يلعنك ، وعلى كلّ طاقة من لحيتك شيطان يستفزّك ، وإنّ في بيتك لسخلاً يقتل ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وآية ذلك مصداق ما أخبرتك به ، ولولا أنّ الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به .
وكان ابنه عمر - يومئذٍ - صبيّا حابيا(1)، وكان قتل الحسين عليه السلام على يده(2).
ومستفيض في أهل العلم عن الأعمش وابن محبوب عن الثمالي والسبيعي كلّهم عن سويد بن غفلة ، وقد ذكره أبو الفرج الأصفهاني في أخبار الحسن :
أنّه قيل لأمير المؤمنين عليه السلام عن خالد بن عرفطة : قد مات ، فقال عليه السلام : إنّه لم يمت ، ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن جماز .
فقام رجل من تحت المنبر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، واللّه إنّي لك شيعة ، وإنّي لك لمحبّ ، وأنا حبيب بن جماز .
قال : إيّاك أن تحملها ، ولتحملنّها ، فتدخل بها من هذا الباب ، وأومى ء بيده إلى باب الفيل .
ص: 322
فلمّا كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان ، وتوجّه عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى قتاله كان خالد بن عرفطة على مقدّمته ، وحبيب بن جماز صاحب رايته ، فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل(1) .
أبو حفص عمر بن محمد الزيات في خبر : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للمسيب بن نجية : يأتيكم راكب الدغيلة(2) يشدّ حقوها بوضينها(3) لم يقض تفثا من حجّ ولا عمرة ، فيقتلوه ، يريد الحسين(4) عليه السلام .
وقال عليه السلام يخاطب أهل الكوفة : كيف أنتم إذا نزل بكم ذريّة رسولكم ، فعمدتم إليه فقتلتموه ، قالوا : معاذ اللّه ، لئن أتانا اللّه في ذلك لنبلونّ عذرا ، فقال :
هم أوردوه في الغرور وغرّروا
أرادوا نجاة لا نجاة ولا عذر
ص: 323
إسماعيل بن صبيح عن يحيى بن مساور العابد عن إسماعيل بن زياد قال : إنّ عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب : يا براء ، يقتل ابني الحسين وأنت حيّ لا تنصره .
فلمّا قتل الحسين عليه السلام كان البراء يقول : صدق - واللّه - أمير المؤمنين عليه السلام ، وجعل يتلهف(1) .
مسند الموصلي : روى عبد اللّه بن يحيى عن أبيه : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا حاذى نينوى - وهو منطلق إلى صفين - نادى : إصبر أبا عبد اللّه بشطّ الفرات .
فقلت : وماذا ؟ فذكر مصرع الحسين عليه السلامبالطف(2) .
جويرية بن مسهر العبدي : لمّا رحل علي عليه السلام إلى صفين وقف بطفوف كربلاء ، ونظر يمينا وشمالاً واستعبر ، ثم قال : واللّه ، ينزلون هاهنا ، فلم يعرفوا تأويله إلاّ وقت قتل الحسين(3) عليه السلام .
ص: 324
الشافي في الأنساب : قال بعض أصحابه : فطلبت ما أعلّم به الموضع ، فما وجدت غير عظم جمل ، قال : فرميته في الموضع ، فلمّا قتل الحسين عليه السلام وجدت العظم في مصارع أصحابه .
وأخبر عليه السلام بقتل نفسه .
روى الشاذكوني عن حماد عن يحيى عن ابن عتيق عن ابن سيرين قال : إن كان أحد يعرف أجله فعلي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
الصادق عليه السلام : إنّ عليا عليه السلام أمر أن يكتب له من يدخل الكوفة ، فكتب له أناس ، ورفعت أسماؤهم في صحيفة ، فقرأها ، فلمّا مرّ على اسم ابن ملجم وضع إصبعه على اسمه ، ثم قال : قاتلك اللّه ، قاتلك اللّه .
ولمّا قيل له : إذا علمت أنّه يقتلك فلم لا تقتله ؟ فيقول : إنّ اللّه - تعالى - لا يعذّب العبد حتى تقع منه المعصية ، وتارة يقول : فمن يقتلني(2) ؟
الأصبغ بن نباتة : إنّه خطب عليه السلام في الشهر الذي قتل فيه ، فقال : أتاكم شهر رمضان، وهو سيّد الشهور ، وأوّل السنة، وفيه تدور رحى الشيطان(3)، ألا وإنّكم حاجّوا العام صفّا واحدا ، وآية ذلك أن لست فيكم(4) .
ص: 325
الصفواني في الإحن والمحن قال الأصبغ : سمعت عليا عليه السلام قبل أن يقتل بجمعة يقول : ألا من كان هاهنا من بني عبد المطلب فليدن منّي ، لا تقتلوا غير قاتلي ، ألا لا ألفينكم غدا تحيطون الناس بأسيافكم تقولون : قتل أمير المؤمنين(1) .
عثمان بن المغيرة : أنّه لمّا دخل شهر رمضان كان عليه السلام يتعشّى ليلة عند الحسن عليه السلام ، وليلة عند الحسين عليه السلام ، وليلة عند عبد اللّه بن عباس
- والأصحّ عند عبد اللّه بن جعفر - وكان لا يزيد على ثلاث لقم .
فقيل له في ذلك ، فقال : يأتيني أمر ربّي وأنا خميص(2) ، إنّما هي ليلة أو ليلتان ، فأصيب في تلك الليلة(3) .
وكذلك أخبر عليه السلام بقتل جماعة .
منهم : حجر بن عدي ، ورشيد الهجري ، وكميل بن زياد ، وميثم التمّار ، ومحمد بن أكثم ، وخالد بن مسعود ، وحبيب بن المظاهر ، وجويرية ، وعمرو بن الحمق ، وقنبر ، ومذرع ، وغيرهم ، ووصف قاتليهم ، وكيفية قتلهم على ما يجيء بيانه إن شاء اللّه .
ص: 326
عبد العزيز وصهيب عن أبي العالية قال : حدّثني مذرع بن عبد اللّه قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : أما - واللّه - ليقبلنّ جيش حتى إذا كان بالبيداء خسف بهم ، فقلت : هذا غيب .
قال : واللّه ، ليكوننّ ما خبّرني به أمير المؤمنين عليه السلام ، وليؤخذنّ رجل فليقتلنّ ، وليصلبنّ بين شرفتين من شرف هذا المسجد .
فقلت : هذا ثان ، قال : حدّثني الثّقة المأمون علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
قال أبو العالية : فما أتت علينا جمعة حتى أخذ مذرع ، وصلب بين الشرفتين(1) .
خطب بالكوفة لمّا رأى عجزهم قال : مع أيّ إمام بعدي تقاتلون ؟ وأيّ دار بعد داركم تمنعون ؟ أما أنّكم ستلقون بعدي ذلاًّ شاملاً ، وسيفا قاطعا ، وإثرة قبيحة يتّخذها الظالمون عليكم سنّة(1) .
وقال عليه السلام لأهل الكوفة : أما أنّه سيظهر عليكم رجل رحيب البلعوم ، مندحق(2) البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ، ولن تقتلوه .
ألا وإنّه سيأمركم بسبي والبراءة منّي ، فأمّا السبّ فسبوني ، وأمّا البراءة عنّي فلا تتبرؤا منّي ، فإنّي ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإسلام والهجرة(3) ، يعني معاوية .
وقال لأهل البصرة : إن كنت قد أدّيت لكم الأمانة ، ونصحت لكم بالغيب ، وأهنتموني فكذّبتموني ، فسلّط اللّه عليكم فتى ثقيف ، قال : رجل لا يدع للّه حرمة إلاّ انتهكها(4) ، يعني الحجاج .
ص: 328
وأخبر عليه السلام بخروج الترك والزنج .
رواه الرضي في نهج البلاغة : فقال عليه السلام في الترك : كأنّي أراهم قوما كأنّ وجوههم المجان(1) المطرّقة ، يلبسون الإستبرق والديباج ، ويعتقبون الخيل العتاق ، ويكون هناك استحرار(2) قتل حتى يمشي المجروح على المقتول ، ويكون المفلت أقلّ من المأسور(3) .
ثم قال في الزنج : يا أحنف ، كأنّي به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ، ولا لجب(4) ، ولا قعقعة لجم ، ولا حمحمة خيل ، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنّها أقدام النعام(5) .
وذكر محمود في الفائق قوله عليه السلام : إنّ من ورائكم أمورا متماحلة ردحا وبلاء مبلحا(6)(7) .
وذكر في خطبة اللؤلؤية : ألا وإنّي ظاعن عن قريب ، ومنطلق للمغيب ،
ص: 329
فارهبوا الفتن الأموية ، والمملكة الكسروية .
ومنها : فكم من ملاحم وبلاء متراكم تفتل(1) مملكة بني العباس بالروع واليأس ، وتبنى لهم مدينة يقال لها «الزوراء» بين دجلة ودجيل، ثم وصفها .
ثم قال : فتوالت فيها ملوك شيصان أربعة وعشرون ملكا على عدد سني الكديد ، فأوّلهم السفاح ، والمقلاص ، والجموح ، والمجروح - وفي رواية : المجذوع - والمظفّر ، والمؤنث ، والنظار ، والكبش ، والمطهور ، والمستظلم ، والمستصعب - وفي رواية : المستضعف - والعلام ، والمختطف ، والغلام ، والمترف ، والكديد ، والأكدر - وفي رواية : والأكتب - والأكلب ، والمشرف ، والوشم ، والصلم ، والعنون ، والركاز ، والعينوق ، ثم الفتنة الحمراء ، والعلادة(2) الغبراء في عقبها قائم الحقّ(3) .
وقوله عليه السلام في الخطبة الغراء : ويل لأهل الأرض ، إذا دعي على منابرهم باسم الملتجي والمستكفي .
ولم يعرف الملتجي في ألقابهم ، ولكن لمّا بيّنا صفتهم ، وجدناه الملقّب بالمتقّي الذي التجأ إلى بني حمدان ، ثم يذكر الرجل من ربيعة الذي قال : في أوّل اسمه « سين وميم » ، ويعقب برجل في اسمه « دال وقاف » ، ثم يذكر صفته وصفة ملكه .
ص: 330
وقوله عليه السلام : وإنّ منهم الغلام الأصفر الساقين اسمه أحمد .
وقوله : وينادي منادي الجرحى على القتلى ودفن الرجال ، وغلبة الهند على السند ، وغلبة القفص على السعير ، وغلبة القبط على أطراف مصر ، وغلبة أندلس على أطراف إفريقية ، وغلبة الحبشة على اليمن ، وغلبة الترك على خراسان ، وغلبة الروم على الشام ، وغلبة أهل أرمينية ، وصرخ الصارخ بالعراق : هتك الحجاب ، وافتضت العذراء ، وظهر علم اللعين الدجال ، ثم ذكر خروج القائم عليه السلام .
وذكر عليه السلام في خطبة الأقاليم ، فوصف ما يجرى في كلّ إقليم ، ثم وصف ما يجري بعد كلّ عشر سنين من موت النبي صلى الله عليه و آله إلى تمام ثلاثمائة وعشر سنين من فتح قسطنطنية، والصقالبة، والأندلس، والحبشة، والنوبة، والترك، والكرك، ومل وحيسل، وتأويل ، وتاريس ، والصين ، وأقاصي مدن الدنيا.
وقوله عليه السلام في خطبة الملاحم المعروفة بالزهراء : وإنّ من السنين سنون جواذع ، تجذع فيها أنف غطارفة وهراقلة يقتل فيها رجال ، وتسبى فيها نساء ، ويسلب فيها قوم أموالهم وأديانهم ، وتخرب وتحرق دورهم وقصورهم ، وتملك عليهم عبيدهم وأراذلهم وأبناء إمائهم ، يذهب فيها ملك ملوك الظلمة ، والقضاة الخونة .
ثم قال بعد كلام : تلك سنون عشر كوامل .
ثم قوله عليه السلام : إنّ ملك ولد بني العباس من خراسان يقبل، ومن خراسان يذهب .
وقوله في المعتصم : يدعى له في المنابر بالميم والعين والصاد ، فذلك رجل صاحب فتوح ونصر وظفر ، وهو الذي تخفق راياته بأرض الروم ، وسيفتح الحصينة من مدنها ، ويعلو العقاب الخشن من عقابها بعقب هارون وجعفر ، ويتّخذ المؤتفكة بيتا ودارا ، يبطل العرب ويتّخذ العجم - عجم الترك - أولياء وزراء .
وقوله عليه السلام : ويبطل حدود ما أنزل اللّه في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه و آله ، ويقال : رأى فلان ، وزعم فلان - يعني أبا حنيفة والشافعي وغيرهما - ويتّخذ الآراء والقياس ، وينبذ الآثار والقرآن وراء الظهور ، فعند ذلك تشرب الخمور ، وتسمّى بغير اسمها ، ويضرب عليها بالعرطبة(1)
ص: 332
والكوبة(1) والقينات والمعازف ، ويتّخذ آنية الذهب والفضّة .
وقوله عليه السلام : يشيّدون القصور والدور ، ويلبس الديباج والحرير ، ويسفر الغلمان ، فيشنّفونهم ، ويقرطقونهم(2) ، ويمنطقونهم .
وقوله عليه السلام : فيأخذ الروم ما أخذ منها وتزداد - يعني الساحل ونحوها - ، وتأخذ الترك ما أخذ منها - يعني كاشغر(3) وما وراء النهر - ، ويأخذ القفص
ما أخذ منها - يعني تفليس ونحوها - ، ويأخذ القلقل ما أخذ منها .
ثم يورد فيها من العجائب ، ويسمّي مدينة مدينة ، ويلغز ببعض ، ويصرّح ببعض ، حتى يقول : الويل لأهل البصرة ، إذا كان كذا وكذا ، الويل لأهل الجبال إذا كان كذا وكذا ، والويل لأهل الدينور(4) ، والويل لأهل أصفهان من جالوت عبد اللّه الحجّام ، والويل لأهل العراق ، والويل لأهل الشام ، والويل لأهل مصر ، الويل لأهل فلانة .
ثم يقول : من فراعنة الجبال فلان ، فإذا ألغز قال : في اسمه حرف كذا ، حتى ذكر العساكر التي تقتل بين حلوان والدينور ، والعساكر التي تقتل بين أبهر(5) وزنجان ، ويذكر الثائر من الديلم وطبرستان .
ص: 333
وروى ابن الأحنف عن ملوك بني أمية ، فسمّاهم خمسة عشر .
ومن خطبة له : ويل هذه الأمّة من رجالهم - الشجرة الملعونة - التي ذكرها ربكّم - تعالى - ، أوّلهم خضراء ، وآخرهم هزماء(1) ، ثم يلي بعدهم أمر أمّة محمد صلى الله عليه و آله رجال أوّلهم أرأفهم ، وثانيهم أفتكهم ، وخامسهم كبشهم ، وسابعهم أعلمهم ، وعاشرهم أكفرهم ، يقتله أخصّهم به ، وخامس عشرهم كثير العناء، قليل الغناء، سادس عشرهم أقضاهم للذمم، وأوصلهم للرحم، كأنّي أرى ثامن عشرهم تفحص رجلاه في دمه بعد أن يأخذ جنده بكظمه ، من ولده ثلاث رجال سيرتهم سيرة الضلال ، والثاني والعشرين منهم الشيخ الهرم ، تطول أعوامه ، وتوافق الرعيّة أيامه ، والسادس والعشرون منهم يشرد الملك منه شرود المنفتق ، ويعضده الهزرة(2) المتفيهق(3) ، لكأنّي أراه على جسر الزوراء قتيلاً « ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ » .
ومنها : سيخرب العراق بين رجلين يكثر بينهما الجريح والقتيل - يعني طرليك والديلم - لكأنّي أشاهد به دماء ذوات الفروج بدماء أصحاب السروج ، ويل لأهل الزوراء من بني قنطورة(4) .
ص: 334
ومنها : لكأنّي أرى منيّة الشيخ على ظاهر أهل الحصّة قد وقعت به وقعتان يخسر فيها الفريقان - يعنى وقعة الموصل حتى سمّى باب الأذان - ، وويل للطين من ملابسة الاشراك ، وويل للعرب من مخالطة الأتراك ، ويل لأمّة محمد صلى الله عليه و آله إذا لم تحمل أهلها البلدان ، وعبر بنو قنطورة نهر جيحان ، وشربوا ماء دجلة ، وهمّوا بقصد البصرة والأبلة(1) .
وأيم اللّه لتعرفنّ بلدتكم حتى كأنّي انظر إلى جامعها كجؤجؤ(2) سفينة أو نعامة جاثمة(3) .
وأخبر عليه السلام عن خراب البلدان .
روى قتادة عن سعيد بن المسيب أنّه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى : « وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها » ، فقال في خبر طويل إنتخبنا منه :
تخرب سمرقند وجاح وخوارزم وأصفهان والكوفة من الترك .
وهمدان والري من الديلم .
والطبرية والمدينة وفارس بالقحط والجوع .
ص: 335
ومكة من الحبشة .
والبصرة وبلخ من الغرق .
والسند من الهند ، والهند من تبّت ، وتبّت من الصين .
وبذشجان وصاغان وكرمان وبعض الشام بسنابك الخيل والقتل .
واليمن من الجراد والسلطان .
وسجستان وبعض الشام بالزنج .
وشامان بالطاعون .
ومرو بالرمل .
وهراة بالحيات .
ونيسابور من قبل انقطاع النيل .
وأذربيجان بسنابك الخيل والصواعق .
وبخارا بالغرق والجوع والحلم(1) .
وبغداد يصير عاليها سافلها .
قال الناشي :
إمام يفضل العالم بالعلم وبالزهد
هو البحر الذي تيّاره أحلى من الشهد
وفيه المسك والعنبر والكافور والند(2)
ألا يا آل يس وأهل الكهف والرعد
ص: 336
أعرفتم بما يحدث في الزنج وفي الهند
وعلم الأبحر السبعة ذات الجزر والمدّ
وجابرقا وجابرصا وكم في الصين من يد
وما يحدث بالأقطار من فتح ومن سدّ
ومن فتح ومن زحف ومن رجف ومن هدّ
ومن فتق ومن رتق ومن دهش ومن بلد
وما يفسد من دين وما يسلم من عقد * * *
وقيل للباقر عليه السلام : قد رضى أبوك إمامتهما لمّا استحل من سبيهما ، فأشار عليه السلام إلى جابر الأنصاري ، فقال جابر : رأيت الحنفيّة عدلت إلى تربة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فرنّت وزفرت ، فنادت : السلام عليك يا رسول اللّه وعلى أهل بيتك من بعدك ، هذه أمّتك سبتنا سبي الكفار ، وما كان لنا ذنب إلاّ الميل إلى أهل بيتك ، ثم قالت : أيّها الناس لم سبيتمونا وقد أقررنا الشهادتين ؟
فقال الزبير : لحقّ اللّه في أيديكم منعتموناه .
قالت : هب الرجال منعوكم ، فما بال النسوان !
فطرح طلحة عليها ثوبا ، وخالد ثوبا ، فقالت : يا أيّها الناس ، لست بعريانة فتكسوني ، ولا سائلة فتتصدّقون عليّ ، فقال الزبير : إنّهما
ص: 337
يريدانك ، فقالت : لا يكونان لي ببعل ، إلاّ من خبّرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن أمّي .
فجاء أمير المؤمنين عليه السلام وناداها : يا خولة ، اسمعي الكلام وعي الخطاب ، لمّا كانت أمّك حاملة بك ، وضربها الطلق ، واشتدّ بها الأمر نادت : اللّهم سلّمني من هذا المولود سالما ، فسبقت الدعوة لك بالنجاة .
فلمّا وضعتك ناديت من تحتها : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يا أمّاه لم تدعين عليّ ، وعمّا قليل سيملكني سيّد يكون لي منه ولد ، فكتبت ذلك الكلام في لوح نحاس ، فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه ، فلمّا كانت في الليلة التي تغيّبت أمّك فيها أوصت إليك بذلك .
فلمّا كان وقت سبيك لم تكن لك همّة إلاّ أخذ ذلك اللوح ، فأخذتيه وشددتيه على عضدك ، هاتي اللوح فأنا صاحب اللوح ، وأنا أمير المؤمنين ، وأنا أبو ذلك الغلام الميمون ، واسمه محمد .
فدفعت اللوح إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقرأه عثمان لأبي بكر ، فواللّه ما زاد على ما في اللوح حرفا واحدا ولا نقص .
فقالوا بأجمعهم : صدق اللّه ورسوله ، إذ قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فقال أبو بكر : خذها - يا أبا الحسن - بارك اللّه لك فيها .
فأنفدها علي عليه السلام إلى أسماء بنت عميس ، فقال : خذي هذه المرأة فأكرمي مثواها واحفظيها ، فلم تزل عندها إلى أن قدم أخوها ، فتزوّجها منه ، وأمهرها أمير المؤمنين عليه السلام ، وتزوّجها نكاحا(1) .
ص: 338
وهذه كلّها إخبار بالغيب أفضى إليه النبي صلى الله عليه و آله بالسرّ ممّا أطلعه اللّه - عزّ وعلا - عليه ، كما قال اللّه تعالى « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ
أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً » .
ولم يشحّ النبي صلى الله عليه و آله على وصيّه عليه السلام بذلك ، كما قال تعالى « وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ » ، ولا ضنّ علي عليه السلام على الأئمة من ولده عليهم السلام .
وأيضا لا يجوز أن يخبر بمثل هذا إلاّ من أقامه رسول اللّه صلى الله عليه و آله مقامه من بعده .
ص: 339
ص: 340
ص: 341
ص: 342
عبد اللّه بن مسعود قال : لا تتعرّضوا لدعوة علي عليه السلام ، فإنّها لا تردّ .
الأعثم في الفتوح : إنّ عليا عليه السلام رفع يده إلى السماء وهو يقول : اللّهم إنّ طلحة بن عبد اللّه أعطاني صفقة يمينه طائعا ، ثم نكث بيعتي ، اللّهم فعاجله ولا تمهله ، اللّهم وإنّ الزبير بن العوام قطع قرابتي ، ونكث عهدي ، وظاهر عدوّي ، وهو يعلم أنّه ظالم لي ، فاكفنيه كيف شئت وأنّى شئت(1) .
تاريخ الطبري : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما عليّ ، واللّه إنّهما يعلمان أنّي لست بدون رجل ممّن قد مضى ، اللّهم فاحلل ما عقدا ، ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما ، وارهما المساءة فيما قد عملا(2) .
فضائل العشرة وأربعين الخطيب : روى زاذان أنّه كذبه رجل في حديثه ،
ص: 343
فقال عليه السلام : أدعو عليك ، إن كنت كذّبتني أن يعمى اللّه بصرك ؟ قال : نعم ، فدعا عليه ، فلم ينصرف حتى ذهب بصره(1) .
جميع بن عمير قال : اتهم علي عليه السلام رجلاً يقال له « العيزار » برفع أخباره إلى معاوية ، فأنكر ذلك وجحد .
فقال عليه السلام : أتحلف باللّه - يا هذا - أنّك ما فعلت ، قال : نعم ، وبدر فحلف ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : إن كنت كاذبا فأعمى اللّه بصرك ، فما دارت الجمعة حتى أخرج أعمى يقاد(2) .
تاريخ البلاذري وحلية الأولياء وكتب أصحابنا عن جابر الأنصاري : أنّه استشهد أمير المؤمنين عليه السلام أنس بن مالك والبراء بن عازب والأشعث وخالد بن يزيد قول النبي صلى الله عليه و آله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فكتموا .
فقال لأنس : لا أماتك اللّه حتى يبتليك ببرص لا تغطيه العمامة(3) .
وقال للأشعث : لا أماتك اللّه حتى يذهب بكريمتيك ، وقال لخالد : لا أماتك اللّه إلاّ ميتة جاهلية ، وقال للبراء : لا أماتك اللّه إلاّ حيث هاجرت .
ص: 344
قال جابر : واللّه لقد رأيت أنسا ، وقد ابتلى ببرص يغطيه بالعمامة فما تستره ، ورأيت الأشعث ، وقد ذهبت كريمتاه وهو يقول : الحمد للّه الذي جعل دعاء أمير المؤمنين عليه السلام علي بالعماء في الدنيا ، ولم يدع عليّ في الآخرة فاعذب !!!
وأمّا خالد ، فإنّه لمّا مات دفنوه في منزله ، فسمعت بذلك كندة ، فجاءت بالخيل والإبل فعقرتها على باب منزله ، فمات ميتة جاهلية ، وأمّا البراء ، فإنّه ولي من جهة معاوية باليمن ، فمات بها ، ومنها كان هاجر ، وهي السراة(1) .
الوليد بن الحارث وغيره أنّه قال : إنّ عليا لمّا بلغه قتل بشر بن أرطأة من شيعته باليمن حين ولي عليهم من جهة معاوية قال : اللّهم إنّ بشرا باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله .
فاختلط بشر ، فكان يدعو بالسيف ، فاتخذ له سيفا من خشب ، فكان يضرب به حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق يقول : السيف ، فلم يزل ذلك دأبه حتى مات(2) .
* * *
ص: 345
ودعا عليه السلام على رجل في غزاة بني زبيد ، وكان في وجهه خال فتفشّى في وجهه حتى إسود بها وجهه كلّه(1) .
وقوله لرجل : إن كنت كاذبا فسلّط اللّه عليك غلام ثقيف ، قالوا : وما غلام ثقيف ؟ قال : غلام لا يدع للّه حرمة إلاّ انتهكها ، وأدرك الرجل الحجّاج فقتله(2) .
* * *
وحكم عليه السلام بحكم ، فقال المحكوم عليه : ظلمت - واللّه - يا علي !!! فقال : إن كنت كذّابا فغيّر اللّه صورتك ، فصار رأسه رأس خنزير .
وذكر الصاحب في رسالته الغراء عن أبي العيناء : أنّه لقى جدّ أبي العيناء الأكبر أمير المؤمنين عليه السلام ، فأساء مخاطبته ، فدعا عليه وعلى أولاده بالعمى ، فكلّ من عمى من أولاده ، فهو صحيح النسب(3) .
ص: 346
ويقال : أنّه دعا على وابصة بن معبد الجهيني - وكان من أهل الصفة بالرقّة لمّا قال له : فتنت أهل العراق وجئت تفتن أهل الشام - بالعمى والخرس والصمم وداء السوء ، فأصابه في الحال ، والناس إلى اليوم يرجمون المنارة التي كان يؤذن عليها .
أبو هاشم عبد اللّه بن محمد الحنفية : إنّ عليا عليه السلام دعا على ولد العباس بالشتات ، فلم يروا بني أم أبعد قبورا منهم ، فعبد اللّه بالمشرق ، ومعبد بالمغرب ، وقثم بمنفعة الرواح ، وثمامة بالأرجوان ، ومتمم بالخارز(1) .
وفي ذلك يقول كثير :
دعا دعوة ربّه مخلصا
فيا لك من قسم ما أبرّا
دعا بالنوى فساءت بهم
معارفة الدار برّا وبحرا
فمن مشرق ظلّ ثاويه
ومن مغرب منهم ما أضرّا
* * *
فضائل العشرة وخصائص العلوية : قال ابن مسكين : مررت أنا وخالي
ص: 347
أبو أمية على دار في دور حيّ من مراد ، فقال : أترى هذه الدار ؟ قلت : نعم ، قال : فإنّ عليا عليه السلام مرّ بها وهم يبنونها ، فسقطت عليه قطعة فشجّته، فدعا أن لا يتمّ بناؤها ، فما وضعت عليها لبنة ، قال : فكنت تمرّ عليها لا تشبه الدور(1).
وفي حديث الطرماح بن عدي وصعصعة بن صوحان :
أنّ أمير المؤمنين عليهم السلام إختصم إليه خصمان ، فحكم لأحدهما على الآخر ، فقال المحكوم عليه : ما حكمت بالسويّة ، ولا عدلت في الرعيّة ، ولا قضيّتك عند اللّه بالمرضيّة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إخسأ يا كلب ، وكان في الحال يعوي(2) .
وقال ابن حماد :
وصاح في المرتاب في حكمه
إذ قال ذا حكم امرء جائر
إخسا فألقاه على أربع
كلبا فيا للهالك الدامر
* * *
ولمّا قال : ألا وإنّي أخو رسول اللّه عليهماالسلام ، وابن عمّه ، ووارث علمه ، ومعدن سرّه ، وعيبة ذخره ، ما يفوتني ما عمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا ما
ص: 348
طلب ، ولا يغرب(1) علي ما دبّ ودرج ، وما هبط وما عرج ، وما غسق وانفرج ، كلّ ذلك مشروح لمن سأل ، مكشوف لمن وعى .
قال هلال بن نوفل الكندي في ذلك وتعمّق . . إلى أن قال : فكن يا بن أبي طالب بحيث الحقائق ، واحذر حلول البوائق .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : هب إلى سفر ، فواللّه ما تمّ كلامه حتى صار في صورة الغراب الأبقع ، يعني الأبرص .
وفي رواية : اللّهم إنّي قد كرهتهم وكرهوني ، ومللتهم وملّوني ، فأرحني وأرحهم ، فمات تلك الليلة(1) .
وروى حديث الطير جماعة ، منهم : الترمذي في جامعه ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ، والبلاذري في تاريخه ، والخركوشي في شرف المصطفى ، والسمعاني في فضائل الصحابة ، والطبري في الولاية ، وابن البيع في الصحيح ، وأبو يعلى في المسند ، وأحمد في الفضائل ، والنطنزي في الاختصاص .
وقد رواه محمد بن إسحاق ، ومحمد بن يحيى الأزدي ، وسعيد ، والمازني ، وابن شاهين ، والسدي ، وأبو بكر البيهقي ، ومالك ، وإسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة ، وعبد الملك بن عمير ، ومسعر بن كدام ، وداود بن علي بن عبد اللّه بن عباس ، وأبو حاتم الرازي بأسانيدهم عن أنس ، وابن عباس ، وأم أيمن .
ورواه ابن بطّة في الإبانة من طريقين ، والخطيب أبو بكر في تاريخ بغداد من سبعة طرق ، وقد صنّف أحمد بن محمد بن سعيد كتاب الطير .
وقال القاضي أحمد : قد صحّ عندي حديث الطير وما لي لفظه .
ص: 350
وقال أبو عبد اللّه البصري : إنّ طريقة أبي عبد اللّه الجبائي في تصحيح الأخبار يقتضي القول بصحّة هذا الخبر ، لإيراده عليه السلام يوم الشورى فلم ينكر .
قال الشيخ : قد استدل به أمير المؤمنين عليه السلام على فضله في قصّة الشورى بمحضر من أهلها ، فما كان فيهم إلاّ من عرفه وأقرّ به ، والعلم بذلك كالعلم بالشورى نفسها ، فصار متواترا ، وليس في الأمّة على إختلافها من دفع هذا الخبر .
وحدّثني أبو العزيز كادش العكبري عن أبي طالب الحربي العشاري عن ابن شاهين الواعظ في كتابه « ما قرب سنده » قال : حدّثنا نضر بن أبي القاسم الفرائضي قال : قال محمد بن عيسى الجوهري : قال : قال نعيم بن سالم بن قنبر : قال : قال أنس بن مالك . . الخبر .
وقد أخرجه علي بن إبراهيم في كتاب قرب الإسناد ، وقد رواه خمسة وثلاثون رجلاً من الصحابة عن أنس ، وعشرة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقد صحّ أنّ اللّه - تعالى - والنبي صلى الله عليه و آله يحبّانه ، وما صحّ ذلك لغيره فيجب الاقتداء به ، ومن عزا خبر الطائر إليه قصر الإمامة عليه .
ومجمع الحديث :
إنّ أنسا تعصّب بعصابة ، فسئل عنها ، فقال : هذه دعوة علي عليه السلام ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال : أهدي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله طائر مشوي ، فقال : اللّهم إئتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي عليه السلام ، فقلت له : رسول اللّه عنك مشغول ، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي .
ص: 351
فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثانيا ، فجاء علي عليه السلام ، فقلت : رسول اللّه عنك مشغول .
فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثالثا ، فجاء علي عليه السلام ، فقلت : رسول اللّه عنك مشغول ، فرفع علي عليه السلام صوته وقال : وما يشغل عنّي رسول اللّه ، وسمعه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا أنس ، من هذا ؟ قلت : علي بن أبي طالب ، قال : إئذن له .
فلمّا دخل له قال له : يا علي ، إنّي قد دعوت اللّه ثلاث مرات أن يأتيني بأحبّ خلقه إليه وإليّ أن يأكل معي هذا الطير ، ولو لم تجئني في الثالثة لدعوت اللّه باسمك أن يأتيني بك ، فقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّي قد جئت ثلاث مرات كلّ ذلك يردّني أنس ويقول : رسول اللّه عنك مشغول ، فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما حملك على هذا ! قلت : أحببت أن يكون رجلاً من قومي .
فرفع علي عليه السلام يده إلى السماء فقال : اللّهم إرم أنسا بوضح لا يستره من الناس .
وفي رواية : لا تواريه العمامة .
ثم كشف العمامة عن رأسه ، فقال : هذه دعوة علي(1) عليه السلام .
ص: 352
قال الحميري :
أما أتى في خبر الأنبل
في طائر أهدي إلى المرسل
سفينة مكّن في رشده
وأنس خان ولم يحصل
في ردّه سيد كلّ الورى
مولاهم في المحكم المنزل
فصدّه ذو العرش عن رشده
ثم غري(1) بالبرص الأنكل
* * *
وله أيضا :
نبئت أنّ أبانا كان عن أنس
يروي حديثا عجيبا معجبا عجبا
في طائر جاء مشويّا به بشر
يوما وكان رسول اللّه محتجبا
أدناه منه فلمّا أن رآه دعا
ربّا قريبا لأهل الخير منتجبا
أدخل إليّ أحبّ الخلق كلّهم
طرّا إليك فأعطاه الذي طلبا
فاغتر بالباب مغترّا فقال لهم
من ذا وكان وراء الباب مرتقبا
من ذا فقال علي قال إنّ له
شأنا له اهتمّ منه اليوم فاحتجبا
فقال لا تحجبن منّي أبا حسن
يوما وأبصر في إسراره الغضبا
من ردّه المرّة الأولى وقال له
لج واحمد اللّه واقبل كلّ ما وهبا
ص: 353
أهلاً وسهلاً بخلصائي وذي ثقتي
ومن له الحبّ من ربّ السما وجبا
وقال ثمّ رسول اللّه يا أنس
ماذا أصار بك التخليط مكتسبا
ماذا دعاك إلى أن صار خالصتي
وخير قومي لديك اليوم محتجبا
فقال يا خير خلق اللّه كلّهم
أردت حين دعوت اللّه مطّلبا
بأن يكون من الأنصار ذاك لكي
يكون ذاك لنا في قومنا حسبا
فقد دعا ربّه المحجوب في أنس
بأن يحلّ به سقم حوى كربا
فناله السوء حتى كان يرفعه
في وجهه الدهر حتى مات منتقبا
* * *
وله أيضا :
وفي طائر جاءت به أم أيمن
بيانا لمن بالحقّ يرضى ويقنع
فقال إلهي آت عبدك بالذي
تحبّ وحبّ اللّه أعلى وأرفع
ليأكل من هذا معي ويناله
فجاء علي من يصدّ ويمنع
فقال له إنّ النبي وردّه
على حاجة فارجع وكلّ ليرجع
فعاد ثلاثا كلّ ذاك يردّه
فأهوى بتأييد إلى الباب يقرع
فأسمعه القرع الوصي لبابه
فقال له ادخل بعد ما كاد يرجع
وقال له يشكو لقد جئت مرّة
وأخرى وأخرى كلّ ذلك أدفع
فسرّ رسول اللّه أكل وصيّه
وأنف الذي لا يشتهي ذاك يجدع
وقال له ما إن يحبّك صادق
من الناس إلاّ مؤمن متورّع
ويقلاك إلاّ كافر ومنافق
يفارق في الحقّ الأنام ويخلع
* * *
ص: 354
وله أيضا :
في قصّة الطائر المشوي حين دعا
محمد ربّه دعوات مبتهل
أدخل إليّ أحبّ الخلق كلّهم
طرّا إليك فمنه واجعلنه ولي
فجاء من بعده خير الورى رجل
عليه يقرع باب البيت في مهل
فقال مختبرا من ذا له أنس
فقال جاء علي جد بفتحك لي
فقال ترجع ولا تصغر أبا حسن
فإنّ عنك رسول اللّه في شغل
فانحاز غير بعيد ثم أعطفه
دعا النبي فدقّ الباب في رسل(1)
فقال أحمد من هذا تحاورهبالباب أدخله لا بوركت من رجل
فقال مبتدرا للباب يفتحهوحيدر قائم بالباب لم يزل
حتى إذا ما رأته عين أحمدهحيّى وقرّبه تقريب محتفل
فقال ما بك قل لي يا أبا حسناجلس فداك أبي يا مؤنسي فكل
* * *
وله أيضا :
أدخل إليّ أحبّ الخلق كلّهم
حبّا إليك وكان ذاك عليا
لمّا بدت لأخيه سحنة وجهه
ودنا فسلّم راضيا مرضيا
حيّى ورحّب مرحبا بأحبّهم
حبّا إلى ملك العلى وإليّا
* * *
وقال الصاحب :
علي له في الطير ما طار ذكره
وقامت به أعداؤه وهي تشهد
ص: 355
وقال الأصفهاني :
أمن له في الطير قال نبيّه
قولاً ينير بشرحه الأفقان
يا ربّ جئ بأحبّ خلقك كلّهم
شخصا إليك وخير من يغشاني
كيما يواكلني ويونس وحشتي
والشاهدان بقوله عدلان
فبدا علي كالهزير ووجهه
كالبدر يلمع أيّما لمعان
فتواكلا واستأنسا وتحدّثا
بأبي وأمّي ذلك الحدثان
* * *
وقال ابن حماد :
وفي قصّة الطير لمّا دعا
النبي الإله وأبدى الضرع
أيا ربّ ابعث إليّ أحبّ
خلقك يا من إليه الفزع
فلم يستتمّ النبي الدعاء
إذا بإمام الهدى قد رجع
ثلاث مرار فلمّا انتهى
إلى الباب دافعه واقترع
فقال النبي له ادخل فقد
أطلت احتباسك يا ذا الصلع
فخبّره أنّه جاءه
ثلاثا ودافعه من دفع
فقطّب في وجه من ردّه
وأنكر ما بأخيه صنع
فأورثه برصا فاحشا
فظلّ وفي الوجه منه بقع
* * *
وقال المفجع :
كان النبي لمّا تمنّى
حين أتوه طائرا مشويّا
إذ دعا اللّه أن يسوق أحبّ ال
خلق طرّا إليه سوقا وحيّا
ص: 356
وقال الصوري :
وأيّكم صار في فرشه
إذ القوم مهجته طالبونا
ومن شارك الطهر في طائر
وأنتم بذاك له شاهدونا
* * *
وقال الجبري :
والطائر المشويّ نصّ ظاهر
فتيقظّي يا ويك عن عمياك
* * *
وقال ابن زريك :
وفي الطائر المشويّ أوفى دلالة
لو استيقظوا من غفلة وسبات
* * *
وقال ابن العطار الواسطي الهاشمي :
ولقد أرانا اللّه أفضل خلقه
في الطائر المشويّ لمّا أن دعا
* * *
وممّن دعا له عليه السلام أم عبد اللّه بن جعفر ، قالت : مررت بعلي عليه السلام ، وأنا حبلى ، فدعاني ، فمسح على بطني ! وقال : اللّهم اجعله ذكرا ميمونا مباركا ، فولدت غلاما(1) .
ص: 357
إنتباه الخركوشي : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سمع في ليلة الإحرام مناديا باكيا ، فأمر الحسين عليه السلام يطلبه ، فلمّا أتاه وجد شابا يبس نصف بدنه ، فأحضره ، فسأله علي عليه السلام عن حاله .
فقال : كنت رجلاً ذا بطر ، وكان أبي ينصحني ، فكان يوما في نصحه إذ ضربته ، فدعا عليّ بهذا الموضع ، وأنشأ شعرا ، فلمّا تمّ كلامه يبس نصفي ، فندمت وتبت وطيّبت قلبه ، فركب على بعير ليأتي بي إلى هاهنا ويدعو لي ، فلمّا انتصف البادية نفر البعير من طيران طائر ، ومات والدي .
فصلّى علي عليه السلام أربعا ، ثم قال : قم سليما ، فقام صحيحا ، فقال : صدقت ، لو لم يرض عنك لما سمعت .
وسمع ضرير دعاء أمير المؤمنين عليه السلام : اللّهم إنّي أسألك يا ربّ الأرواح الفانية ، وربّ الأجساد البالية ، أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها ، وبطاعة الأجساد الملتئمة إلى أعضائها ، وبانشقاق القبور عن أهلها ، وبدعوتك الصادقة فيهم ، وأخذك بالحقّ بينهم إذا برز الخلائق ينتظرون قضاءك ، ويرون سلطانك ، ويخافون بطشك ، ويرجون رحمتك « يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ »
« إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ » .
ص: 358
أسألك يا رحمن أن تجعل النور في بصري ، واليقين في قلبي ، وذكرك بالليل والنهار على لساني أبدا ما أبقيتني إنّك على كلّ شيء قدير .
قال : فسمعها الأعمى وحفظها ، ورجع إلى بيته الذي يأويه ، فتطهّر للصلاة وصلّى ، ثم دعا بها ، فلمّا بلغ إلى قوله : أن تجعل النور في بصري ، إرتد الأعمى بصيرا بإذن اللّه .
عقد المغربي : إنّ عمر أراد قتل الهرمزان ، فاستسقى ، فأتى بقدح ، فجعل ترعد يده ، فقال له في ذلك .
فقال : إنّي خائف أن تقتلني قبل أن أشربه ، فقال : إشرب ولا بأس عليك .
فرمى القدح من يده فكسره ، فقال : ما كنت لأشربه أبدا وقد آمنتني .
[ فقال علي عليه السلام : لا يجوز لك قتله وقد أمنته ] ، فقال : قاتلك اللّه ، لقد أخذت أمانا ، ولم أشعر به(1) .
وفي رواياتنا : أنّه شكا ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعا اللّه - تعالى - ، فصار القدح صحيحا مملوءا من الماء .
فلمّا رأى الهرمزان المعجز أسلم(2) .
ص: 359
واستجابة الدعوات المتواترات من الآيات الباهرات في خلق اللّه ، المستمر العادات ، التي لا يغيّرها إلاّ لخطب عظيم ، وإقامة حقّ يقين ، وذلك خصوصية للأنبياء والأئمة عليهم السلام .
ص: 360
ص: 361
ص: 362
وأمّا نقض العادة ، فعلى سبعة أنواع :
منها : ما كان من قوّته وشوكته .
شعبة عن قتادة عن أنس عن العباس بن عبد المطلب ، والحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن غالب عن الصادق عليه السلام في خبر :
قالت فاطمة بنت أسد : فشددته وقمّطته بقماط ، فنتر(1) القماط ، ثم جعلته قماطين ، فنترهما(2) ، ثم جعلته ثلاثة وأربعة وخمسة وستّة ، منها أديم وحرير ، فجعل ينترها ، ثم قال : يا أمّاه لا تشدّي يدي ، فإنّي احتاج أن أبصبص لربّي بإصبعي(3) .
ص: 363
أنس عن عمر بن الخطاب : أنّ عليا عليه السلام رأى حيّة تقصده ، وهو في المهد ، وشدّت يداه في حال صغره ، فحوّل نفسه ، فأخرج يده ، وأخذ بيمينه عنقها ، وغمزها غمزة حتى أدخل أصابعه فيها ، وامسكها حتى ماتت .
فلمّا رأت ذلك أمّه نادت واستغاثت ، فاجتمع الحشم ، ثم قالت : كأنّك حيدرة .
« حيدرة » : اللبوة إذا غضبت من قبل أذى أولادها .
قال الحميري :
ويا من اسمه في الكتب معروف به حيدر
وسمّته به أمّ له صادقة المخبر
* * *
وقال دعبل :
أبو تراب حيدره
ذاك الإمام القسوره
مبيد كلّ الكفره
ليس له مناضل
مبارز ما يهب
وضيغم ما يغلب
وصادق لا يكذب
وفارس محاول
سيف النبي الصادق
مبيد كلّ فاسق
بمرهف ذي بارق
أخلصه الصياقل
* * *
ص: 364
جابر الجعفي قال : كان ظئرة علي عليه السلام التي أرضعته امرأة من بني هلال خلّفته في خبائها مع أخ له من الرضاعة ، وكان أكبر منه سنّا بسنة ، وكان عند الخباء قليب ، فمر الصبي نحو القليب ، ونكس رأسه فيه ، فتعلّق بفرد قدميه وفرد يديه ، أمّا اليد ففي فمه ، وأمّا الرجل ففي يديه .
فجاءت أمّه ، فأدركته ، فنادت في الحيّ : يا للحي ! من غلام ميمون أمسك عليّ ولدي ، فمسكوا الطفل من رأس القليب ، وهم يعجبون من قوّته وفطنته ، فسمّته أمّه مباركا .
وكان الغلام في بني هلال يعرف ب-« معلّق الميمون » وولده إلى اليوم(1) .
قال العوني :
واسم أخيه في بني هلال
فاسأل به إن كنت ذا سؤال
معلّق الميمون ذا المعالي
بذكره القوم على الليالي
موهبة خصّ بها صبيّا
* * *
وكان أبو طالب عليه السلام يجمع ولده وولد إخوته ، ثم يأمرهم بالصراع ، وذلك خلق في العرب ، فكان عليه السلام يحسر عن ذراعيه ، وهو طفل ، ويصارع كبار
ص: 365
إخوته وصغارهم ، وكبار بني عمّه وصغارهم ، فيصرعهم فيقول أبوه : ظهر علي ، فسمّاه ظهيرا(1) .
قال العوني :
هذا وقد لقّبه ظهيرا
أبوه إذ عاينه صغيرا
يصرع من إخوته الكبيرا
مشمّرا عن ساعد تشميرا
* * *
تراه عبلاً فتلاً قوّيا ، فلمّا ترعرع عليه السلام كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه ، ويعلق بالجبار بيده ويجذبه فيقتله ، وربما قبض على مراق بطنه ورفعه إلى الهواء ، وربما يلحق للحصان الجاري فيصدمه ، فيردّه على عقبيه .
وكان عليه السلام يأخذ من رأس الجبل حجرا ، ويحمله بفرد يديه ، ثم يضعه بين يدي الناس ، فلا يقدر الرجل والرجلان والثلاثة على تحريكه(2) حتى قال أبو جهل فيه :
يا أهل مكة إنّ الذبح عندكم
هذا علي الذي قد جلّ في النظر
ما إن له مشبه في الناس قاطبة
كأنّه النار ترمي الخلق بالشرر
كونوا على حذر منه فإنّ له
يوما سيظهره في البدو والحضر
ص: 366
وإنّه عليه السلام لم يمسك بذراع رجل قطّ إلاّ مسك بنفسه ، فلم يستطع يتنفّس(1) .
ومنه : ما ظهر بعد النبي صلى الله عليه و آله : قطع الأميال وحملها إلى الطريق سبعة عشر ميلاً تحتاج إلى أقوياء حتى تحرّك ميلاً منها ، قطعها وحده ، ونقلها ونصبها ، وكتب عليها : هذا ميل علي .
ويقال : إنّه كان يتأبّط بإثنين ، ويدير واحدا برجله .
وكان منه في ضرب يده في الأسطوانة حتى دخل إبهامه في الحجر ، وهو باق في الكوفة .
وكذلك مشهد الكفّ في تكريت ، والموصل ، وقطيعة الدقيق ، وغير ذلك.
ومنه : أثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار النبي صلى الله عليه و آله ، وأثر رمحه في جبل من جبال البادية ، وفي صخرة عند قلعة خيبر(2) .
ومنه : ختم الحصا ، قال ابن عباس : صاحب الحصاة ثلاثة :
ص: 367
أمّ سليم ، وارثة الكتب ، طبع في حصاتها النبي صلى الله عليه و آله والوصي عليهماالسلام ، ثم أمّ الندى ، ثم حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية ، ثم أمّ غانم الأعرابية اليمانية ، وختم في حصاتهما أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
وذلك مثل ما رويتم : أنّ سليمان كان يختم على النحاس للشياطين ، وعلى الحديد للجنّ ، فكان كلّ من رأى برقه أطاعه .
أبوسعيد الخدري، وجابر الأنصاري، وعبداللّه بن عباس في خبر طويل:
أنّه قال خالد بن الوليد : أتى الأصلع - يعني عليا عليه السلام - عند منصرفي من قتال أهل الردّة ! في عسكري ، وهو في أرض له ، وقد إزدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد ، وقعقعة الرعد ، فقال لي : ويلك ، أكنت فاعلاً ؟ فقلت : أجل ، فاحمرت عيناه ، وقال : يا بن اللّخناء ، أمثلك يقدم على مثلي ، أو يجسر أن يدير اسمي في لهواته ، في كلام له . .
ثم قال : فنكّسني - واللّه - عن فرسي ، ولا يمكنني الإمتناع منه ، فجعل يسوقني إلى رحى للحارث بن كلدة ، ثم عمد إلى قطب الرحى الحديد الغليظ الذي عليه مدار الرحى ، فمدّه بكلتا يديه ، ولواه في عنقي كما يتفتل الأديم ، وأصحابي كأنّهم نظروا إلى ملك الموت ، فأقسمت عليه بحقّ اللّه ورسوله ، فاستحيى وخلّى سبيلي .
ص: 368
قالوا : فدعا أبو بكر جماعة من الحدّادين ، فقالوا : إنّ فتح هذا القطب لا يمكننا إلاّ أن نحميه بالنار .
فبقي في ذلك أياما ، والناس يضحكون منه ، فقيل : إنّ عليا عليه السلام جاء من سفره ، فأتى به أبو بكر إلى علي عليه السلام يشفع إليه في فكّه .
فقال علي عليه السلام : إنّه لمّا رأى تكاثف جنوده وكثرة جموعه أراد أن يضع منّي في موضعي ، فوضعت منه عند ما خطر بباله ، وهمّت به نفسه .
ثم قال : وأمّا الحديد الذي في عنقه ، فلعلّه لا يمكنني في هذا الوقت فكّه ، فنهضوا بأجمعهم ، فأقسموا عليه ، فقبض على رأس الحديد من القطب ، فجعل يفتل منه يمينه شبرا شبرا ، فيرمي به ، وهذا كقوله تعالى « وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ »(1) .
ابن عباس ، وسفيان بن عيينة ، والحسن بن صالح ، ووكيع بن الجراح ، وعبيدة بن يعقوب الأسدي ، وفي حديث غيرهم : لا يفعل خالد ما أمرته(2) .
وفي حديث أبي ذر : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أخذ بإصبعه السبابة والوسطى فعصره عصرة ، فصاح خالد صيحة منكرة ، وأحدث في ثيابه ، وجعل يضرط ، وجعل يضرب برجليه(3) .
ص: 369
وفي رواية عمار : فجعل يقمص قماص البكر(1) ، فإذا له رغاء(2) وساغ ببوله في المسجد(3) .
وروي في كتاب البلاذري : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أخذه بإصبعيه السبابة والوسطى في حلقه وشاله بهما ، وهو كالبعير عظما ، وضرب به الأرض ، فدقّ عصعصه ، وأحدث مكانه .
أهل السير عن حبيب بن الجهم ، وأبي سعيد التميمي ، والنطنزي في الخصائص ، والأعثم في الفتوح ، والطبري في كتاب الولاية بإسناد له عن محمد بن القاسم الهمداني ، وأبو عبد اللّه البرقي عن شيوخه عن جماعة من أصحاب علي عليه السلام :
إنّه نزل أمير المؤمنين عليه السلام بالعسكر عند وقعة صفين عند قرية « صندودياء » ، فقال مالك الأشتر : ينزل الناس على غير ماء ؟ فقال : يا مالك ، إنّ اللّه سيسقينا في هذا المكان ، احتفر أنت وأصحابك ، فاحتفروا ، فإذا هم بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة لجين ، فعجزوا عن قلعها ، وهم مائة رجل .
ص: 370
فرفع أمير المؤمنين عليه السلام يده إلى السماء ، وهو يقول : طاب طاب ، يا عالم ، يا طيبوثا بوثة شميا كرباجا نوثا توديثا برجوثا ، آمين آمين ، يا ربّ العالمين ، يا ربّ موسى وهارون ، ثم اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا ، فظهر ماء أعذب من الشهد ، وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت ، فشربنا وسقينا ، ثم ردّ الصخرة ، وأمرنا أن نحثو عليها التراب .
فلمّا سرنا غير بعيد قال : من منكم يعرف موضع العين ؟ قلنا : كلّنا .
فرجعنا ، فخفي مكانها علينا ، فإذا راهب مستقبل من صومعة ، فلمّا بصر به أمير المؤمنين عليه السلام قال : شمعون ؟ قال : نعم ، هذا اسمي سمّتني به أمّي ، ما اطّلع عليه إلاّ اللّه ، ثم أنت .
قال : وما تشاء يا شمعون ؟ قال : هذا العين واسمه ، قال : هذا عين زاحوما - وفي نسخة : راجوه - وهو من الجنّة ، شرب منها ثلاثمائة نبيّا ، وثلاثة عشر وصيّا ، وأنا آخر الوصيّين شربت منه .
قال : هكذا وجدت في جميع كتب الإنجيل ، وهذا الدير بني على قالع هذه الصخرة ، ومخرج الماء من تحتها ، ولم يدركه عالم قبلي غيري ، وقد رزقنيه اللّه ، وأسلم .
وفي رواية : أنّه جبّ شعيب .
ثم رحل أمير المؤمنين عليه السلام ، والراهب يقدمه حتى نزل صفين ، فلمّا إلتقى الصفّان كان أوّل من أصابته الشهادة ، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ، وعيناه تهملان ، وهو يقول : المرء مع من أحبّ ، الراهب معنا يوم القيامة .
ص: 371
وفي رواية عبد اللّه بن أحمد بن حنبل : حدّثنا أبو محمد الشيباني ، حدّثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي سعيد التميمي قال : فسرنا فعطشنا ، فقال بعض القوم : لو رجعنا فشربنا .
قال : فرجع أناس ، وكنت فيمن رجع ، قال : فالتمسنا فلم نقدر على شيء ، فأتينا الراهب ، قال : فقلنا : أين العين التي هاهنا ؟ قال : أيّة عين ! قلنا : التي شربنا منها ، واستقينا وسقينا ، فالتمسناها فلم نجدها ، قال الراهب : لا يستخرجها إلاّ نبي أو وصي(1) .
قال الحميري :
ولقد سرى فيما يسير بليلة
بعد العشاء بكربلا في موكب
حتى أتى متبتّلاً في قائم
ألقى قواعده بقاع مجدب
يأتوه ليس بحيث يلقى عامرا
إلاّ الوحوش وغير أصلع أشيب
فدنا فصاح به فأشرف ماثلاً
كالنسر فوق شظيّة من مرتب
هل قرب قائمك الذي يؤتيه
ماء يصاب فقال ما من مشرب
إلاّ بغاية فرسخين ومن لنا
بالماء بين تفاوت في سبسب(2)
فثنى الأعنّة نحو وعث فاجتلىملساء تبرق كاللّجين المذهّب
قال اقلبوها إنّكم إن تقلبواترووا ولا تروون إن لم تقلب
ص: 372
فاعصوصبوا في قلعها فتمنّعت
منهم تمنّع صعبة لم تركب
حتى إذا أعيتهم أهوى لها
كفّا متى ترم المغالب تغلب
فكأنّها كرة بكفّ حزوّر(1)
عبل(2) الذراع دحا بها في ملعب
قال اشربوا من تحتها متسلسلاً
عذبا يزيد على الألذّ الأعذب
حتى إذا شربوا جميعا ردّها
ومضى فخلت مكانها لم يقرب
أعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل
من فضله وفعاله لم يكذب
* * *
وله أيضا :
من قال للماء افجري فتفجّرت
ما كلّفت كفّا له محفارا
حتى تروّى جنده من مائها
لمّا جرى فوق الحضيض وفارا
وبكربلا آثار أخرى قبلها
أحيى بها الأنعام والأشجارا
وأتاه راهبها فأسلم طائعا
معه وأثنى الفارس المغورا
* * *
وقال ابن حماد :
من صاحب الجبّ إذ أوفى بعسكره
فلم يزل قاصدا للجبّ مجتابا
حتى إذا ما أروه رجّ صخرته
فخاله القوم بالمدحاة لعّابا
* * *
ص: 373
وقال السروجي :
وصخرة الراهب عن قليبه
اقلبها كمثل شيء يحتقر
حتى إذا ما شربوا أوردها
إلى المكان عاجلاً بلا ضجر
فأبصر الراهب أمرا قد علا
عن بشر يفعل أفعال القدر
آمن باللّه تعالى وأتى
إلى الإمام تارك الدين ستر
* * *
تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام : إنّ أبيّ بن أبي سلول وجد بن قيس اتخذا له دعوة عند حائط بستان ثلاثون ذراعا طوله في خمسة وعشرين ذراعا سمكه في ذراعين غلظه ، وفتّشا عن أصلها ، وأوقفا رجالاً خلف الحائط ، فتلقّاه عليه السلام بيسراه حتى أكل وأكلوا ، وقالوا في تعبه ، فقال عليه السلام : لست أجد له من التعب(1) بيساري إلاّ أقلّ ممّا(2) أجده من ثقل هذه اللقمة بيميني(3) .
ومنه : قلع باب خيبر .
ص: 374
روى [ عبد اللّه بن ] أحمد بن حنبل عن مشيخته عن جابر الأنصاري : أنّ النبي صلى الله عليه و آله دفع الراية إلى علي عليه السلام في يوم خيبر بعد أن دعا له ، فجعل
يسرع السير ، وأصحابه يقولون له : أرفق ، حتى انتهى إلى الحصن ، فاجتذب بابه ، فألقاه على الأرض ، ثم اجتمع منّا سبعون رجلاً ، وكان جهدهم أن أعادوا الباب(1) .
أبو عبد اللّه الحافظ بإسناده إلى أبي رافع : لمّا دنا علي عليه السلام من القموص(2) ، أقبلوا يرمونه بالنبل والحجارة ، فحمل حتى دنا من الباب فاقتلعه ، ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعا ، ولقد تكلّف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوه(3) .
قال الحميري :
وألقى باب حصنهم بعيدا
ولم يك يستقلّ بأربعينا
* * *
أبو القاسم محفوظ البستي في كتاب الدرجات : أنّه حمل بعد قتل مرحب عليهم ، فانهزموا إلى الحصن ، فتقدّم إلى باب الحصن ، وضبط حلقته ، وكان وزنها أربعين منّا ، وهزّ الباب ، فارتعد الحصن بأجمعه حتى ظنّوا زلزلة ، ثم هزّه أخرى فقلعه ، ودحا به في الهواء أربعين ذراعا(4) .
ص: 375
أبو سعيد الخدري : وهزّ حصن خيبر حتى قالت صفية : قد كنت جلست على طاق كما تجلس العروس ، فوقعت على وجهي ، فظننت الزلزلة ، فقيل : هذا علي عليه السلام هزّ الحصن يريد أن يقلع الباب(1) .
وفي حديث أبان عن زرارة عن الباقر عليه السلام : فاجتذبه إجتذابا ، وتترّس به ، ثم حمله على ظهره واقتحم الحصن إقتحاما ، واقتحم المسلمون ، والباب على ظهره(2) .
وفي الإرشاد : قال جابر : إنّ عليا عليه السلام حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ، ففتحوها ، وإنّهم جرّبوه بعد ذلك ، فلم يحمله أربعون رجلاً(3) .
رواه أبو الحسن الوراق المعروف بغلام المصري عن ابن جرير الطبري التاريخي .
وفي رواية جماعة : خمسون رجلاً .
وفي رواية أحمد : سبعون رجلاً(4) .
ص: 376
ابن جرير الطبري صاحب المسترشد : أنّه حمله بشماله - وهو أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربع أصابع عمقا حجرا أصلد - دون يمينه ، فأثرت فيه أصابعه ، وحمله بغير مقبض ، ثم تترّس فضارب الأقران حتى هجم عليهم ، ثم رجّه من ورائه أربعين ذراعا(1) .
قال ديك الجنّ :
سطا يوم بدر بأبطاله
وفي أحد لم يزل يحمل
وعن بأسه فتحت خيبر
ولم ينجها بابها المقفل
دحا أربعين ذراعا به
هزبر به دانت الأشبل
* * *
وفي رامش أفزاي : كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا ، وعرض الخندق عشرون ، فوضع جانبا على طرف الخندق ، وضبط جانبا بيده حتى عبر عليه العسكر ، وكانوا ثمانية آلاف وسبعمائة رجل ، وفيهم من كان يتردّد ويخف(2) عليه .
وقد رجّ باب الحصن عنه بكفّه
وظلّ لأجساد اليهود يهبر(3)
وعبّر جيش العزّ من فوق زندهوما مسّه منه هناك تضجر
* * *
ص: 377
أبو عبد اللّه الجذلي : قال له عمر : لقد حملت منه ثقلاً ، فقال : ما كان إلاّ مثل جنّتي التي في يدي(1) .
وفي رواية أبان : فواللّه ، ما لقى علي عليه السلام من البأس تحت الباب أشدّ ما لقى من قلع الباب(2) .
الإرشاد : لمّا إنصرفوا من الحصون أخذه علي عليه السلام بيمناه ، فدحا به أذرعا من الأرض ، وكان الباب يغلقه عشرون رجلاً منهم(3) .
علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن ابن عباس في خبر طويل : وكان لا يقدر على فتحه إلاّ أربعون رجلاً .
تاريخ الطبري : قال أبو رافع : سقط من شماله ترسه ، فقلع بعض أبوابه وتترّس بها ، فلمّا فرغ عجز خلق كثير عن تحريكها(4) .
روض الجنان : قال بعض الصحابة : ما عجبنا - يا رسول اللّه - من قوّته في حمله ورميه وإتراسه ، وإنّما عجبنا من إجساره وإحدى طرفيه على يده ، فقال النبي صلى الله عليه و آله كلاما معناه : يا هذا ، نظرت إلى يده ، فانظر إلى رجليه .
قال : فنظرت إلى رجليه ، فوجدتهما مملقتين ، فقلت : هذا أعجب ! رجلاه على الهواء ، فقال صلى الله عليه و آله : ليستا على الهواء ، وإنّهما على جناحي جبرئيل عليه السلام .
ص: 378
فأنشأ بعض الأنصار يقول :
إنّ امرءا حمل الرتاج(1) بخيبر
يوم اليهود بقدرة لمؤيّد
حمل الرتاج رتاج باب قموصهاوالمسلمون وأهل خيبر شهّد
فرمى به ولقد تكلّف ردّهسبعون كلّهم له متسدّد
ردّوه بعد تكلّف ومشقّةومقال بعضهم لبعض ازرد(2)
* * *
وقال الناشي :
والباب حين دحا به عن حصنهم
عشرين باعا(3) في الفضا دكداك
* * *
وقال الوراق :
علي رمى باب المدينة خيبر
ثمانين شبرا وافيا لم يثلم
* * *
وقال ابن حماد :
أم من دحا باب القموص ومن علا
في الحرب مرحب بالحسام القاضب
* * *
ص: 379
وقال ابن مكي :
فهزّها فاهتزّ من حولهم
حصنا بنوه حجرا جلمدا
ثم دحا الباب على نبذة
تمسح خمسين ذراعا عددا
وعبّر الجيش على راحته
حيدرة الطاهر لمّا وردا
* * *
وقال العوني :
ودنا إلى الباب المشيد وهزّه
هزّا رأيت الأرض منه ترجف
ورواية أخرى بأن دحى به
سبعين باعا والقتام مسجف(1)
* * *
وقال الحميري :
واذكر تحمّله الديار ولا تكن
ليهود خيبر لا تكون نسيّا
حمل الرتاج رتاج باب قموصها
فحسبته يمشي بها بختيّا
ما ردّه سبعون حتى الهثوا
سبعون موتنف الشباب قويّا
* * *
وقال ابن علوية :
أمن أقلّ لخيبر الباب الذي
أعيى به نفرا من الأعوان
هل مدّ حلقته فصيّر متنه
ترسا يقلّ به شبا القضبان
ترسا يصكّ به الوجوه بملتقى
حرب بها حمي الوطيس عوان
* * *
ص: 380
وقال ابن زريك :
والباب لمّا دحاه وهو في سغب
من الصيام وما يخفى تعبّده
وقلقل الحصن فارتاع اليهود له
وكان أكثرهم عمدا يفنّده
نادى بأعلى العلى جبريل ممتدحا
هذا الوصيّ وهذا الطهر أحمده
* * *
وقال الزاهي :
واقتلع الباب اقتلاعا معجزا
يسمع في دويّه ارتجاسه
كأنّه شرارة لموقد
أخرجها من ناره مقياسه
* * *
وقال تاج الدولة :
واقتلع الباب غداة خيبر
فكبّر الناس به وقد دحا
وقالت الأملاك لا سيف سوى
سيف علي وسواه لا فتى
وعبّر الجيش على راحته
والباب جسرا فوق يمناه بدا
* * *
وقال شاعر آخر :
ودحا الباب بكفّ صافحت
كفّ جبرائيل من غير اختلال
فتباهت فيه(1) أملاك العلى
وهي في أفلاكها عن ذي الجلال
* * *
ص: 381
وهذا كلّه خرق العادة ، ولا يتيسّر إلاّ لنبيّ أو وصيّ نبيّ ، وإذا لم يجز أن
يكون نبيّا لابد أن يكون وصيّا .
ص: 382
ص: 383
ص: 384
ومن عجائبه : طول ما لقي من الحروب لم ينهزم قطّ ، ولم ينله فيها شين ، ولا جراح سوء ، ولم يبارز أحدا إلاّ ظفر به ، ولا نجا من ضربته أحد فصلح منها ، ولم يفلت منه قرن ، ولم يخرج في حروبه إلاّ وهو ماش يهرول طوال الدهر بغير جند إلى العدوّ(1) ، وما قدّمت راية قوتل تحتها علي عليه السلام إلاّ انقلبوا صاغرين .
قال الحميري :
ما أمّ يوم الوغى زحفا برايته
إلاّ تضعضع ثم انصاع منهزما
أو بلّ مفرق من لم ينجه هرب
بأبيض منه من دمّ الفلاة دما
أو نال مهجته طعنا بنافذة
نجلا تفرغ من تحت الحجاب فما
* * *
ويروى : وثبته أربعون ذراعا إلى عمرو ، ورجوعه إلى خلف عشرون ذراعا ، وذلك خارج عن العادة .
ص: 385
وروي : ضربته على رجليه وقطعهما بضربة واحدة مع ما كان عليه من الثياب والسلاح .
وروي : أنّه ضرب مرحب الكافر يوم خيبر على رأسه ، فقطع العمامة والخوذة والرأس والحلق ، وما عليه من الجوشن من قدّام وخلف إلى أن قدّه بنصفين .
ثم حمل على سبعين ألف فارس فبدّدهم ، وتحيّر الفريقان من فعله ، فانهزموا إلى الحصن(1) .
وأصل مشهد البوق عند رحبة الشام أنّه عليه السلام أخبر أنّ الساعة خرج معاوية في خيله من دمشق ، وضرب البوق ، وسمع ذلك من مسيرة ثمانية عشر يوما ، وهو خرق العادة .
قال أبو العباس :
وحيال رحبة مالك أصغى إلى
نعرات بوق في دمشق يقعقع
فاهتزّ من طرب وقال لصحبه
هذا ابن هند للرحيل لمزمع
* * *
ص: 386
ومنه : الدكّة المشهورة في الكوفة التي يقال : إنّه رأى منها مكة وسلّم عليها ، وذلك مثل قولكم : يا سارية الجبل(1) .
ومسجد المجذاف في الرقّة ، وهو أنّه لمّا طلب الزواريق لحمل الشهداء ، قالوا : الزواريق ترعى ، فقال عليه السلام : كلامكم غثّ ، وقمصانكم رثّ ، لا شدّ اللّه بكم صنعا ، ولا أشبعكم إلاّ على قتب ، وعمل جائزة(2) عظيمة بمنزلة المجذاف ، وحمل الشهداء عليها ، فخربت الرقّة ، وعمرت الرافقة ، ولا يزالون في ضنك العيش .
وروت الغلاة(3) : أنّه عليه السلام صعد إلى السماء على فرس ، وينظر إليه أصحابه .
وقال : لو أردت لحملت إليكم ابن أبي سفيان ، وذلك نحو قوله تعالى « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا » .
ص: 387
وخرج عن أبي زهرة ، وقطع مسيرة ثلاثة أيام بليلة واحدة ، وأصبح عند الكفار ، وفتح عليه ، فنزل « وَالْعادِياتِ ضَبْحاً »(1) .
وروي : أنّه رمي إلى حصن ذات السلاسل في المنجنيق ، ونزل على حائط الحصن ، وكان الحصن قد شدّ على حيطانه سلاسل فيها غرائر(2) من تبن أو قطن ، حتى لا يعمل فيها المنجنيق إذا رمى الحجر .
فقالت الغلاة : فمرّ في الهواء والترس تحت قدميه ، ونزل على الحائط ، وضرب السلاسل ضربة واحدة فقطعها ، وسقطت الغرائر ، وفتح الحصن(3) .
وروت الغلاة : أنّه نزلت فيه « وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا » .
وذلك إن صحّ مثل صعود الملائكة ونزولهم ، وإسراء النبي صلى الله عليه و آله .
* * *
قال العوني
من الذي إلى الذين حسبوا
حصونهم مانعة من الردى
من حيث لم يحتسبوا فأيقنوا
لمّا أتى أنّ الحمام قد أتى
* * *
ص: 388
وقال السروجي :
وسار عنها بعد ذا مرتحلاً
في يومه عن المسير ما فتر
حتى أتى الحصن على شاهقه
يظنّه الناظر نجما قد زهر
وما له باب سوى سلسلة
ترخى مع الصبح وفي الليل تجر
فلم يجد منه النبي حيلة
وضلّت الأفكار فيه قد تحر
رمى إلى ذاك عليا في الهوى
بالمنجنيق في أمان المقتدر
وكانت الرمية غير واصل
فمرّ يمشي في الهوا حتى انحدر
فجدّل الأبطال فيه بعد ما
صار إلى الدين الحنيفي نفر
هذا وفي حصن الغراب قد جرى
معركة مرامها صعب الخطر
فحاز أموالاً وخيلاً وإما
غير أسير في الجبال قد قطر
ويوم تكريت إلى قلعتها
من جانب الماء لنقب قد حفر
ومرّ في الجرف إليها طالعا
وكان عند القوم من ذاك خبر
فبادروه عاجلاً بصخرة
لها دويّ الصوت عند المنحدر
فردّها بكفّه ثم ارتقى
في مطلع ما بين ضيق ووعر
فاستسلموا لمّا رأوا فعاله
تجلّ قدرا عن أفاعيل البشر
* * *
تفسير أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام : أنّه رأى عليا عليه السلام ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري في بئر عادية ، ورجال يرمونه بالأحجار ، فوقع
ص: 389
فيها ، فقالوا : أردنا واحدا فصار إثنين ، فأرسلوا صخرة مقدار مائتي من ، فاحتضنه علي عليه السلام ، وجعل رأس ثابت إلى صدره وانحنى عليه ، فوقعت الصخرة على مؤخر رأس علي عليه السلام ، فما كانت إلاّ كترويحة بمروحة .
ثم أرسلوا ثانية وثالثة ، ثم قالوا : لو كان لهما مائة ألف روح ما نجت واحدة منها ، فأذن اللّه لشفير البئر فانحط ، ولقرار البئر فارتفع ، فخرجا سالمين(1) .
قال خطيب منبج :
ومن كانت له بالشعب ممّا
أتاه الجنّ فيه راجمينا
فظلّله المطرق جبرئيل
وميكائيل خير مظلّلينا
* * *
وفيه : أنّه أرادت الفجرة ليلة العقبة قتل النبي صلى الله عليه و آله ، ومن بقي في المدينة قتل علي عليه السلام ، فلمّا تبعه وقصّ عليه بغضاءهم ، فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى . . الخبر .
فحفروا له حفيرة طويلة وغطّوها ، فلمّا انصرف وبلغها أنطق اللّه فرسه ، فقال : سر بإذن اللّه ، فطفرت ، ثم أمر بكشفه ، فرأى عجبا(2) .
ص: 390
مسند أحمد وفضائله ، وسنن ابن ماجة : قال عبد الرحمن بن أبي ليلى :
كان أمير المؤمنين عليه السلام يلبس في البرد الشديد الثوب الرقيق ، وفي الحرّ الشديد القبا والثوب الثقيل ، وكان لا يجد الحرّ والبرد ، فكان - صلّى اللّه عليه وآله - دعا له يوم خيبر فقال : كفاك اللّه الحرّ والبرد(1) .
وفي رواية : اللّهم قه الحرّ والبرد(2) .
وفي رواية : اللّهم اكفه الحرّ والبرد(3) .
قال الأصفهاني :
أمن له في الحرّ والبرد استوت
منه بنعمة ربّه الألحان
فتراه يلبس في الشتاء غلالة(4)
وتراه طول الصيف في خفتان(5)
هل كان ذاك لأمّة من قبلهأو بعده فأبانه العصران
ص: 391
وقال الصاحب :
وكم دعوة للمصطفى فيه حقّقت
وآمال من عادى الوصي خوائب
فمن رمد آذاه جلاّه داعيا
لساعته والريح في الحرب عاصب
ومن سطوة للحرّ والبرد دوفعت
بدعوته عنه وفيها عجائب
* * *
وقال له عليه السلام يوناني : أعالج صفارك ، ولا علاج في دقّة ساقيك ، فسأله عليه السلام عمّا يزيد في الصفار ، فقال : شعرتان من هذا ، وقدر حبّة منه تقتل .
قال : كم هذا ؟ قال : قدر مثقالين .
فتناوله وقمحه ، فعرق ، وجعل الرجل يرتعد ، فتبسم عليه السلام وقال : يا عبد اللّه ، أصحّ ما كنت بدنا الآن ، لم يضرّني ما زعمت أنّه سمّ ، فغمّض عينيك ، فغمّض ، ثم قال : افتح عينيك ، ففتح ، ونظر إلى وجه علي عليه السلامفإذا هو أبيض أحمر ، فقال : زال الصفار بسمّك .
ثم ضرب بيده على أسطوانة عظيمة على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه ، وفوقه حجرتان ، فاحتملها مع الحيطان ، فغشي على اليوناني ، فلمّا أفاق قال عليه السلام : هذه قوّة الساقين الدقيقين(1) .
ص: 392
وروى حبيب بن حسن العتكي عن جابر الأنصاري قال : صلّى بنا أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا ، فقال : معاشر الناس ، أعظم اللّه أجركم في أخيكم سلمان ، فقالوا في ذلك .
فلبس عمامة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ودراعته ، وأخذ قضيبه وسيفه ، وركب على العضباء ، وقال لقنبر : عد عشرا ، قال : ففعلت ، فإذا نحن على باب سلمان .
قال زاذان : فلمّا أدرك سلمان الوفاة ، فقلت له : من المغسّل لك ؟ قال : من غسّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلت : إنّك في المدائن وهو بالمدينة ، فقال : يا زاذان ، إذا شددت لحيتي تسمع الوجبة .
فلمّا شددت لحيته سمعت الوجبة ، وأدركت الباب ، فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا زاذان ، قضى أبو عبد اللّه سلمان ؟ قلت : نعم يا سيدي .
فدخل وكشف الرداء عن وجهه ، فتبسّم سلمان إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : مرحبا - يا أبا عبد اللّه - إذا لقيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقل له ما مرّ على أخيك من قومك .
ثم أخذ في تجهيزه ، فلمّا صلّى عليه كنّا نسمع من أمير المؤمنين عليه السلام تكبيرا شديدا ، وكنت رأيت معه رجلين ، فقال : أحدهما جعفر أخي ، والآخر الخضر عليهماالسلام ، ومع كلّ واحد منهما سبعون صفّا من الملائكة ، في كلّ صفّ ألف ألف ملك(1) .
ص: 393
قال أبو الفضل التميمي :
سمعت منّي يسيرا من عجائبه
وكلّ أمر علي لم يزل عجبا
أدريت في ليلة سار الوصي إلى
أرض المدائن لمّا أن لها طلبا
فألحد الطهر سلمانا وعاد إلى
عراص يثرب والإصباح ما قربا
كآصف قبل ردّ الطرف من سبأ
بعرش بلقيس وافى تخرق الحجبا
في آصف لم تقل أأنت بلى
أنا بحيدر غال أورد الكذبا
إن كان أحمد خير المرسلين فذا
خير الوصيّين أو كلّ الحديث هبا
وقلت ما قلت من قول الغلاة فما
ذنب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا
* * *
وقد ذكرنا مصارعته مع إبليس ، وأخذه عند الحرم ، ومحاربته الجنّ عند وادي بني المصطلق ، وفي بئر ذات العلم ، وغير ذلك .
وقال الأديب العادي :
من كان صنو النبي غير علي
من غسل الطهر ثم واراها
من كان جبريل معه بل يقدمه
وكان ميكال وسط بيداها
من قاتل الجنّ في القليب ترى
من قلع الباب ثم أرداها
من شيل في المنجنيق ثم دحا
غير علي وقد تولاّها
وقد خطا في السماء مبتسما
ثم ملا حصنهم بقتلاها
حتى أدانوا واثبتوا جزعا
إنّ إله السماء مولاها
ص: 394
وقال ابن حماد :
حدّث بلا حرج عن الليث الذي
تفنى لهيبته الليوث وتخشع
حدّث ولا حرج عن البحر الذي
فيه عجائب كلّها مستبدع
كم كربة قد فرّجتها كفّه
عن وجه أحمد والقوارع تقرع
وبذكره عرج الأمين مناديا
في الأفق يجهر بالنداء ويصدع
لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى
إلاّ علي المستعدّ الأصلع
لو رام يذبل كاد يذبل رهبة
أو رام رضوى لانثنى يتضعضع
ما قام قائم سيفه في كفّه
إلاّ رأيت له الفوارس تركع
سيف مضاربه الغوارب ما له
إلاّ يد العالي علي مطلع
أسد فرائسه الفوارس في الوغى
وكذا حماه هو الحمى المتشرّع
* * *
ومن كثرة فضله وفرط معجزاته ما غلوا فيه ، ولولا مباينته لجميع الأمّة بالبينونة التي لا تلحق ، والفضيلة التي لا تدرك ، والأعجوبة التي لا تنال ، ما كان مخصوصا من الغلو ، والإفراط في القول .
قال شاعر :
يا ويل نصّابة الأنام لقد
تتابعوا في الضلال بل تاهوا
قاسوا عتيقا بحيدر سخنت
عيونهم بالذي به فاهوا
كم بين من شكّ في هدايته
وبين من قيل إنّه اللّه
ص: 395
ص: 396
ص: 397
ص: 398
ابن وهبان والفتاك : مضينا بغابة فإذا بأسد بارك في الطريق ، وأشباله خلفه ، فلويت بدابّتي لأرجع ، فقال عليه السلام : إلى أين ؟ أقدم يا جويرية بن مسهر ، إنّما هو كلب اللّه ، ثم قال : « ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها »
الآية ، فإذا بالأسد قد أقبل نحوه ، فتبصص بذنبه ، وهو يقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، يا ابن عمّ رسول اللّه ، فقال : وعليك السلام يا أبا الحارث ، ما تسبيحك ؟
فقال : أقول : سبحان من ألبسني المهابة ، وقذف في قلوب عباده منّي المخافة(1) .
الباقر عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام لجويرية بن مسهر ، وقد عزم على
الخروج : أما أنّه سيعرض لك في طريقك الأسد ، قال : فما الحيلة ؟ فقال : تقرأه السلام ، وتخبره أنّي أعطيتك منه الأمان .
فبينما هو يسير إذ أقبل نحوه أسد ، فقال ، يا أبا الحارث ، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يقرأك السلام ، وأنّه قد آمنني منك . قال : فولّى وهمهم خمسا .
ص: 399
فلمّا رجع حكى ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال عليه السلام : فإنّه قال لك : فاقرأ وصيّ محمد منّي السلام ، وعقد بيده خمسا(1) .
وذكر ذلك المفضل الشيباني نحو ذلك عن جويرية : ورأى أسدا أقبل نحوه يهمهم ، ويمسح برأسه الأرض ، فتكلّم معه بشيء ، فسئل عنه عليه السلام ، فقال : إنّه يشكو الحبل ، ودعا لي وقال : لا سلّط اللّه أحدا منّا على أوليائك(2) .
قال ابن عضد الدولة :
من كلّم الثعبان إذ كلّمه
والليث قد كلّمه ليث الشرى(3)
* * *
وقال آخر :
وجاءه الجانّ على منبر
الكوفة يسعى سعي مستأثر
* * *
وقال ابن علوية :
أو يعلمون وما البصير كذي العمى
تأويل آية قصّة الثعبان
إذ جاء وهو على مراتب منبر
يعطي العباد مبارك العيدان
فأسرّ نجواه إليه ولم يروا
من قبل ذاك مناجيا للجان
سأل الحكومة بين حزبي قومه
عنه ودان لحكمه الحزبان
ص: 400
عمرو بن حمزة العلوي في فضائل الكوفة : أنّه كان أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم في محراب جامع الكوفة ، إذ قام بين يديه رجل للوضوء ، فمضى نحو رحبة الكوفة يتوضأ ، فإذا بأفعى قد لقيه في طريقه ليلتقمه ، فهرب من بين يديه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فحدّثه بما لحقه في طريقه .
فنهض أمير المؤمنين عليه السلام حتى وقف على باب الثقب الذي فيه الأفعى ، فأخذ سيفه وتركه في باب الثقب ، وقال : إن كنت معجزة مثل عصى موسى فأخرج الأفعى ، فما كان إلاّ ساعة حتى خرج يسّاره ، ثم رفع رأسه إلى الأعرابي وقال : إنّك ظننت أنّي رابع أربعة لمّا قمت بين يدي ، فقال : هو صحيح ، ثم لطم على رأسه وأسلم .
قال الوراق :
علي مناجي الأفعوان وجيشه
حواليه من جاث إليه وجثم
* * *
في الإمتحان : عمار بن ياسر وجابر الأنصاري :
كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في البريّة ، فرأيته قد عدل عن الطريق فتبعته ، فرأيته ينظر إلى السماء ، ثم يتبسّم ضاحكا ، فقال : أحسنت أيّها الطير ، إذ صفرت بفضله .
ص: 401
فقلت له : مولاي أين الطير ؟ فقال : في الهواء ، تحبّ أن تراه وتسمع كلامه ؟ فقلت : نعم يا مولاي .
فنظر إلى السماء ، ودعا بدعاء خفي ، فإذا الطير يهوي إلى الأرض ، فسقط على يد أمير المؤمنين عليه السلام ، فمسح يده على ظهره ، فقال : انطق بإذن اللّه وأنا علي بن أبي طالب .
فأنطق اللّه الطير بلسان عربي مبين ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، فردّ عليه وقال له : من أين مطعمك ومشربك في هذه الفلاة القفراء التي لا نبات فيها ولا ماء ؟ فقال : يا مولاي ، إذا جعت ذكرت ولايتكم أهل البيت فأشبع ، وإذا عطشت فأتبرا من أعدائكم فأروى ، فقال : بورك فيك ، بورك فيك ، وطار .
مثل قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ »(1) .
قال الصاحب :
أفي الطير لمّا قد دعا فأجابه
وقد ردّه عنّي غبيّ موارب
أفي يوم خمّ إذ أشار بذكره
وقد سمع الإيصاء جاءٍ وذاهب
* * *
محمد بن وهبان الأزدي الديبلي في معجزات النبوة : عن البراء بن عازب في خبر عن أمير المؤمنين عليه السلام :
ص: 402
أنّه عبر في السماء خيط من الإوز طائرا على رأس أمير المؤمنين عليه السلام ، فصرصرن وصرخن ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قد سلّمن عليّ وعليكم .
فتغامز أهل النفاق بينهم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا قنبر ، ناد بأعلى صوتك : أيّها الإوز ، أجيبوا أمير المؤمنين وأخا رسول ربّ العالمين .
فنادى قنبر بذلك ، فإذا الطير ترفرف على رأس أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : قل لها : انزلن .
فلمّا قال لها رأيت الإوز ، وقد ضربت بصدورها إلى الأرض حتى صارت في صحن المسجد على أرض واحدة ، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام
يخطبها بلغة لا نعرفها ، وهن يلززن بأعناقهن إليه ويصرصرن .
ثم قال لهن : انطقن بإذن اللّه العزيز الجبار .
قال : فإذا هن ينطقن بلسان عربي مبين : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وخليفة ربّ العالمين . . الخبر .
وهذا كقوله تعالى « يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ »(1) .
علل الشرائع : عن علي بن حاتم القزويني بإسناده عن الأعمش عن إبراهيم بن علي بن أبي طالب :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خرج ذات يوم، فوقف على الفرات وقال: يا هناش ،
ص: 403
فاطلع الجرّي رأسه ، فقال له علي عليه السلام : من أنت ؟ قال : أنا من أمّة بني إسرائيل عرضت عليّ ولايتكم فلم أقبلها ، فمسخت جرّيا(1) .
المعجزات والروضة ودلائل ابن عقدة : أبو إسحاق السبيعي والحارث الأعور : رأينا شيخا باكيا وهو يقول : أشرفت على المائة ، وما رأيت العدل إلاّ ساعة ، فسئل عن ذلك ، فقال : أنا حجر الحميري ، وكنت يهوديا أبتاع الطعام ، قدمت يوما نحو الكوفة ، فلمّا سرت بالقبّة(2) بالمسجد فقدت حمري ، فدخلت الكوفة إلى الأشتر ، فوجّهني إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا رآني قال : يا أخا اليهود ، إنّ عندنا علم البلايا والمنايا ، وما كان وما يكون ، أخبرك أم تخبرني بماذا جئت ؟
فقلت : بل تخبرني ، فقال : اختلست الجنّ مالك في القبّة ، فما تشاء ؟ قلت : إن تفضّلت عليّ آمنت بك .
فانطلق معي حتى إذا أتى القبّة ، وصلّى ركعتين ، ودعا بدعاء ، وقرأ « يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ » الآية ، ثم قال : يا عبد اللّه ، ما هذا العبث ، واللّه ما على هذا بايعتموني وعاهدتموني ، يا معشر الجنّ .
ص: 404
فرأيت مالي يخرج من القبّة ، فقلت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، وأشهد أنّ عليا ولي اللّه ، ثم إنّي لمّا قدمت الآن وجدته مقتولاً .
قال ابن عقدة : إنّ اليهودي من سورات المدينة(1) .
قال الوراق القمّي :
علي دعا جنّا بكوفان ليلة
وقد سرقوا مال اليهودي عهرم
على نقض عهد أو بردّ متاعه
فردّوا عليه ماله لم يقسم
* * *
وحكى محمد بن الحنفية : إنقضاض غراب على خفّه ، وقد نزعه ليتوضأ وضوء الصلاة ، فإنساب فيه أسود ، فحمله الغراب حتى صار به في الجوّ ، ثم ألقاه فوقع منه الأسود ، ووقاه اللّه من ذلك(2) .
وفي الأغاني : أنّه قال المدائني : إنّ السيد الحميري وقف بالكناس وقال : من جاء بفضيلة لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام لم أقل فيها شعرا ، فله فرسي هذا وما عليّ .
فجعلوا يحدّثونه وينشدهم فيه ، حتى روى رجل عن أبي الرعل
المرادي : أنّه قدم أمير المؤمنين عليه السلام فتطهّر للصلاة ، فنزع خفّه ، فإنسابت
ص: 405
فيه أفعى ، فلمّا دعا ليلبسه إنقض غراب ، فحلّق به ثم ألقاه ، فخرجت الأفعى منه .
قال : فأعطاه السيد ما وعده ، وأنشأ يقول :
ألا يا قوم للعجب العجاب
لخفّ أبي الحسين وللحباب(1)
عدوّ من عداة الجنّ عبدبعيد في المرارة من صواب
كريه اللون أسود ذو بصيصحديد الناب أزرق ذو لعاب
أتى خفّا له فانساب فيهلينهش رجله منها بناب
فقضّ من السماء له عقابمن العقبان أو شبه العقاب
فطار به فحلّق ثم أهوىبه للأرض من دون السحاب
فصكّ بخفّه فانساب منهوولّى هاربا حذر الحصاب
فدوفع عن أبي حسن علينقيع سمامه بعد انسياب(2)
* * *
وله أيضا :
كمن في خفّ الوصي حيّة
سبسبها الراقي فيه بالحيل
فأرسل اللّه إليه ملكا
في صورة الطير الغداف المنحجل
فحلّق الخفّ وأحداق الورى
تراه في حجر الغداف معتقل
حتى هوى من جوفه نضاضة(3)
تنضح سمّا باللّعاب المنسدل
ص: 406
وقال الرضي :
أما في باب خيبر معجزات
تصدّق أو مناجاة الحباب
أرادت كيده واللّه يأبى
فجاء النصر من قبل الغراب
فطار به فحلّق ثم أهوى
يصكّ الأرض من دون السحاب
* * *
وقال الناشي :
ومن في خفّه طرح الأعادي
حبابا كي تلسعه الحباب
فحين أراد لبس الخفّ وافى
تمانعه من الخفّ الغراب
وطار به وأقلبه وفيه
حباب في الصعيد له انسياب
* * *
وقال ابن علوية :
كقصّة الأفعى التي في خفّه
كمنت ومنها تصرف النابان
رقشاء(1) تنفث بالسموم ضئيلة
صماء عادية لها قرنان
يدعى الحباب ولو تفهّم أمرهمن عابني تهوى الوصي شقاني
ماذا دعاه إلى الولوج لخيبةوضلالة في ذلك الشيخان
لمّا تيمّم لبسه ألوى بهفي الجوّ منقضّ من الغربان
حتى إذا ارتفعا به وتقلّباأهواه مثل مكابد حردان(2)
فهوى هوي الريح بين فروجهمتقطّعا قلقا على الصوان(3)
ص: 407
كتاب هواتف الجنّ : محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبد اللّه بن الحارث عن أبيه قال : حدّثني سلمان الفارسي في خبر :
كنّا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في يوم مطير ، ونحن ملتفّون(1) نحوه ، فهتف هاتف : السلام عليك يا رسول اللّه ، فردّ عليه السلام وقال : من أنت ؟
قال : عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح ، قال : إظهر لنا - رحمك اللّه - في صورتك .
قال سلمان : فظهر لنا شيخ أزب(2) أشعر ، قد لبس وجهه شعر غليظ متكاثف قد واراه ، وعيناه مشقوقتان طولاً ، وفمه في صدره ، فيه أنياب بادية طوال ، وأظفاره كمخالب السباع ، فقال الشيخ : يا نبي اللّه ابعث معي من يدعو قومي إلى الإسلام ، وأنا أردّه إليك سالما ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أيّكم يقوم معه ، فيبلّغ الجنّ عنّي ، وله الجنّة ؟ فلم يقم أحد ، فقال ثانية وثالثة ، فقال علي عليه السلام : أنا يا رسول اللّه .
فالتفت النبي صلى الله عليه و آله إلى الشيخ ، فقال : وافني إلى الحرّة في هذه الليلة أبعث معك رجلاً يفصل حكمي ، وينطق بلساني ، ويبلغ الجنّ عنّي .
قال : فغاب الشيخ ، ثم أتى في الليل ، وهو على بعير كالشاة ، ومعه بعير آخر كارتفاع الفرس ، فحمل النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام عليه ، وحملني خلفه ،
ص: 408
وعصب عيني وقال : لا تفتح عينيك حتى تسمع عليا عليه السلام يؤذن ، ولايروعك
ماترى ، فإنّك آمن ، فسار البعير ، فدفع سائرا يدفّ كدفيف النعام ، وعلي عليه السلام يتلو القرآن .
فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر أذّن علي عليه السلام ، وأناخ البعير ، وقال : إنزل يا سلمان ، فحللت عيني ونزلت ، فإذا أرض قوراء(1) ، فأقام الصلاة وصلّى بنا ، ولم أزل أسمع الحسّ ، حتى إذا سلّم علي عليه السلام إلتفت ، فإذا خلق عظيم ، وأقام علي عليه السلام يسبّح ربّه حتى طلعت الشمس ، ثم قام خطيبا ، فخطبهم ، فاعترضته مردة منهم ، فأقبل علي عليه السلام فقال : أبالحقّ تكذّبون ؟ وعن القرآن تصدفون ؟ وبآيات اللّه تجحدون ؟
ثم رفع طرفه إلى السماء ، فقال : اللّهم بالكلمة العظمى ، والأسماء الحسنى ، والعزائم الكبرى ، والحيّ القيوم ، ومحيي الموتى ، ومميت الأحياء ، وربّ الأرض والسماء ، يا حرسة الجنّ ، ورصدة الشياطين ، وخدّام اللّه ، الشرهاليين ، وذوي الأرحام الطاهرة ، اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ ، والشهاب الثاقب ، والشواظ المحرق ، والنحاس القاتل ، بكهيعص والطواسين والحواميم ويس و« ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ »والذاريات
« وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » « وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ »والأقسام العظام ، ومواقع النجوم ، لمّا أسرعتم الإنحدار إلى المردة المتولّعين المتكبّرين الجاحدين آثار ربّ العالمين .
ص: 409
قال سلمان : فأحسست بالأرض من تحتي ترتعد ، وسمعت في الهواء دويّا شديدا ، ثم نزلت نار من السماء صعق كلّ من رآها من الجنّ ، وخرّت على وجوهها مغشيّا عليها ، وسقطت أنا على وجهي .
فلمّا أفقت إذا دخان يفور من الأرض ، فصاح بهم علي عليه السلام : ارفعوا رؤوسكم ، فقد أهلك اللّه الظالمين .
ثم عاد إلى خطبته ، فقال :
يا معشر الجنّ والشياطين والغيلان وبني شمراخ وآل نجاح وسكّان الآجام والرمال والقفار وجميع شياطين البلدان ، إعلموا أنّ الأرض قد ملئت عدلاً كما كانت مملؤة جورا ، هذا هو الحقّ ، « فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ » .
فقالوا : آمنا باللّه ورسوله وبرسول رسوله .
فلمّا دخلنا المدينة ، قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : ماذا صنعت ؟
قال : أجابوا وأذعنوا ، وقصّ عليه خبرهم ، فقال : لا يزالون كذلك هائبين إلى يوم القيامة(1) .
قال ابن حماد :
وليلة الجنّ مضى
وبينهم أمضى القضا
حتى إذا الفجر أضا
أقبل محمود السرى
* * *
ص: 410
وقال الزاهي :
من هبط الجبّ ولم يخش الردى
والماء منحل السقاء فجاسه
من أحرق الجنّ برجم شهبه
أشوظه يقدمها نحاسه
حتى انثنت لأمره مذعنة
ومنهم بالعوذ احتراسه
* * *
وقال الوراق القمّي :
علي دعى الجنّ في أرض يثرب
على دين ذي الآلاء حي هلمم
علي فرى يوم القليب بسيفه
جماجم كفار لهاميم ظلّم(1)
* * *
وحدّثني أبو منصور بإسناده ، والأصفهاني بإسناده إلى رجل قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب بصفين ، فرأيت بعيرا من إبل الشام جاء ، وعليه راكبه وثقله ، فألقى ما عليه ، وجعل يتخلّل الصفوف حتى انتهى إلى علي عليه السلام ، فوضع مشفره ما بين رأس علي
عليه السلام ومنكبه ، وجعل يحرّكها بجرانه(2) ، فقال علي عليه السلام : واللّه إنّها لعلامة بيني وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فجدّ الناس في ذلك اليوم ، واشتدّ قتالهم(3) .
ص: 411
وحدّثني أبو العزيز كادش العكبري بإسناد أورده : إنّ رجلاً من ناحية آذربيجان كان له إبلاً قد استصعبت عليه ، فجاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخبره بذلك وشكا إليه ، فقال عليه السلام : إذا انصرفت فصر إلى الموضع الذي هي فيه ، وقل : اللّهم إنّي أتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة ، وأهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين ، اللّهم فذلّل لي صعوبتها وحرانها ، واكفني شرّها ، فإنّك الكافي المعافي ، والغالب القاهر ، فانصرف الرجل .
فلمّا كان من قابل عاد ومعه جملة من أثمانها قد حمله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال عليه السلام له : إنّها لمّا صرت إليها جاءتك لائذة خاضعة ذليلة ، فأخذت بنواصيها واحدا فواحدا ! قال : صدقت يا أمير المؤمنين ، كأنّك كنت حاضرا معي ، فتفضّل عليّ بقبول ما جئتك به ، فقال : إمض راشدا ، بارك اللّه لك فيه ، فبورك للرجل في ماله حتى ضاق عليه رحاب بلده(1) .
وفي حديث عمار : لمّا أرسل النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى مدينة عمان في قتال الجلندي بن كركرة ، وجرى بينهما حربا عظيما ، وضربا وجيعا ، دعا الجلندي بغلام يقال له « الكندي » ، وقال له : إن أنت خرجت إلى
ص: 412
صاحب العمامة السوداء والبغلة الشهباء ، فتأخذه أسيرا ، أو تطرحه مجدّلاً عفيرا ، أزوّجك ابنتي التي لم أنعم لأولاد الملوك بزواجها .
فركب الكندي الفيل الأبيض ، وكان مع الجلندي ثلاثون فيلاً ، وحمل بالأفيلة والعسكر على أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا نظر الإمام عليه السلام إليه نزل عن بغلته ، ثم كشف عن رأسه ، فأشرقت الفلاة طولاً وعرضا ، ثم ركب ودنا من الأفيلة ، وجعل يكلّمها بكلام لا يفهمه الآدميون ، وإذا بتسعة وعشرين فيلاً قد دارت رؤوسها ، وحملت على عسكر المشركين ، وجعلت تضرب فيهم يمينا وشمالاً ، حتى أوصلتهم إلى باب عمان ، ثم رجعت وهي تتكلّم بكلام يسمعه الناس : يا علي ، كلّنا نعرف محمدا صلى الله عليه و آله ، ونؤمن بربّ محمد صلى الله عليه و آله ، إلاّ هذا الفيل الأبيض ، فإنّه لا يعرف محمدا صلى الله عليه و آله ولا آل محمد عليهم السلام .
فزعق الإمام زعقته المعروفة عند الغضب المشهورة ، فارتعد الفيل ووقف ، فضربه الإمام بذي الفقار ضربة رمى رأسه عن بدنه ، فوقع الفيل إلى الأرض كالجبل العظيم ، وأخذ الكندي من ظهره .
فأخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه و آله ، فارتقى على السور ، فنادى : أبا الحسن ، هبه لي ، فهو أسيرك ، فأطلق علي عليه السلام سبيل الكندي ، فقال : يا أبا الحسن ، ما حملك على إطلاقي ؟ قال : ويلك ، مدّ نظرك .
فمدّ عينيه ، فكشف اللّه عن بصره ، فنظر النبي صلى الله عليه و آله على سور المدينة وصحابته ، فقال : من هذا يا أبا الحسن ؟ فقال : سيدنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال : كم بيننا وبينه ؟ قال : مسيرة أربعين يوما .
ص: 413
فقال : يا أبا الحسن ، إنّ ربّكم عظيم ، ونبيّكم نبي كريم ، مدّ يدك ، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه .
وقتل علي عليه السلام الجلندي ، وغرق في البحر منهم خلقا كثيرا ، وقتل منهم كذلك ، وأسلم الباقون ، وسلّم الحصن إلى الكندي ، وزوّجه بابنة الجلندي ، وأقعد عندهم قوما من المسلمين يعلّموهم الفرائض .
وفي حديث صالح بن سماعة الطائي : أنّه قال أعرابي - أتاه من تيم مع القارصي - بعد ما سأله مسائل : إنّي قدمت بابن لي ألتمس له جملاً من العلم ، فلقّنه خبرا .
قال عليه السلام : ادن يا غلام ، قال الغلام : فأمدّ يده على ذؤابتيه ، فلا أنسى برد جهضتها على أم دماغيه ، قال لي : أتعلم ؟ قلت : بأبي ، وما أعلم ؟
قال : من ربّك ؟ قلت : اللّه ربّي .
قال : من نبيك ؟ قلت : محمد صلى الله عليه و آله .
قال : فأين قبلتك ؟ قلت : ها هي ذه تجاهيه ، وأومأت إلى الكعبة .
قال لي : أجب الصلاة إذا غربت في اليوباء ، واذكر ربّك ناشيا ، وإن ركبت الجلعباء ، ثم تركني .
فنهضت مع أبيه حتى قدمنا الحي ، وما شيء أحبّ إليّ من الصلاة .
ثم سألت عن القارصي ، قال : ذاك علي بن أبي طالب .
ص: 414
وأخذ عليه السلام البيعة على الجنّ بوادي العقيق بأن لا يظهروا في رحالتنا وجواد المسلمين ، وقضى منه ومن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وضلّت مائة ناقة حمراء تنظر في سواد ، وترعى في سواد ، فشكت الجنّ مأكلهم ، فقال : أوليس قد أبحت لكم النثيل(1) والعظام ، قالوا : يا أمير
المؤمنين ، على أن لا يستجمر بها ، فقال : لكم ذلك ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، فإنّ الشمس تضرّ بأطفالنا .
فأمر أمير المؤمنين عليه السلام الشمس أن ترجع ، فرجعت ، وأخذ عليها العهد أن لا تضرّ بأولاد المؤمنين من الجنّ والإنس .
ومنه حديث الملك الذي تضمّن كلمة ابن حماد ، وهي :
ولقد غدا يوما إلى الهادي إذا
بالباب معترضا شجاع أقرع(2)
فسعى إلى مولاي يلحس ثوبه
كالمستجير به يلوذ ويضرع
حتى إذا بصر النبي بكمّه
ويذوده بالرفق عنه ويدفع
ناداه رفقا يا علي فإنّ ذا
ملك له من ذي المعارج موضع
أخطا فاهبط من علو مكانه
فأتى بجاهك شافعا يستشفع
ص: 415
فادع الإله له ليغفر ذنبه
واشفع فإنّك شافع ومشفّع
فدعا علي والنبي وأخلصا
فعلا الشجاع يصيح وهو مجعجع
للّه من عبدين ليس لربّنا
عبدان أوجه منهما أو أطوع
* * *
وله أيضا :
ومن ناجاه ثعبان عظيم
بباب الطهر ألقته السحاب
رآه الناس فانجفلوا برعب
وأغلقت المسالك والرحاب
فلمّا أن دنا منه علي
تدانى الناس وانحشد الحباب
فكلّمه علي مستطيلاً
فأقبل لا يخاف ولا يهاب
ورنا رنّة وأنساب فيه
يقول وقد تستره الثياب
أنا ملك مسخت وأنت مولى
دعاؤك إن مننت به عجاب
أتيتك تائبا فاشفع إلى من
إليه من جنايتي المتاب
فأقبل داعيا وأتى أخوه
يؤمن في الدعاء له انسكاب
فلمّا أن أجيب أظلّ يعلو
كما يعلو لدى الجوّ العقاب
نبته بريش طاووس عليه
جواهر زانها التبر المذاب
يقول لقد نجوت بأهل بيت
بهم يصلى لظى وبهم يثاب
* * *
وقال الصنوبري :
وشافع الملك الراجي شفاعته
إذ جاءه ملك في خلق ثعبان
* * *
ص: 416
وقال ابن مكي :
ألم تبصروا الثعبان مستشفعا به
إلى اللّه والمعصوم يلحسه لحسا
فعاد كطاووس يطير كأنّه
تعشرم في الأملاك فاستوجب الحبسا
* * *
تفسير أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام : لمّا ناظرت اليهود عليا عليه السلامفي
النبوة نادى جمال اليهود : أيّتها الجمال ، إشهدي لمحمد ووصيه ، فنطقت جمالهم وثيابهم كلّها : صدقت يا علي ، إنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإنّك - يا علي - حقّا وصيّه ، فآمن بعضهم ، وخزي آخرون .
فنزل « الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ » الكتاب أمير المؤمنين عليه السلام ، والمتّقين شيعته(1) .
أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن علي عليه السلام
بالإسناد عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله تعالى « إِنّا عَرَضْنَا
ص: 417
الأَمانَةَ » عرض اللّه أمانتي على السماوات السبع بالثواب والعقاب ، فقلن : ربّنا لا تحمّلنا(1) بالثواب والعقاب ، لكنّا نحملها بلا ثواب ولا عقاب .
وإنّ اللّه عرض أمانتي وولايتي على الطيور ، فأوّل من آمن بها البزاة البيض والقنابر ، وأوّل من جحدها البوم والعنقا ، فلعنهما اللّه - تعالى - من بين الطيور ، فأمّا البوم (2) فلا تقدر أن تظهر بالنهار لبغض الطير لها ، وأمّا العنقا ، فغابت في البحار لا ترى .
ص: 418
وإنّ اللّه عرض أمانتي على الأرضين ، فكلّ بقعة آمنت بولايتي جعلها طيبة زكية ، وجعل نباتها وثمرها حلوا عذبا ، وجعل ماؤها زلالاً ، وكلّ بقعة جحدت إمامتي ، وأنكرت ولايتي جعلها سبخا ، وجعل نباتها مرّا علقما ، وجعل ثمرها العوسج والحنظل ، وجعل ماءها ملحا أجاجا .
ثم قال : ( وَحَمَلَهَا الإِنْسانُ » يعني : أمّتك - يا محمد - ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وإمامته بما فيها من الثواب والعقاب « إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً »
لنفسه « جَهُولاً » لأمر ربّه ، من لم يؤدّها بحقّها فهو ظلوم غشوم .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق ولد حرام .
والطيور المختارة عندنا خمس : الراعبي ، والورشان ، والقنبرة ، والهدهد ، والبوم ، والسبب في سكونها الخراب أنّه لمّا قتل الحسين عليه السلام درأت عليه وقالت : لا سكنت بين قوم يقتلون ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ودخلت الخراب(1) .
ص: 419
قيل :
يا بومة القبّة الخضراء قد أنست
روحي بقربك إذ يستبشع البوم
ويا مثيرة أشجاني بنغمتها
حاشاك ما فيك تشويه ولا شوم
زهدت في زخرف الدنيا فأسكنك
الزهد الخراب فمن يذممك مذموم
ففي جبينك في وقت الظلام وقد
نام الأنام دليل الشوق مرسوم
* * *
تاريخ البلاذري قال أبو سحيلة : مررت أنا وسلمان بالربذة على أبي ذر ، فقال : إنّه سيكون فتنة ، فإن أدركتموها فعليكم بكتاب اللّه وعلي بن أبي طالب ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : علي أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو يعسوب المؤمنين(1) .
وقال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي أنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين(2) .
أغاني أبي الفرج في حديث : إنّ المعلّى بن طريف قال : ما عندكم في قوله تعالى « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » ؟
فقال بشار : النحل المعهود ؟
ص: 420
قال : هيهات يا أبا معاذ ، النحل بنو هاشم « يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ » يعني العلم(1) .
قال الرضا عليه السلام في هذه الآية : قال النبي صلى الله عليه و آله : علي أميرها ، فسمّي أمير النحل(2) .
ويقال : إنّ النبي صلى الله عليه و آله وجّه عسكرا إلى قلعة بني ثعل ، فحاربهم أهل القلعة حتى نفذت أسلحتهم ، فأرسلوا إليهم كوار النحل ، فعجز عسكر النبي صلى الله عليه و آله عنها ، فجاء علي عليه السلام ، فذلّت النحل له ، فلذلك سمّي أمير النحل(3) .
وروي : أنّه وجد في غار نحل ، فلم يطيقوا به ، فقصده علي عليه السلام وشال(4) منه عسلاً كثيرا ، فسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمير النحل واليعسوب .
ويقال : هو يعسوب الآخرة ، وهذا في الشرف في أقصى ذروته ، واليعسوب ذكر النحل وسيّدها ، ويتبعه سائر النحل .
قال أبو حنيفة الدينوري : متى عجز اليعسوب عن الطيران حملته النحل حملاً ، وبقية النحل لا تعسل بعده ، وجعل يطير في وجه الأرض(5) .
قال السروجي :
والنحل أضحى لعلي طائعا
ممتثلاً لأمره لمّا انزجر
ص: 421
والصحيح أنّه أنزل اللّه - تعالى - الملائكة النحليين ، فكان أميرهم .
قال العوني :
علي أمير النحل والنحل جنده
فهل لك علم بالأمير وبالنحل
* * *
وقال الوراق :
علي وبيت اللّه آية أحمد
ويعسوب دين المؤمن المتحرّم
* * *
وقال الصاحب :
أيعسوب دين اللّه صنو نبيه
ومن حبّه فرض من اللّه واجب
مكانك من فوق الفراقد لائح
ومجدك من أعلى السماك مراقب
وسيفك في جيد الأعالي قلائدا
قلائد لم يعكف عليهن ثاقب
* * *
ص: 422
ص: 423
ص: 424
روى أبو بكر بن مردويه في المناقب ، وأبو إسحاق الثعلبي في تفسيره : وأبو عبد اللّه النطنزي في الخصائص ، والخطيب في الأربعين ، وأبو أحمد الجرجاني في تاريخ جرجان ردّ الشمس لعلي عليه السلام .
ولأبي بكر الوراق كتاب طرق من روى ردّ الشمس ، ولأبي عبد اللّه الجعل مصنف في جواز ردّ الشمس ، ولأبي القاسم الحسكاني مسألة في تصحيح ردّ الشمس وترغيم النواصب الشمس ، ولأبي الحسن الشاذان كتاب بيان ردّ الشمس على أمير المؤمنين(1) .
وذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه بالإسناد - عن شعبة عن قتادة عن الحسن البصري عن أمّ هاني - هذا الحديث مستوفى .
ص: 425
ثم قال : قال الحسن عقيب هذا الخبر : وأنزل اللّه - عزّ وجلّ - آيتين في ذلك :
قوله تعالى « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً » يعني هذا يخلف هذا لمن أراد أن يذكر فرضا ، أو نام عليه ، أو أراد شكورا .
وأنزل أيضا : « يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ » .
وذكر أنّ الشمس ردّت عليه مرارا : الذي رواه سلمان ، ويوم البساط ، ويوم الخندق ، ويوم حنين ، ويوم خيبر ، ويوم قرقيساء(1) ، ويوم براثا ، ويوم الغاضرية ، ويوم النهروان ، ويوم بيعة الرضوان ، ويوم صفين ، وفي النجف ، وفي بني مازر ، وبوادي العقيق ، وبعد أحد ، وروى الكليني في الكافي أنّها رجعت بمسجد الفضيخ من المدينة(2) .
وأمّا المعروف مرّتان : في حياة النبي صلى الله عليه و آله بكراع الغميم(3) ، وبعد وفاته ببابل .
ص: 426
فأمّا في حال حياته صلى الله عليه و آله : ما روت أم سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وجابر الأنصاري ، وأبو ذر ، وابن عباس ، والخدري ، وأبو هريرة ، والصادق عليه السلام :
إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى بكراع الغميم ، فلمّا سلّم نزل عليه الوحي ، وجاء علي عليه السلام ، وهو على ذلك الحال ، فأسنده إلى ظهره ، فلم يزل على تلك الحال حتى غابت الشمس ، والقرآن ينزل على النبي صلى الله عليه و آله .
فلمّا تمّ الوحي قال : يا علي ، صلّيت ؟ قال : لا ، وقصّ عليه ، فقال : ادع ليردّ اللّه عليك الشمس ، فسأل اللّه ، فردّت عليه بيضاء نقية .
وفي رواية أبي جعفر الطحاوي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اللّهم إنّ عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك ، فاردد عليه الشمس ، فردّت ، فقام علي عليه السلام
وصلىّ ، فلمّا فرغ من صلاته وقعت الشمس ، وبدت(1) الكواكب(2) .
وفي رواية أبي بكر مهرويه : قالت أسماء : أما - واللّه - لقد سمعنا لها عند غروبها صريرا كصرير المنشار في الخشب(3) .
ص: 427
قال : وذلك بالصهباء في غزاة خيبر(1) .
وروي : أنّه صلّى إيماء ، فلمّا ردّت الشمس أعاد الصلاة بأمر رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
وسئل الصاحب أن ينشد في ذلك ، فأنشأ :
لا تقبل التوبة من تائب
إلاّ بحبّ ابن أبي طالب
أخي رسول اللّه بل صهره
والصهر لا يعدل بالصاحب
يا قوم من مثل علي وقد
ردّت عليه الشمس من غائب(3)
* * *
وقال المفجع البصري :
وعلي إذ نال رأس رسول
اللّه من حجره وسادا وطيّا
إذ يخال النبي لمّا أتاه
الوحي مغمى عليه أو مغشيّا
فتراخت عنه الصلاة ولم يوقظه
إلى أن كان شخصه منحيّا
فدعا ربّه فأنجزه الميعاد
من كان وعده مأتيّا
قال هذا أخي بحاجة ربّي
لم يزل شطر يومه مغشيّا
فاردد الشمس كي يصلّي في ال
وقت فعاد العشي بعد مضيّا
* * *
ص: 428
وقال الحميري :
ردّت عليه الشمس لمّا فاته
وقت الصلاة وقد دنت للمغرب
حتى تبلج نورها في أفقها
للعصر ثم هوت هوي الكوكب
وعليه قد ردّت ببابل مرّة
أخرى وما ردّت لخلق معرب
إلاّ ليوشع أو له من بعده
ولردّها تأويل أمر معجب
* * *
وله أيضا :
فلمّا قضى وحي النبي دعا له
ولم يك صلّى العصر والشمس تنزع
فردّت عليه الشمس بعد غروبها
فصار لها في أوّل الليل مطلع
* * *
وله أيضا :
علي عليه ردّت الشمس مرّة
بطيبة يوم الوحي بعد مغيب
وردّت له أخرى ببابل بعد
ما أفت(1) وتدلّت عينها لغروب
* * *
وقال ابن حماد :
قرن الإله ولائه بولائه
لمّا تزكّى وهو حان يركع
ص: 429
سمّاه ربّ العرش نفس محمد
يوم البهال وذاك ما لا يدفع
فالشمس قد ردّت عليه بخيبر
وقد ابتدت زهر الكواكب تطلع
وببابل ردّت عليه ولم يكن
واللّه خير من علي يوشع
* * *
وقال علي بن أحمد :
وغدير خم ليس ينكر فضله
إلاّ زنيم فاجر كفار
من ذا عليه الشمس بعد مغيبها
ردّت ببابل نبئن(1) يا حار
وعليه قد ردّت ليوم المصطفىيوما وفي هذا جرت أخبار
حاز الفضائل والمناقب كلّهاأنّى يحيط بمدحه الأشعار
* * *
وأمّا بعد وفاته عليه السلام : ما روى جويرية بن مسهر ، وأبو رافع ، والحسين بن علي عليه السلام :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا عبر الفرات ببابل صلّى بنفسه في طائفة معه العصر ، ثم لم يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت الشمس ، وفات صلاة العصر من الجمهور ، فتكلّموا في ذلك ، فسأل اللّه - تعالى - ردّ الشمس عليه ، فردّها عليه .
ص: 430
فكانت في الأفق ، فلمّا سلّم القوم غابت ، فسمع لها وجيب شديد هال الناس ذلك ، وأكثروا التهليل والتسبيح والتكبير(1) .
ومسجد الشمس(2) بالصاعدية من أرض بابل شائع ذائع .
وعن ابن عباس بطرق كثيرة : أنّه لم تردّ الشمس إلاّ لسليمان وصي داود ، وليوشع وصي موسى ، ولعلي بن أبي طالب وصي محمد(3) صلوات اللّه عليهم أجمعين .
قال قدامة السعدي :
ردّ الوصي لنا الشمس التي غربت
حتى قضينا صلاة العصر في مهل
لا أنسه حين يدعوها فتتبعه
طوعا بتلبية هاها على عجل
فتلك آيته فينا وحجّته
فهل له في جميع الناس من مثل
أقسمت لا أبتغي يوما به بدلاً
وهل يكون لنور اللّه من بدل
حسبي أبو حسن مولى أدين به
ومن به دان رسل اللّه في الأول
* * *
ص: 431
وقال العوني :
ولا تنس يوم الشمس إذ رجعت له
بمنتشر وادي من النور ممتع
فذلك بالصهبا وقد رجعت له
ببابل أيضا رجعة المتطوّع
* * *
وقال ابن حماد :
وردّت لك الشمس في بابل
فساميت يوشع لمّا سمى
ويعقوب ما كان أسباطه
كنجليك سبطي نبي الهدى
* * *
وقال السروجي :
والشمس لم تعدل بيوم بابل
ولا تعدّت أمره حين أمر
جاءت صلاة العصر والحرب على
ساق فأومى نحوها ردّ النظر
فلم تزل واقفة حتى قضى
صلاته ثم هوت نحو المقر
* * *
وقال غيره :
من لم تردّ الشمس بعد نبيّه
إلاّ له بعد الحجاب المسدل
وببابل والقوم فرض دونه
يتقارعون على ورود المنهل
للّه معجزة أتت لولّيه
بين الملأ بعد النبي المرسل
* * *
ص: 432
فأمّا طعن الملاحدة أنّ ذلك يبطل الحساب والحركات .
فيجاب : بأنّ اللّه - تعالى - ردّها وردّ معها الفلك ، فلا يختلف الحساب والحركات .
أو يقول بردّها ثم يحدث فيها من السير ما يظهر ، وتلحق بموضعها ، ولا يظهر على الفلك ، وذلك يبني على حدوث العالم وإثبات المحدث .
وأمّا إعتراض ابن فورك في كتاب الفصول من تعليق الأصول : أنّه لو كان ذلك صحيحا لرآه جميع الناس في جميع الأقطار ، فالإنفصال منه بما أجيب عنه من إعترض على انشقاق القمر للنبي صلى الله عليه و آله .
قال السيد الرضي :
ردّت عليه الشمس يحدث ضوؤها
صبحا على بعد من الإصباح
من قاس ذا شرف به فكأنّما
وزن الجبال القود بالأشياح(1)
* * *
وقال ابن الحجّاج :
سيدي الذي رجعت له
شمس النهار كما أمر
ودعا فطار به البساط
كما روينا في الخبر
ص: 433
وقال ابن حماد :
يا إماما ما له إلاّ رسول اللّه شكل
لم يزل شأنك عند اللّه يعلو ويجلّ
وعليك الشمس ردّت ودجى الليل مطلّ
* * *
وله أيضا :
ردّت له الشمس وهو شان
لو علم الناس أيّ شان
* * *
وقال كشاجم :
ومن ردّ خالقنا شمسه
عليه وقد جنحت للطّفل(1)
ولو لم تعد كان في رأيهوفي وجهه من سناها بدل
* * *
وقال الحماني :
ابن(2) الذي ردّت عليه
الشمس في يوم الحجاب
ابن القسيم النار في يوم المواقف والحساب
مولاهم يوم الغديربرغم مرتاب وآب
* * *
ص: 434
وقال الصنوبري :
ردّت له الشمس في أفلاكها فقضى
صلاته غير ما ساه ولا وان
* * *
وقال العوني :
ذاك الذي رجعت شمس النهار له
بعد الأفول كأنّ الشمس لم تغب
* * *
وله أيضا :
إمامي كليم الشمس بعد غروبها
فردّت له من بعدما غربت عصرا
* * *
وله أيضا :
إنّي أنا عبد لمن ردّت له
شمس الضحى عند الغروب فانحرف
ردّت له حتى أقام فريضة
للظهر صلّى والضيا لم ينكشف
* * *
وقال الصاحب :
كان النبي مدينة العلم التي
حوت الكمال وكنت أفضل باب
ردّت عليك الشمس وهي فضيلة
ظهرت فلم تستر بكفّ نقاب
* * *
ص: 435
وله أيضا :
أوّل الناس صلاة
جعل التقوى جلاها
ردّت الشمس عليه
بعد ما غاب سناها
* * *
وقال الأصفهاني :
أمن عليه الشمس ردّت بعدما
كسى الظلام معاطف الجدران
حتى قضى ما فات من صلواته
في دبر يوم مشرق ضحيان
والناس من عجب رأوه وعاينوا
يترجّحون ترجّح السكران
ثم انثنت لمغيبها منحطّة
كالسهم طار بريشة الظهران(1)
* * *
وقال الحميري :
أمّ من عليه الشمس كرّت بعد ما
غربت وألبسها الظلام شعارا
حتى تلافى العصر في أوقاتها
واللّه آثره بها إيثارا
تمّت توارت بالحجاب حثيثة
جعل الإله لسيرها مقدارا
* * *
وقال أبو الفضل الإسكافي :
من ذا له شمس النهار تراجعت
بعد الأفول وقد تقضّى المطلع
ص: 436
حتى إذا صلّى الصلاة لوقتها
أفلت ونجم عشا الأخيرة تطلع
في دون ذلك للأنام كفاية
من فضله ولدى البصيرة مقنع
* * *
وقال ابن رزيك :
من ردّت الشمس من بعد المغيب له
فأدرك الفضل والأملاك تشهده
* * *
وقال ابن الرومي :
وله عجائب يوم سار بجيشه
يبغي لقصد النهروان المخرجا
ردّت عليه الشمس بعد غروبها
بيضاء تلمع وقدة وتأجّجا
* * *
وقال غيره :
من له آخى النبي المصطفى
يوم خمّ بالوفا دون الإهال
وله معجزة مشهورة
حين ردّ الشمس من بعد الزوال
* * *
وقال آخر :
لا ومن أمري ونهي
وحيائي في يديه
لا تواليت سوى من
ردّت الشمس عليه
* * *
ص: 437
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر قال : كلّمت الشمس علي بن أبي طالب عليهماالسلام سبع مرات :
فأوّل مرّة : قالت له : يا إمام المسلمين ، اشفع لي إلى ربّي أن لا يعذّبني .
والثانية : قالت له : مرني أحرق مبغضيك ، فإنّي أعرفهم بسيماهم .
والثالثة : ببابل ، وقد فاتته العصر ، فكلّمها ، وقال لها : ارجعي إلى موضعك ، فأجابته بالتلبية .
والرابعة : قال : يا أيّتها الشمس ، هل تعرفين لي خطيئة ؟ قالت : وعزّة ربّي ، لو خلق اللّه الخلق مثلك لم يخلق النار .
والخامسة : فإنّهم اختلفوا في الصلاة في خلافة أبي بكر ، فخالفوا عليا عليه السلام ، فتكلّمت الشمس ظاهرة ، فقالت : الحقّ له وبيده ومعه ، سمعته قريش ومن حضره .
والسادسة : حين دعاها فأتته بسطل من ماء الحياة ، فتوضأ للصلاة ، فقال لها : من أنت ؟ فقالت : أنا الشمس المضيئة .
والسابعة : عند وفاته ، حين جاءت وسلّمت عليه ، وعهد إليها وعهدت إليه(1) .
وحدّثني ابن شيرويه الديلمي وعبدوس الهمداني والخطيب الخوارزمي
ص: 438
من كتبهم ، وأجازني جدّي الكيا شهرآشوب ومحمد الفتال من كتب أصحابنا نحو ابن قولويه ، والكشّي والعبدكي عن سلمان وأبي ذر وابن عباس وعلي بن أبي طالب عليه السلام :
أنّه لمّا فتح مكة وانتهيا إلى هوازن قال النبي صلى الله عليه و آله : قم يا علي ، وانظر كرامتك على اللّه ، كلّم الشمس إذا طلعت .
فقام علي عليه السلام فقال : السلام عليك أيّها العبد الدائب في طاعة اللّه ربّه ، فأجابته الشمس وهي تقول : وعليك السلام ، يا أخا رسول اللّه ووصيّه وحجّة اللّه على خلقه .
فانكب علي عليه السلام ساجدا شكرا للّه - تعالى - ، فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقيمه ويمسح وجهه ، وقال : قم يا حبيبي ، فقد أبكيت أهل السماء من بكائك ، وباهى اللّه بك حملة عرشه .
ثم قال صلى الله عليه و آله : الحمد للّه الذي فضّلني على سائر الأنبياء ، وأيّدني بوصيّه سيد الأوصيّاء ، ثم قرأ «وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً »(1) الآية .
قال الناشي :
مكلّم الشمس بما
قال لها ربّ السما
تسمع منه الكلما
وهي له تقاول
* * *
ص: 439
وقال العوني :
إمامي كليم الشمس راجع نورها
فهل لكليم الشمس في القوم من مثل
* * *
وقال ابن حماد :
فردّ حين أظلمت
شمس الضحى وسلّمت
عليه إذ تكلّمت
بكلّ ما يجلو الغشا
* * *
وله أيضا :
ورجعت الشمس حين تكلّمت
وأبدت من أسماء الإمام حامها
* * *
وله أيضا :
من كلّمته الشمس لمّا سلّمت
جهرا عليه وكلّ شيء يسمع
يا أولاً يا آخرا يا ظاهرا
يا باطنا في الحجب سرّا مودع
* * *
وقال ابن هاني المغربي :
والشمس حاسرة القناع وودّها
لو تستطيع الأرض التقبيلا
وعلي أمير المؤمنين غمامة
نشأت تظلّل تاجه تظليلا
ومديرها من حيث شاء وطالما
زاحت تحت ظلاله جبريلا
* * *
ص: 440
ومنه ما تضمن كلمة ابن حماد :
روي عن ميثم التمار
في مسنده الأكبر
بأنّ الشمس لم تطلع
لنا عشرا ولم تظهر
فجئنا نسأل المرسل
ما للشمس لم تظهر
فقال المصطفى
أخبركم يا أيّها المعشر
علي كان بالعتب
على فاطم مستشعر
فغابت عنكم الشمس
رضاء للفتى حيدر
فلمّا أن رضى عادت
ولو لم يرض لم تظهر(1)
* * *
وأصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر ، ففزع إلى علي عليه السلام أصحابه ، فقعد علي عليه السلام على تلعة وقال : كأنّكم قد هالكم ، وحرّك شفتيه ، وضرب الأرض بيده .
ثم قال : ما لك ؟ اسكني ، فسكنت .
ثم قال : أنا الرجل الذي قال اللّه تعالى « إِذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزالَها »
ص: 441
الآيات ، فأنا الإنسان الذي أقول لها : ما لك ؟ « يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها »
إياي تحدّث(1) .
وفي خبر آخر أنّه قال : لو كانت الزلزلة التي ذكرها اللّه في كتابه لأجابتني ، ولكنّها ليست بتلك(2) .
وفي رواية سعيد بن المسيب وعباية بن ربعي : أنّ عليا عليه السلام ضرب الأرض برجله ، فتحرّكت ، فقال : اسكني ، فلم يأن لك ، ثم قرأ « يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها »(3) .
شكا أبو هريرة إلى أمير المؤمنين عليه السلام شوق أولاده ، فأمره عليه السلام بغضّ الطرف ، فلمّا فتحها كان في المدينة في داره ، فجلس فيها هنيئة ، فنظر إلى علي عليه السلام في سطحه وهو يقول : هلمّ ننصرف ، وغضّ طرفه ، فوجد نفسه في الكوفة .
فاستعجب أبو هريرة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ آصف أورد تختا من مسافة شهرين بمقدار طرفة عين إلى سليمان ، وأنا وصيّ رسول اللّه (4) صلى الله عليه و آله .
ص: 442
وروي عن الصادق عن أبيه عليهماالسلام قال : عرض لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام
خصومة ، فجلس في أصل جدار ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، الجدار يقع ، فقال له علي عليه السلام : امض ، كفى اللّه حارسا ، فقضى بين الرجلين وقام ، وسقط الجدار(1) .
ووجد عليه السلام مؤمنا لازمه منافق بالدين ، فقال : اللّهم بحقّ محمد وآله الطاهرين لمّا قضيت عن عبدك هذا الدين .
ثم أمره بتناول حجر ومدر ، فانقلبت له ذهبا أحمر ، فقضى دينه ، وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم(2) .
صالح بن كيسان وابن رومان رفعاه إلى جابر الأنصاري قال : جاء العباس إلى علي عليه السلام يطالبه بميراث النبي صلى الله عليه و آله ، فقال له : ما كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله شيء يورث إلاّ بغلته « دلدل » ، وسيفه « ذو الفقار » ، ودرعه ، وعمامته « السحاب » ، وأنا أربى بك أن تطالب بما ليس لك ، فقال : لابد من ذلك ، وأنا أحقّ ! عمّه ووارثه دون الناس كلّهم .
فنهض أمير المؤمنين عليه السلام ، ومعه الناس حتى دخل المسجد ، ثم أمر بإحضار الدرع والعمامة والسيف والبغلة ، فأحضر ، فقال للعباس : يا عمّ ، إن أطقت النهوض بشيء منها فجميعه لك ، فإنّ ميراث الأنبياء لأوصيائهم - دون العالم - ولأولادهم ، فإن لم تطق النهوض ، فلا حقّ لك فيه ، قال : نعم .
فألبسه أمير المؤمنين عليه السلام الدرع بيده ، وألقى عليه العمامة والسيف ، ثم قال : انهض بالسيف والعمامة يا عمّ ، فلم يطق النهوض ، فأخذ منه ، وقال له : انهض بالعمامة ، فإنّه آية من نبينا ، فأراد النهوض ، فلم يقدر على ذلك ، وبقى متحيّرا .
ثم قال له : يا عمّ ، وهذه البغلة بالباب لي خاصة ولولدي ، فإن أطقت النهوض ركوبها فاركبها ، فخرج ومعه عدوي ، فقال له : يا عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خدعك علي عليه السلام فيما كنت فيه ، فلا تخدع نفسك في البغلة إذا وضعت رجلك في الركاب ، فاذكر اللّه وسمّ واقرأ « إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا » .
ص: 444
قال : فلمّا نظرت البغلة إليه مقبلاً مع العباس نفرت ، وصاحت صياحا ما سمعناه منها قطّ ، فوقع العباس مغشيا عليه ، واجتمع الناس ، وأمر بإمساكها ، فلم يقدر عليها .
ثم إنّ عليا عليه السلام دعا البغلة باسم ما سمعناه ، فجاءت خاضعة ذليلة ، فوضع رجله في الركاب ووثب عليها ، فاستوى عليها راكبا ، فاستدعى أن يركبا الحسن والحسين عليهماالسلام ، فأمرهما بذلك ، ثم لبس علي عليه السلام الدرع والعمامة والسيف ، وركبها وسار عليها إلى منزله ، وهو يقول : « هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ » أنا وهما ، أم تكفر أنت يا فلان .
قال الحميري :
رجل حوى إرث النبي محمد
قسما له من منزل الأقسام
بوصية قضيت بها مخصوصة
دون الأقارب من ذوي الأرحام
ولقد دعا العباس عند وفاته
بقبولها فأصبح بالإعدام
فحبا الوصي بها فقام بحقّها
لمّا حباه بها على الأعمام
* * *
وله أيضا :
وقد ورث النبي رداه يوما
وبردته ولائكة اللجام
* * *
وله أيضا :
وارث السيف والعمامة والراية
مطويّة وذات القيود
منه والبغلة التي كان عليها
والحرب يلقاه يوم الوقود
ص: 445
أبو جعفر الطوسي في الأمالي عن أبي محمد الفحام بالإسناد عن أبي مريم عن سلمان قال : كنّا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و آله ، إذ أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فناوله النبي صلى الله عليه و آله حصاة .
فلمّا استقرت الحصاة في كفّه نطقت ب- : « لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، رضيت باللّه ربّا ، وبمحمد نبيّا ، وبعلي وليّا » ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : من أصبح منكم راضيا بولاية علي عليه السلام ، فقد آمن خوف اللّه وعقابه(1) .
قال العوني :
من صاحب المنديل والسطل ومن
في كفّه سبح للّه الحصا
* * *
وقال ابن حماد :
من سبّحت في كفّه بيض الحصا
ليكون ذاك لفضله تبيانا
من فيه أنزل هل أتى ربّ العلى
وجزاه حور العين والولدانا
* * *
وقال ديك الجن :
أشنا عليا وتفنيد الغلاة له
وفي غد يعرف الأفّاك والأشر
من ذا الذي كلّمته البيد والشجر
وسلّم الترب إذ ناداه والحجر
ص: 446
حتى إذا أبصر الأحياء من يمن
بربّها آمنوا من بعدما كفروا
الحقّ أبلج والأعلام واضحة
لو آمنت أنفس الشانين أو نظروا
* * *
جابر بن عبد اللّه وحذيفة بن اليمان وعبد اللّه بن العباس وأبو هارون العبدي عن عبد اللّه بن عثمان ، وحمدان بن المعافا عن الرضا عليه السلام ، ومحمد بن صدقة عن موسى بن جعفر عليه السلام ، ولقد أنبأني أيضا ابن شيرويه والديلمي بإسناده إلى موسى بن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلامقالوا :
كنّا مع النبي صلى الله عليه و آله في طرقات المدينة ، إذ جعل خمسه في خمس أمير المؤمنين عليه السلام ، فواللّه ما رأينا خمسين أحسن منهما ، إذ مررنا على نخل المدينة ، فصاحت نخلة أختها : هذا محمد المصطفى ، وهذا علي المرتضى ، فاجتزناهما .
فصاحت ثانية بثالثة : هذا نوح النبي ، وهذا إبراهيم الخليل ، فاجتزناهما .
فصاحت ثالثة برابعة : هذا موسى وأخوه هارون ، فاجتزناهما .
فصاحت رابعة بخامسة : هذا محمد سيد النبيين ، وهذا علي سيد الوصيين .
فتبسم النبي صلى الله عليه و آله ، ثم قال : يا علي ، سمّ نخل المدينة « صيحانيا » ، فقد صاحت بفضلي وفضلك .
ص: 447
وروي : أنّه كان البستان لعامر بن سعد بعقيق السفلي(1) .
قال ابن حماد :
فتكلّم النخل الذي في وسطه
بفصاحة تتعجّب الثقلان
من نخلة قالت هناك لأختها
هذان أكرم من مشي هذان
هذا ابن عبد اللّه هذا صنوه
هذا علي العالم الرباني
قد صاح هذا النخل ينشر فضلهم
فلأجل ذلك سمّي الصيحاني
* * *
الحارث الأعور قال : خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام حتى انتهينا إلى العاقول ، فإذا هو بأصل شجرة ، وقد وقع عنها لحاها وبقي عودها ، ثم ضربها بيده ، ثم قال : ارجعي لي - بإذن اللّه - خضراء نضرة مثمرة ، فإذا هي تهتزّ بأغصانها ، حملها الكمثرى ، فقطعنا منه وأكلنا ، وحملنا معنا .
فلمّا كان من الغد غدونا إليها ، فإذا نحن بها خضراء ، وإذا فيها الكمثرى(2) .
ص: 448
ووجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى اليمن للمصالحة ، فلمّا أشرف على اليمن ، فإذا هم بأسرهم مقبلون ، مشرعون رماحهم ، مسنّون أسنتهم ، متنكّبون قسيهم ، شاهرون سلاحهم .
فنادى بأعلى صوته : يا شجر ، يا مدر ، يا ثرى ، محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرئك السلام ، فلم تبق شجرة ، ولا مدرة ، ولا ثرى ، إلاّ ارتج بصوت واحد : وعلى محمد رسول اللّه وعليك السلام .
فاضطربت قوائم القوم ، وارتعدت ركبهم ، ووقع السلاح من أيديهم ، وأقبلوا إليه مسرعين ، فأصلح بينهم(1) .
قال الزاهي :
مكلّم الشمس ومن ردّت له
ببابل والغرب منها قد قبط
وراكض الأرض ومن أنبع للع-
-سكر ماء العين في الوادي القحط
بحر لديه كلّ بحر جدول
يغرف من تياره إذا اغتمط(2)
وليث غاب كلّ ليث عندهينظره العقل صغيرا إذ فلط(3)
باسط علم اللّه في الأرض ومنبحبّه الرحمن للرزق بسط
ص: 449
سيف لو أنّ الطفل يلقى سيفهبكفّه في يوم حرب لشمط(1)
يخطو إلى الحرب به مدّرعافكم به قد قدّ من رجس وقط
* * *
ورأى عليه السلام أنصاريا يأكل قشور الفاكهة ، وقد أخذها من المزبلة ، فأعرض عنه لئلا يخجل منه ، فأتى منزله ، وأتى إليه بقرصي شعير من فطوره ، وقال : أصب من هذا كلّما جعت ، فإنّ اللّه يجعل فيه البركة .
فامتحن ذلك ، فوجد فيه لحما ، وشحما ، وحلوا ، ورطبا ، وبطيخا ، وفواكه الشتاء ، وفواكه الصيف ، فارتعدت فرائص الرجل ، وسقط لوجهه .
فأقامه علي عليه السلام وقال : ما شأنك ؟ قال : كنت منافقا شاكّا فيما يقوله محمد صلى الله عليه و آله ، وفيما تقوله أنت ، فكشف اللّه لي عن السماوات والأرض والحجب ، فأبصرت كلّما تعدان به ، وتواعدان به ، فزال عنّي الشكّ(2) .
وأخذ العدوي من بيت المال ألف دينار ، فجاء سلمان على لسان أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : ردّ المال إلى بيت المال ، فقد قال اللّه تعالى « وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ » .
ص: 450
فقال العدوي : وما أكثر سحر أولاد عبد المطلب ! ما عرف هذا قطّ أحد ، وأعجب من هذا ! أنّي رأيته يوما وفي يده قوس محمد صلى الله عليه و آله ، فسخرت منه ، فرماها من يده ، وقال : خذ عدوّ اللّه ، فإذا هي ثعبان مبين يقصد إليّ ، فحلّفته حتى أخذها ، وصارت قوسا(1) .
قال مهيار :
ولم أدر أنّ اللّه أخر آية
له بك في إظهار معجزها سرّ
فكنت عصى موسى هوت فتلقّفت
بآيتها البيضاء ما أفك السحر
* * *
وقعد علي عليه السلام للحاجة ، فرأته(2) المنافقون ، فقال : يا قنبر ، اذهب إلى تلك الشجرة والتي تقابلها ، وكان بينهما أكثر من فرسخ ، فناداهما : إنّ وصيّ محمد صلى الله عليه و آله يأمركما أن تتلاصقا ، فانضما بأمره .
فدارت المنافقون خلفه ، فأمرهما بالعود ، فانطلقتا ، وعادت كلّ واحدة تفارق الأخرى بالهزيمة ، ثم قعد ، فلمّا رفع ثوبه أعمى اللّه أبصارهم(3) .
ص: 451
وأنفذ أمير المؤمنين عليه السلام ميثم التمار في أمر ، فوقف على باب دكانه ، فأتى رجل يشتري التمر ، فأمره بوضع الدرهم ورفع التمر .
فلمّا انصرف ميثم وجد الدرهم بهرجا ، فقال في ذلك ، فقال عليه السلام : فإذا يكون التمر مرّا ، فإذا هو بالمشتري رجع وقال : هذا التمر مرّ .
تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام : كتب رجل من الشام إلى أمير المؤمنين عليه السلام : أنا بعيالي مثقل ، وعليهم إن خرجت خائف ، وبأموالي التي أخلفها ضنين ، وأحبّ اللحاق بك ، فجد لي يا أمير المؤمنين .
فبعث إليه : إجمع أهلك وعيالك ، وحصّل عندهم مالك ، وصلّ على ذلك كلّه على محمد وآله الطيبين ، ثم قل : اللّهم إنّ هذه كلّها ودائعي عندك بأمر عبدك ووليّك علي بن أبي طالب ، ثم قم وانهض إليّ ، ففعل الرجل ذلك .
وأخبر معاوية بهزيمته ، وأمر أن تسبى عياله ، وينهب ماله ، فذهبوا ، فألقى اللّه عليهم شبه عيال معاوية ، وأخصّ حاشيته ليزيد يقولون : نحن أخذنا هذا المال ، وهو لنا ، وأمّا عياله ، فقد استرقّيناهم وبعثناهم إلى السوق ، ومسخ اللّه المال عقارب وحيات ، فكلّما قصد لصوص ليأخذوا منه لدغوا ، فمات منهم قوم ، ومضى آخرون .
فقال علي عليه السلام يوما للرجل : أتحبّ أن يأتيك مالك وعيالك ؟ فقال : بلى .
ص: 452
فقال : اللّهم ائت بهم ، فإذا هم بحضرة الرجل ، فأخبروه بالقصّة ، فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته ، ولبعض الكافرين ليبالغ في الإعذار إليه(1) .
واستفاض بين الخاص والعام :
أنّ أهل الكوفة فزعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام من الغرق لمّا زاد الفرات ، فاسبغ الوضوء وصلّى منفردا ، ثم دعا اللّه ، ثم تقدّم إلى الفرات متوكئا على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء ، وقال : انقص بإذن اللّه ومشيئته .
فغاض الماء حتى بدت الحيتان ، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ، ولم ينطق منها أصناف من السمك ، وهي الجري ، والمارماهي ، والزمّار .
فتعجّب الناس لذلك ، وسألوه عن علّة ما نطق ، وصموت ما صمت ! فقال : أنطق اللّه ما طهر من السموك ، وأصمت عنّي ما حرّمه ونجّسه وأبعده(2) .
وفي رواية أبي محمد قيس بن أحمد البغدادي وأحمد بن الحسن القطيفي
ص: 453
عن الحسن بن ذكروان الفارسي الكندي : أنّه ضرب بالقضيب ، فقال : اسكن يا أبا خالد ، فنقص ذراعا ، فقال : أحسبكم ؟ قالوا : زدنا .
فبسط وطاءه ، وصلّى ركعتين ، وضرب الماء ضربة ثانية ، فنقص الماء ذراعا ، فقالوا : حسبنا يا أمير
المؤمنين ، فقال : واللّه ، لو شئت فأظهرت لكم الحصا .
وذلك كحنين الجذع ، وكلام الذئب للنبي صلى الله عليه و آله .
قال العوني :
علي علا فوق الفرات قضيبه
وجنباه بالتيار يلتطمان
ففي الضربة الأولى تقوّض شطره
وفي أختها ما قوّض الثلثان
* * *
وله أيضا :
من خاطب الحيتان لمّا برزت
مذعنة يوم العراق بالولا
من زجر الماء فغاض طائعا
لأمره من بعد ما كان طغا
* * *
وله أيضا :
إمامي فلاّق الفرات بعوده
وقالع باب الحصن بالساعد العبل
إمامي ضرّاب الجماجم في الوغى
مدير رحى الهيجاء بالأسر والقتل
* * *
وقال السروجي :
واذكر له يوم الفرات أنّها
أعجوبة معجزة ذات خطر
لمّا علاه بقضيب ثم قال
اسكن بمن سبع سماوات فطر
ص: 454
فالتطمت أمواجه في قعره
وغاض ثلثاه وقد كان زخر
ولو ذكرت بالفرات ما جرى
ووقعة البصرة أظهرت العبر
والنهروان ما نزلت ماشيا
ويوم صفين عن القلب خطر
* * *
وقال أبو الفتح :
فلمّا طغى الماء ماء الفرات
زجرت به زجر مستعلم
فعاد إلى الغرب خوف العقاب
ورحت إلى كرم مفعم
* * *
وقال الجبري :
والماء حين طغى الفرات فأقبلوا
ما بين باكية إليه وباك
قالوا أغثنا يا وصي المصطفى(1)
فالماء يؤذينا بوشك هلاك
فأتى الفرات وقال يا أرض ابلعيطوعا بإذن اللّه طاغي ماك
فأغاضه حتى بدت حصباؤهمن تحت راسخة من الأسماك
* * *
وقال ابن رزيك :
وفي الفرات حديث إذ طغى فأتى
كلّ إليه لخوف الهلك يقصده
فقال للماء غض طوعا فبان لهم
حصباؤه حين وافاه يهدده
* * *
ص: 455
وقال خطيب منبج :
وحين طغى الفرات وجاش ملاء
وبات له الورى متخوفينا
أتاه فردّه وعدا يسيرا
وظلّ الناس منه آمنينا
* * *
وقال غيره :
وأتى الفرات وقد طمت أمواجه
فعلاه ضربا بالعصا غضبانا
فهناك غار لوقته متذلّلاً
وأساخ من أمواجه وألانا
واليه أقبل كلّ ذاك مكلّما
حيتانه فاستنطق الحيتانا
* * *
وزعم أهل العراق في حديث النجف : أنّه كانت بحيرة تسمى « إن جف » من كثرة خريرها ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أن جفّ ، فسمّي النجف(1) .
سهل بن حنيف في حديثه : أنّه لمّا أخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر أن يقول لمن على جانب الفرات : يقول لكم علي عليه السلام : اعدلوا عن الماء .
ص: 456
فلمّا قال ذلك عدلوا عنه ، فورد قوم أمير المؤمنين عليه السلام الماء ، وأخذوا منه ، فبلغ ذلك معاوية ، فأحضرهم وقال لهم في ذلك ، فقالوا : إنّ عمرو بن العاص جاء وقال : إنّ معاوية يأمركم أن تفرجوا عن الماء ، فقال معاوية لعمرو : إنّك لتأتي أمرا ، ثم تقول ما فعلته .
فلمّا كان من غد وكّل معاوية حجل بن عتاب النخعي في خمسة آلاف ، فانفذ أمير المؤمنين عليه السلام مالكا ، فنادى مثل الأول ، فمال حجل عن الشريعة ، فأورد أصحاب علي عليه السلام ، وأخذوا منه ، فبلغ ذلك معاوية ، فأحضر حجلاً ، وقال له في ذلك ، فقال له : إنّ ابنك يزيد أتاني فقال : إنّك أمرت بالتنحّي عنه ، فقال ليزيد في ذلك ، فأنكر ، فقال معاوية : فإذا كان غدا ، فلا تقبل من أحد ولو أتيتك حتى تأخذ خاتمي .
فلمّا كان يوم الثالث أمر أمير المؤمنين عليه السلام لمالك مثل ذلك ، فرأى حجل معاوية ، وأخذ منه خاتمه ، وانصرف عن الماء ، وبلغ معاوية ، فدعاه ، وقال له في ذلك ، فأراه خاتمه ، فضرب معاوية يده على يده ، فقال : نعم ، وإنّ هذا من دواهي علي عليه السلام .
وحدّثني محمد الشوهاني بإسناده : أنّه قدم أبو الصمصام العبسي إلى النبي صلى الله عليه و آله قال : متى يجئ المطر ؟ وأيّ شيء في بطن ناقتي هذه ؟ وأيّ شيء يكون غدا ؟ ومتى أموت ؟ فنزل « إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ »الآيات ، فأسلم الرجل ، ووعد النبي صلى الله عليه و آله أن يأتي بأهله ، فقال : اكتب يا أبا الحسن :
ص: 457
بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أقرّ محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وأشهد على نفسه في صحّة عقله وبدنه ، وجواز أمره أنّ لأبي صمصام العبسي عليه ، وعنده ، وفي ذمّته ، ثمانين ناقة حمر الظهور ، بيض العيون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ، ونقط الحجاز .
وخرج أبو الصمصام ، ثم جاء في قومه بني عبس كلّهم مسلمين ، وسأل عن النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : قبض ، قال : فمن الخليفة من بعده ؟ فقالوا : أبو بكر .
فدخل أبو الصمصام المسجد ، وقال : يا خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ لي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمانين ناقة ، حمر الظهور ، بيض العيون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ، ونقط الحجاز ، فقال : يا أخا العرب ، سألت ما فوق العقل ، واللّه ما خلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ بغلته الدلدل ، وحماره اليعفور ، وسيفه ذا الفقار ، ودرعه الفاضل ، أخذها كلّها علي بن أبي طالب عليه السلام ، وخلّف فينا فدك ، فأخذناها بحقّ !! ونبينا لا يورّث !!!
فصاح سلمان : « كردي ونكردي وحقّ از أمير المؤمنين ببردي » ، ردّوا العمل إلى أهله ، ثم ضرب بيده إلى أبي الصمصام ، فأقامه إلى منزل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقرع الباب ، فنادى علي عليه السلام : ادخل يا سلمان ، ادخل أنت وأبو الصمصام .
فقال أبو الصمصام : هذه أعجوبة ! من هذا الذي سمّاني باسمي ، ولم يعرفني ؟! فعدّ سلمان فضائل علي عليه السلام .
فلمّا دخل وسلّم عليه قال : يا أبا الحسن ، إنّ لي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمانين ناقة ، ووصفها ، فقال علي عليه السلام : أمعك حجّة ؟ فدفع إليه الوثيقة .
ص: 458
فقال علي عليه السلام : يا سلمان ، ناد في الناس : ألا من أراد أن ينظر إلى دين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فليخرج غدا إلى خارج المدينة .
فلمّا كان الغد خرج الناس ، وخرج علي عليه السلام وأسرّ إلى ابنه الحسن عليه السلام
سرّا ، وقال : امض - يا أبا الصمصام - مع ابني الحسن عليه السلام إلى الكثيب من الرمل .
فمضى عليه السلام ومعه أبو الصمصام ، فصلّى الحسن عليه السلام ركعتين عند الكثيب ، وكلّم الأرض بكلمات لا ندري ما هي ، وضرب الكثيب بقضيب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فانفجر الكثيب عن صخرة ململة مكتوب عليها سطران من نور:
السطر الأوّل : بسم اللّه الرحمن الرحيم .
والثاني : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه .
فضرب الحسن عليه السلام الصخرة بالقضيب ، فانفجرت عن خطام ناقة ، فقال الحسن عليه السلام : اقتد يا أبا الصمصام ، فاقتاد أبو الصمصام ثمانين ناقة ، حمر الظهور ، بيض العيون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ، ونقط الحجاز .
ورجع إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : استوفيت يا أبا الصمصام ؟ قال : نعم ، قال : فسلّم الوثيقة ، فسلّمها إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأخذها وخرقها ، فقال : هكذا أخبرني أخي وابن عمّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق هذه النوق في هذه الصخرة قبل أن يخلق ناقة صالح بألفي عام ، فقال المنافقون : هذا من سحر علي عليه السلام قليل(1) .
ص: 459
قال السيد الحميري :
نفسي فدا لمن قضى لا غيره
دين النبي وانجز الموعودا
فقضى المتاع على الجمال بفضله
من صخرة فاذكر له التمجيدا
من ذا يقاس بفضله وبقدره
أيقس بعبد من يكن معبودا
* * *
وقال العبدي :
حملت عمّن بغى قدما عليك إلى
أن ظنّ أنّك منه غير منتصف
لو شئت تمسخهم في دارهم مسخوا
أو شئت قلت بهم يا أرض فانخسف
لكن لهم مدّة ما زلت تعلمها
تقضى إلى أجل إذ ذاك لم تدف
وأين منك مقرّ الهاربين إذا
قادتهم نحوك الأملاك بالعنف
* * *
ص: 460
ص: 461
ص: 462
الباقر عليه السلام : مرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرضة ، فدخل علي عليه السلام المسجد ، فإذا جماعة من الأنصار ، فقال لهم : أيسرّكم أن تدخلوا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : نعم .
فاستأذن لهم ، فدخلوا ، فجاء علي عليه السلام وجلس عند رأس رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأخرج يده من اللحاف وبين صدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا الحمى تنفضه نفضا شديدا ، فقال : أم ملدم ، اخرجي عن رسول اللّه ، وانتهرها .
فجلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وليس به بأس ، فقال : يا بن أبي طالب ، لقد أعطيت من خصال الخير حتى أنّ الحمى لتفزع منك .
وفي مقصورة العبدي :
ويوم عاد المرتضى الهادي وقد
كان رسول اللّه حمّ واشتكى
فمسّ صدر المصطفى بكفّه
فكاد أن يحرقها فرط الحمى
فقال يا أخي كذا فعلك بالطهر
فزالت خيفة من الندا
قال النبي الحمد للّه لقد
أعطاك ربّي يا أخي أهنا العطا
أكلّ شيء خائف بأسك حتى
هذه الحمى وعوفي وبرا
* * *
ص: 463
وله أيضا :
من زالت الحمى عن الطهر به
من ردّت الشمس له بعد العشا
من عبر الجيش على الماء ولم
يخش عليه بلل ولا ندا
* * *
عبد الواحد بن زيد : كنت في الطواف إذ رأيت جارية تقول لأختها : لا ، وحقّ المنتجب بالوصيّة ، الحاكم بالسويّة ، العادل في القضيّة ، العالي البنيّة ، زوج فاطمة المرضيّة ، ما كان كذا .
فقلت : أتعرفين عليا عليه السلام ؟ قالت : وكيف لا أعرف من قتل أبي بين يديه في يوم صفين ، وأنّه دخل على أمّي ذات يوم ، فقال لها : كيف أنت يا أمّ الأيتام ؟ فقالت : بخير ، ثم أخرجتني أنا وأختي هذه إليه ، وكان قد ركبني من الجدري ما ذهب له بصري ، فلمّا رآني تأوّه ، ثم قال :
ما إن تأوّهت من شيء رزيت به
كما تأوّهت للأطفال في الصغر
قد مات والدهم من كان يكفلهم
في النائبات وفي الأسفار والحضر
* * *
ثم أمرّ يده على وجهي ، فانفتحت عيني لوقتي ، وإنّي لأنظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء(1) . . الخبر .
ص: 464
قال ابن مكي :
أما ردّ كفّ العبد بعد انقطاعها
أما ردّ عينا بعدما طمست طمسا
* * *
تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام في قوله تعالى : « قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا » الآية ، إنّ اليهود قالوا : يا محمد ، إن كان دعاؤكم مستجابا فادعوا لابن رئيسنا هذا ليعافيه اللّه من البرص ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا أبا الحسن ، ادع اللّه له بالعافية ، فدعا فعوفي ، فصار أجمل الناس ، فشهد الشهادتين .
فقال أبوه : كان هذا وفاق صحّته ، فادع عليّ فقال : اللّهم إبله ببلاء ابنه ، فصار في الحال أبرص أجذم أربعين سنة ، آية للعالمين(1) .
الحاتمي بإسناده عن ابن عباس : أنّه دخل أسود إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأقرّ أنّه سرق ، فسأله ثلاث مرات ، قال : يا أمير المؤمنين ، طهّرني فإنّي سرقت .
فأمر عليه السلام بقطع يده ، فاستقبله ابن الكواء ، فقال : من قطع يدك ؟
ص: 465
فقال : ليث الحجاز ، وكبش العراق ، ومصادم الأبطال ، المنتقم من الجهّال ، كريم الأصل ، شريف الفصل ، محلّ الحرمين ، وارث المشعرين ، أبو السبطين ، أوّل السابقين ، وآخر الوصيين من آل يس ، المؤيد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل ، الحبل المتين ، المحفوظ بجند السماء أجمعين ، ذاك - واللّه - أمير المؤمنين على رغم الراغمين . . في كلام له ، قال ابن الكواء : قطع يدك وتثني عليه ! قال : لو قطعني إربا إربا ما ازددت له إلاّ حبّا .
فدخل على أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخبره بقصّة الأسود ، فقال : يا بن الكواء ، إنّ محبّينا لو قطعناهم إربا إربا ما ازدادوا لنا إلاّ حبّا ، وإنّ في أعدائنا من لو ألعقناهم السمن والعسل ما ازدادوا لنا إلاّ بغضا ، وقال للحسن عليه السلام : عليك بعمّك الأسود .
فأحضر الحسن الأسود إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخذ يده ونصبها في موضعها ، وتغطّى بردائه ، وتكلّم بكلمات يخفيها ، فاستوت يده ، وصار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استشهد بالنهروان ، ويقال : كان اسم هذا الأسود أفلح(1) .
وقال المشتاق :
فقال له إنّي جنيت فحدّني
ومن بعد حدّ اللّه مولاي فاقتلني
فجزّ يمين العبد من حدّ قطعها
ومرّ بها راض على المرتضى يثني
ص: 466
فقال له تمدح لمن لك قاطع
وذا عجب يسري به الناس في المدن
فقال لهم ما كان مولاي جائرا
أقام حدود اللّه بالعدل وأنصفني
فمرّوا بنحو المرتضى يخبرونه
فقال نعم استبشروا شيعتي منّي
ولو أنّني قطّعتهم في محبّتي
لما زال منهم بالولاء أحد عنّي
فألزق كفّ العبد مع عظم زنده
وعاد كأيام الرفاهة يستثني
ومرّ ينادي إنّني عبد حيدر
على ذاك يحييني الإله ويقبرني
* * *
وأبين إحدى يدي هشام بن عدي الهمداني في حرب صفين ، فأخذ علي عليه السلام يده ، وقرأ شيئا وألصقها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما قرأت ؟ قال : فاتحة الكتاب ، كأنّه استقلّها ، فإنفصلت يده بنصفين ، فتركه علي عليه السلام ومضى .
* * *
ص: 467
قال ابن مكي :
رددت الكفّ جهرا بعد قطع
كردّ العين من بعد الذهاب
وجمجمة الجلندي وهو عظم
رميم جاوبتك عن الخطاب
* * *
وروى ابن بابويه في كتابه معرفة الفضائل وكتاب علل الشرائع أيضا عن حيان بن سدير عن الصادق عليه السلام ، وقد سئل : لم أخر أمير المؤمنين عليه السلام
العصر في بابل ؟ قال : إنّه لمّا صلّى الظهر إلتفت إلى جمجمة ملقاة ، فكلّمها أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أيّتها الجمجمة ، من أين أنت ؟
فقالت : أنا فلان بن فلان ملك بلد آل فلان .
قال لها أمير المؤمنين : فقصّي عليّ الخبر ، وما كنت ؟ وما كان في عصرك ؟
فأقبلت الجمجمة تقصّ خبرها ، وما كان في عصرها من خير ومن شرّ ، فاشتغل بها حتى غابت الشمس ، فكلّمها بثلاثة أحرف من الإنجيل لئلا يفقه العرب كلامه(1) . . القصّة .
وقالت الغلاة(2) : نادى علي عليه السلام الجمجمة ، ثم قال : يا جلندي ابن
كراكر ، أين الشريعة ؟
ص: 468
فقال : هاهنا(1) .
فبنى هناك مسجدا ، وسمّي مسجد الجمجمة(2) ، وجلندي هذا ملك الحبشة صاحب الفيل الهادم للبيت أبرهة .
وقال شاعرهم :
من كلّم الأموات في يوم الفرات من القبور
إذ قال هل في مائكم عبر لملتمس العبور
قالوا له أنت العليم بكنه تصريف الأمور
فعلام تسأل أعظما رمما على مرّ الدهور
أنت الذي أنوار قدسك قد تمكن في الصدور
أنت الذي نصب النبي لقومه يوم الغدير
أنت الصراط المستقيم وأنت نور فوق نور
ص: 469
وقالت أيضا : أنّه نادى لسمكة : يا ميمونة ، أين الشريعة ؟ فأطلعت رأسها من الفرات وقالت : من عرف اسمي في الماء لا تخفى عليه الشريعة .
أمالي الشيباني : قال رشيد الهجري : كنت في بعض الطريق مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام إذ التفت إليّ فقال : يا رشيد ، أترى ما أرى ؟ قلت : لا يا أمير المؤمنين ، وإنّه ليكشف لك الغطاء ما لا يكشف لغيرك ، قال : إنّي أرى رجلاً في ثبج(1) من النار يقول : يا علي استغفر لي ، لا غفر اللّه له .
كتاب ابن بابويه وأبي القاسم البستي والقاضي أبو عمرو بن أحمد عن جابر وأنس :
إنّ جماعة تنقّصوا عليا عليه السلام عند عمر ، فقال سلمان : أو ما تذكر - يا عمر - اليوم الذي كنت فيه وأبو بكر وأنا وأبو ذر عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبسط لنا شملة ، وأجلس كلّ واحد منّا على طرف ، وأخذ بيد علي عليه السلام وأجلسه في وسطها ، ثم قال : قم يا أبا بكر وسلّم على علي عليه السلام بالإمامة وخلافة المسلمين ، وهكذا كلّ واحد منّا .
ص: 470
ثم قال : يا علي ، سلّم على هذا النور - يعني الشمس - فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّتها الآية المشرقة ، السلام عليك ، فأجابت القرصة وارتعدت وقالت : وعليك السلام .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللّهم إنّك أعطيت لأخي سليمان صفيّك ملكا وريحا غدوّها شهر ورواحها شهر ، اللّهم أرسل تلك لتحملهم إلى أصحاب الكهف .
فقال علي عليه السلام : يا ريح احملينا ، إذا نحن في الهواء ، فسرنا ما شاء اللّه ، ثم قال : يا ريح ضعينا ، فوضعتنا عند الكهف ، فقام كلّ واحد منّا وسلّم ، فلم يردّوا الجواب ، فقام علي عليه السلام فقال : السلام عليكم أهل الكهف ، فسمعنا : وعليك السلام يا وصي محمد ، إنّا قوم محبوسون هاهنا من زمن دقيانوس ، فقال لهم : لم لا تردّوا سلام القوم ؟ فقالوا : نحن فتية لا نردّ إلاّ على نبيّ أو وصيّ نبيّ ، وأنت وصيّ خاتم النبيّين ، وخليفة رسول ربّ العالمين .
ثم قال : خذوا مجالسكم ، فأخذنا مجالسنا ، ثم قال : يا ريح احملينا ، فإذا نحن في الهواء ، فسرنا ما شاء اللّه ، ثم قال : يا ريح ضعينا ، فوضعتنا ، ثم ركض برجله الأرض ، فنبعت عين ماء ، فتوضأ وتوضأنا ، ثم قال : ستدركون الصلاة مع النبي صلى الله عليه و آله أو بعضها .
ثم قال : يا ريح احملينا ، ثم قال : ضعينا ، فوضعتنا فإذا نحن في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد صلّى من الغداة ركعة .
فقال أنس : فاستشهدني علي عليه السلام - وهو على منبر الكوفة - فداهنت ، فقال : إن كنت كتمتها مداهنة بعد وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إياك ، فرماك اللّه
ص: 471
ببياض في جسمك ، ولظى في جوفك ، وعمى في عينيك ، فما برحت حتى برصت وعميت ، فكان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان ولا غيره(1) .
والبساط أهدوه أهل هربوق ، والكهف في بلاد الروم في موضع يقال له « اركدى » ، وكان في ملك باهتدت(2) ، وهو اليوم اسم الضيعة .
وفي خبر : أنّ الكساء أتى به خطي بن الأشرف أخو كعب ، فلمّا رأى معجزات علي عليه السلام أسلم ، وسماه النبي صلى الله عليه و آله محمدا .
قال خطيب منبج :
ومن حملته ريح اللّه حتى
أتى أهل الرقيم الراقدينا
ومن نادى بأهل الكهف حتى
أقرّوا بالولاية مفرحينا
* * *
وقال العوني :
علي كليم القوم في الكهف فاعلما
وقد صمّ من شيخاكما الصديان
* * *
وله أيضا :
علي طارق الكهف
بإعلان وإجهار
* * *
وله أيضا :
ومن حملته الريح فوق بساطه
فاسمع أهل الكهف حين تكلّما
ص: 472
وقال الحميري :
له البساط إذ سرى
وفتية الكهف دعا
فما أجابوا في الندا
سوى الوصي المرتضى
* * *
وله أيضا :
سل فتية الكهف الذين أتاهم
فأيقظ في ردّ السلام منامها
* * *
وقال البرقي :
حتى إذا يئسوا جواب سلامهم
قام الوصي إليهم إبداء
قال السلام عليكم من فتية
عبدوا الإله وتابعوا السناء
قالوا عليك من الإله تحية
تهدى إليك ورحمة وضياء
إنّا منعنا أن نكلّم هاتفا
إلاّ نبيّا كان أو موصاء
* * *
وقال الجبري :
والريح إذ مرّت فقيل لها احملي
طوعا وصيّ اللّه فوق قراك
فجرت رخاء بالبساط مطيعة
أمر الإله حشيشة الإيشاك
حتى إذا بلغ الرقيم بصحبة
ليزيل عنهم مرية الشكّاك
قال السلام عليكم فتبادروا
بالردّ بعد الصمت والإمساك
عن غيره فبدت ضغائن صدر ذي
حنق لستر نفاقه هتّاك
* * *
ص: 473
وقال ابن الأطيس :
وطارق الباب على كهفهم
في الخبر المشهور عن جابر
* * *
وقال ابن العضد :
من كلّم الفتية في الكهف ولم
يكلّموا حقّا سواه إذ دعا
* * *
وقال أبو الفتح :
وفي الكهف منقبة حسنها
على الرغم من معطس الأدلم
غداة يسلّم في صحبهم
سلام الصحاة على النوّم
فنادوه أجمع عليك السلام
فذاك عظيم لمستعظم
* * *
كتاب العلوي البصري : إنّ جماعة من اليمن أتوا النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : نحن من بقايا الملل المتقدّمة من آل نوح ، وكان لنبيّنا وصيّ اسمه « سام » ، وخبر في كتابه أنّ لكلّ نبيّ معجزا ، وله وصيّ يقوم مقامه ، فمن وصيّك ؟ فأشار بيده نحو علي عليه السلام .
فقالوا : يا محمد ، إن سألناه أن يرينا سام بن نوح ، فيفعل ؟ فقال صلى الله عليه و آله : نعم بإذن اللّه ، وقال : يا علي ، قم معهم إلى داخل المسجد ، واضرب برجلك الأرض عند المحراب .
ص: 474
فذهب علي عليه السلام ، وبأيديهم صحف ، إلى أن دخل محراب رسول اللّه صلى الله عليه و آله
داخل المسجد ، فصلّى ركعتين ، ثم قام وضرب برجله الأرض ، فانشقت الأرض ، وظهر لحد وتابوت ، فقام من التابوت شيخ يتلألأ وجهه مثل القمر ليلة البدر ، وينفض التراب من رأسه ، وله لحية إلى سرّته ، وصلّى على علي عليه السلام ، وقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه سيد المرسلين ، وأنّك علي وصيّ محمد ، سيد الوصيّين ، وأنا سام بن نوح .
فنشروا أولئك صحفهم ، فوجدوه كما وصفوه في الصحف ، ثم قالوا : نريد أن يقرأ من صحفه سورة ، فأخذ في قراءته حتى تممّ السورة ، ثم سلّم على علي عليه السلام ، ونام كما كان ، فانضمت الأرض ، وقالوا بأسرهم : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الإِْسْلامُ » ، وآمنوا وأنزل اللّه « أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى » إلى قوله « أُنِيبُ » .
سلمان « شلقان(1) » قال : سمعت أبا عبد اللّه
عليه السلام يقول : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كانت له خؤولة في بني مخزوم ، وإنّ شابا منهم أتاه ، فقال : يا خال ، إنّ أخي وتربي مات ، وقد حزنت عليه حزنا شديدا ، فقال له : أتشتهي أن تراه ؟
قال : نعم ، قال : فأرني قبره .
ص: 475
فخرج وتقنّع برداء رسول اللّه صلى الله عليه و آله المستجاب ، فلمّا انتهى إلى القبر تكلّم بشفتاه ، ثم ركضه برجله ، فخرج من قبره وهو يقول : وميكا(1) ، بلسان الفرس ، فقال له علي عليه السلام : ألم تمت وأنت رجل من العرب ! فقال : نعم ، ولكنّا متنا على سنّة فلان وفلان ، فانقلبت ألسنتنا(2) .
وروي رواية أخرى تضمنت أبيات الجبري :
واليت حين دعا به في صرصر
فأجابه وأبيت حين دعاكا
* * *
وقال العوني :
إمامي الذي أحيى بصرصر ميّتا
وقالع باب الحصن في وقته قهرا
* * *
وله أيضا :
من ذا الذي أحيى له ربّ العلى
بصرصر ميتا دفينا في الثرى
* * *
وله أيضا :
ولإحيائه بصرصر الميت
غلا فيه كالمسيح فريق
ص: 476
وقال المرزكي :
ردّت له شمس الضحى بعدما
هوت هويّ الكوكب الغابر
* * *
وقال آخر :
ثمّة أحيى ميّتا باليا
فقام منشورا من الحافر
* * *
وقال الحميري :
فقال له فرمان عيسى بن مريم
بزعمك يحيي كلّ ميت ومقبر
فماذا الذي أعطيت قال محمد
لمثل الذي أعطيه إن شئت فانظر
إلى مثل ما أعطي فقالوا لكفرهم
ألا أرنا ما قلت غير معذّر
فقال رسول اللّه قم لوصيّه
فقام وقدما كان غير مقصّر
وردّاه بالمنجاب واللّه خصّه
وقال اتبعوه بالدعاء المبرر
فلمّا أتى ظهر البقيع دعا به
فرجت قبور بالورى لم تغيّر
فقالوا له يا وارث العلم اعفنا
ومنّ علينا بالرضى منك واغفر
* * *
إبراء المرضى وإحياء الموتى على أيدي الأنبياء والأوصياء عليهم السلام من فعل اللّه تعالى .
قال عيسى عليه السلام : « وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ » .
ص: 477
وقوله تعالى « وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي » « وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي » .
و« قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَ لَمْ تُؤمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ » الآيات .
وقال في عزير وأرميا : « أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ » إلى قوله « قَدِيرٌ » .
وكذلك في قصّة بني إسرائيل « وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ » فأحياهم .
ص: 478
ص: 479
ص: 480
الأعمش عن رواته عن حكيم بن جبير ، وعن عقبة الهجري عن عمّته ، وعن أبي يحيى قال : شهدت عليا عليه السلام على منبر الكوفة يقول : أنا عبد اللّه وأخو رسوله ، ورثت نبيّ الرحمة ، ونكحت سيدة نساء أهل الجنّة ، وأنا سيد الوصيّين ، وآخر أوصياء النبيّين ، لا يدّعي ذلك غيري إلاّ أصابه اللّه بسوء .
فقال رجل من عبس : لا يحسن أن يقول : أنا عبد اللّه وأخو رسوله ، فلم يبرح مكانه حتى تخبّطه الشيطان ، فجرّ برجله إلى باب المسجد(1) .
العياشي بإسناده إلى الصادق عليه السلام في خبر : قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، إنّي سألت اللّه أن يوالي بيني وبينك ، ففعل ، وسألته أن يواخي بيني وبينك ، ففعل ، وسألته أن يجعلك وصيّي ، ففعل .
فقال رجل : لصاع من تمر في شنّ بال خير ممّا سأل محمد ربّه ، هلاّ سأل ملكا يعضده على عدوّه ، أو كنزا يستغنى به على فاقته .
ص: 481
فأنزل اللّه تعالى « فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ »(1) الآية .
وفي رواية : أصاب لقائله علّة .
أبو بصير عن الصادق عليه السلام : لمّا قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، لولا أنّني أخاف أن يقولوا فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا تمرّ بملأ من المسلمين إلاّ أخذوا التراب من تحت قدمك(2) .
قال الحارث بن عمر الفهري لقوم من أصحابه : ما وجد محمد لابن عمّه مثلاً إلاّ عيسى بن مريم ، يوشك أن يجعله نبيّا من بعده ، واللّه إنّ آلهتنا التي كنّا نعبد خيرا منه ، فأنزل اللّه تعالى « وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً »إلى قوله « وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ » .
وفي رواية أنّه نزل أيضا « إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ » الآية .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : إتّق اللّه وارجع عمّا قلت من العداوة لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال : إذا كنت رسول اللّه ، وعلي وصيّك من بعدك ، وفاطمة
بنتك سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين إبناك سيدا شباب أهل الجنّة ،
ص: 482
وحمزة عمّك سيد الشهداء ، وجعفر الطيار ابن عمّك يطير مع الملائكة في الجنّة ، والسقاية للعباس عمّك ، فما تركت لسائر قريش ، وهم ولد أبيك ؟!
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ويلك يا حارث ، ما فعلت ذلك ببني عبد المطلب ، لكنّ اللّه فعله بهم ، فقال : « إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ » الآية ، فأنزل اللّه تعالى « وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » .
ودعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحارث ، فقال : إمّا أن تتوب أو ترحل عنّا ، قال : فإنّ قلبي لا يطاوعني إلى التوبة ، ولكنّي أرحل عنك .
فركب راحلته ، فلمّا أصحر أنزل اللّه عليه طيرا من السماء في منقاره حصاة مثل العدسة ، فأنزلها على هامته ، وخرجت من دبره إلى الأرض ، ففحص برجله ، وأنزل اللّه - تعالى - على رسوله « سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ » بولاية علي بن أبي طالب .
قال : هكذا نزل به جبرئيل(1) عليه السلام .
قال العبدي :
شبّهه عيسى فصدّ قومه
كفرا وقالوا ضلّ فيه واعتدى
فجاءه الوحي بتكذيبهم
وقال ما كان حديثا يفترى
علّمه اللّه الذي كان وما
يكون في العالم جهر وخفى
* * *
ص: 483
وقال الحميري :
هو مولاك فاستطار ونادى
ربّه باستكانة وانتصاب
ربّ إن كان ذا هو الحقّ من
عندك تجزي به عظيم الثواب
ربّ أمطر من السماء بأحجار
علينا أو آتنا بعذاب
ثم ولّى وقال دونكموه
إنّ ربّي مصيبه بشهاب
فاطلبوه إذا تغيّب عنكم
فسعوا يطلبونه في الثياب
فإذا شلوه طريح عليه
لعنة اللّه بين تلك الروابي
* * *
زياد بن كليب : كنت جالسا في نفر ، فمرّ بنا محمد بن صفوان مع عبيد اللّه بن زياد ، فدخلا المسجد ، ثم رجعا الينا وقد ذهبت عينا محمد بن صفوان ، فقلنا : ما شأنه ؟ فقال : إنّه قام في المحراب وقال : إنّه من لم يسبّ عليا بنيّة ، فإنّه يسبّه بنيّته ، فطمس اللّه بصره .
* * *
وقد رواه عمر بن ثابت عن أبي معشر البلاذري والسمعاني والمطيري والنطنزي والفلكي :
إنّه مرّ بسعد بن مالك رجل يشتم عليا عليه السلام ، فقال : ويحك ، ما تقول ! قال : أقول ما تسمع، فقال: اللّهم إن كان كاذبا فأهلكه، فخبطه جمل بختي فقتله(1) .
ص: 484
ابن المسيب : صعد مروان المنبر وذكر عليا عليه السلام فشتمه ، قال سعيد : فهوّمت عيناي ، فرأيت كفّا في منامي خرجت من قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عاقدة على ثلاث وستين ، وسمعت قائلاً يقول : يا أموي ، يا شقي ، « أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً » .
قال : فما مرّ بمروان إلاّ ثلاث حتى مات .
* * *
مناقب إسحاق العدل : أنّه كان في خلافة هشام خطيب يلعن أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر ، فخرجت كفّ من قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله يرى الكفّ ، ولا يرى الذراع ، عاقدة على ثلاث وستين ، وإذا كلام من قبر النبي صلى الله عليه و آله : ويلك من أموي ، « أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً » ، وألقت ما فيها وإذا دخان أزرق .
قال : فما نزل عن منبره إلاّ وهو أعمى يقاد .
قال : وما مضت له إلاّ ثلاثة أيام حتى مات(1) .
* * *
وروى علماء واسط : أنّه لمّا رفعوا اللعائن جعل خطيب واسط يلعن ، فإذا هو بثور عبر الشطّ ، وشقّ السور ، ودخل المدينة ، وأتى الجامع ، وصعد المنبر ، ونطح الخطيب فقتله بها ، وغاب عن أعين الناس ، فشدّوا الباب الذي دخل منه ، وأثره ظاهر ، وسمّوه « باب الثور » .
ص: 485
وقال هاشمي : رأيت رجلاً بالشام قد إسودّ نصف وجهه ، وهو يغطّيه ، فسألته عن سبب ذلك ، فقال : نعم ، قد جعلت عليّ أن لا يسألني أحد عن ذلك إلاّ أخبرته :
كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، كثير الذكر له بالمكروه ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آت في منامي ، فقال : أنت صاحب الوقيعة في علي عليه السلام ، فضرب شقّ وجهي ، فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى(1) .
* * *
شمر بن عطية قال : كان أبي ينال من علي عليه السلام ، فأُتي في المنام ، فقيل له : أنت السابّ عليا ؟ فحنق حتى أحدث في فراشه ، ثلاث ليال(2) .
* * *
وكان بالمدينة رجل ناصبي ، ثم تشيّع بعد ذلك ، فسئل عن السبب في ذلك ، فقال : رأيت في منامي عليا عليه السلام يقول لي : لو حضرت صفين مع من كنت تقاتل ؟
فأطرقت أفكر ، فقال عليه السلام : يا خسيس ، هذه مسألة تحتاج إلى هذا الفكر العظيم ، اصفعوا قفاه ، فصفعت حتى إنتبهت وقد ورم قفاي ، فرجعت عمّا كنت عليه .
* * *
ص: 486
أبو جعفر المنصور : كان قاص إذا فرغ من قصصه ذكر عليا عليه السلامفشتمه ، فبينما هو كذلك إذ ترك ذلك ، فسئل عن سببه .
فقال : واللّه ، لا أذكر له شتيمة أبدا ، بينا أنا نائم والناس قد جمعوا ، فيأتون النبي صلى الله عليه و آله ، فيقول لرجل : إسقهم ، حتى وردت على النبي صلى الله عليه و آله ، فقال له : اسقه ، فطردني ، فشكوت ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : اسقه ، فسقاني قطرانا ، وأصبحت وأنا أتجشأه وأبوله(1) .
الأعمش : أنّه حدّثه المنصور : وقع عمامة رجل فإذا رأسه رأس خنزير ، فسأله عن قصّته ، فقال : كنت مؤذّنا ثلاثين سنة ، وكنت ألعن عليا بين الأذان والإقامة مائة مرّة ، كلّ يوم خمسمائة مرّة ، ولعنته ليلة الجمعة ألف لعنة .
فبينما أنا نائم ، وقد لحقني العطش ، فإذا أنا برسول اللّه وعلي والحسن والحسين عليهم السلام ، فقلت للحسنين : إسقياني ، فلم يكلّماني ، فدنوت من علي عليه السلام ، فقلت : يا أبا الحسن ، إسقني ، فلم يسقني ، ولم يكلّمني ، فدنوت من النبي صلى الله عليه و آله ، فقلت : إسقني ، فرفع رأسه ، فبصر بي وقال : أنت اللاعن عليا عليه السلام في كلّ يوم خمسمائة مرّة ، وقد لعنته البارحة ألف مرّة ؟! فلم أحر إليه جوابا ، فتفل في وجهي وقال : إخس ء يا خنزير ، فواللّه ما أصبحت إلاّ وجهي ورأسي كخنزير(2) .
ص: 487
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام : كان إبراهيم بن هاشم المخزومي
واليا على المدينة ، وكان يجمعنا كلّ يوم جمعة قريبا من المنبر ويشتم عليا عليه السلام ، فلصقت بالمنبر فأغفيت ، ورأيت القبر قد إنفرج وخرج منه رجل عليه ثياب بيض ، فقال لي : يا أبا عبد اللّه ، ألا يحزنك ما يقول هذا ؟ قلت : بلى واللّه ، قال : إفتح عينيك ، انظر ما يصنع اللّه به ، وإذا هو قد ذكر عليا عليه السلام ، فرمى به من فوق المنبر فمات(1) .
* * *
عثمان بن عفان السجستاني : إنّ محمد بن عباد قال : كان في جواري صالح ، فرأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه على شفير الحوض ، والحسن والحسين عليهماالسلام
يسقيان الأمّة ، فاستسقيت أنا ، فأبيا عليّ ، فأتيت النبي صلى الله عليه و آله أسأله ، فقال : لا تسقوه ، فإنّ في جوارك رجلاً يلعن عليا عليه السلام فلم تمنعه ، فدفع إليّ سكينا وقال : اذهب فاذبحه .
قال : فخرجت وذبحته ، ودفعت السكين إليه ، فقال : يا حسين ، إسقه ، فسقاني ، وأخذت الكأس بيدي ، ولا أدري أشربت أم لا .
فانتبهت ، وإذا بولولة ، ويقولون : فلان ذبح على فراشه ، وأخذ الشرط الجيران ، فقمت إلى الأمير ، فقلت : أصلحك اللّه ، هذا أنا فعلته ، والقوم براء ، وقصصت عليه الرؤيا ، فقال : إذهب جزاك اللّه خيرا(2) .
ص: 488
عبد اللّه بن السائب وكثير بن الصلت قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سبّ أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه ، فأغفيت ، فإذا أنا بشخص طويل العنق ، أهدل(1) ، أهدب(2) ، قد سدّ ما بين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت ؟
قال : أنا النقّاد ذو الرقبة ، طاعون بعثت إلى زياد ، فانتبهت فزعا ، فسمعنا الواعية عليه ، وأنشأت :
قد جشّم الناس أمرا ضاق ذرعهم
بحملهم حين أداهم إلى الرحبه
يدعوا على ناصر الإسلام داءا
له على المشركين الطول والغلبه
ما كان منتهيا عمّا أراد به
حتى تناوله النقّاد ذو الرقبه
فأسقط الشقّ منه ضربة عجبا
كما تناول ظلما صاحب الرحبه(3)
* * *
وكان مجنون يتشيّع ، والصبيان يرمونه بالحجارة ، فصعد يوم جمعة المنبر ، فقال :
نواصب قد لاموا عليّ سفاهة
بحبّ علي أمّ من لام زانيه
فإن تركوا لومي تركت هجاهم
وإن شتموا عرضي شتمت معاويه
ص: 489
ص: 490
ص: 491
ص: 492
أحاديث علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة ، ومجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ السماء والأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا(1) ، وإنّها لتبكي على العالم إذا مات أربعين شهرا ، وإنّ السماء والأرض ليبكيان عليك - يا علي - إذا قتلت أربعين سنة .
قال ابن عباس : لقد قتل أمير المؤمنين عليه السلام على الأرض بالكوفة ، فأمطرت السماء ثلاثة أيام دما .
أبو حمزة عن الصادق عليه السلام وقد روي أيضا عن سعيد بن المسيب : أنّه لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط(2) .
ص: 493
أربعين الخطيب وتاريخ النسوي : أنّه سأل عبد الملك بن مروان الزهري : ما كانت علامة يوم قتل علي عليه السلام ؟ قال : ما رفع حصاة من بيت المقدس إلاّ كان تحتها دم عبيط(1) .
ولمّا ضرب عليه السلام في المسجد سمع صوت : للّه الحكم لا لك - يا علي - ولا لأصحابك .
فلمّا توفي سمع في داره : « أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ » الآية .
ثم هتف هاتف آخر : مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومات أبوكم .
الصفواني في الإحن والمحن ، والكليني في الكافي : أنّه لمّا توفي أمير المؤمنين عليه السلام جاء شيخ يبكي وهو يقول : اليوم انقطعت علاّقة النبوة ، حتى وقف بباب البيت الذي فيه أمير المؤمنين
عليه السلام ، فأخذ بعضادتي الباب ، فقال :
رحمك اللّه ، فلقد كنت أوّل الناس إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدّهم يقينا، وأخوفهم من اللّه، وأطوعهم لنبي اللّه، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم
ص: 494
مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأشبههم به خلقا وخلقا وسيماءا وفضلاً .
وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم طودا ، وأقلّهم كلاما ، وأصوبهم منطقا، وأشجعهم قلبا ، وأحسنهم عملاً ، وأقواهم يقينا ، حفظت ما ضيّعوا، ورعيت ما أهملوا ، وشمّرت إذ اجتمعوا ، وعلوت إذ هلعوا ، ووقفت إذ شرعوا ، وأدركت أوتار ما ظلموا .
كنت على الكافرين عذابا واصبا ، وللمؤمنين كهفا وحصنا ، كنت كالجبل الراسخ لا تحرّكك العواصف ، كنت للطفل كالأب الشفيق ، وللأرامل كالبعل العطوف .
قسمت بالسويّة ، وعدلت في الرعية ، وأطفأت النيران ، وكسرت الأصنام ، وأذللت الأوثان ، وعبدت الرحمن . . في كلام له كثير .
فالتفتوا فلم يروا أحدا ، فسئل الحسن عليه السلام : من كان الرجل ؟
قال : الخضر(1) عليه السلام .
وفي أخبار الطالبيين : إنّ الروم أسروا قوما من المسلمين ، فأتى بهم إلى الملك ، فعرض عليهم الكفر فأبوا ، فأمر بإلقائهم في الزيت المغلي ، وأطلق منهم رجلاً يخبر بحالهم .
فبينما هو يسير ، إذ سمع وقع حوافر الخيل ، فوقف فنظر إلى أصحابه
ص: 495
الذين ألقوا في الزيت ، فقال لهم في ذلك ، فقالوا : قد كان ذلك ، فنادى مناد من السماء في شهداء البرّ والبحر : إنّ علي بن أبي طالب قد استشهد في هذه الليلة ، فصلّوا عليه ، فصلّينا عليه ، ونحن راجعون إلى مصارعنا .
أبو زرعة الرازي بإسناده عن منصور بن عمار : أنّه سئل عن أعجب ما رآه ، قال : ترى هذه الصخرة في وسط البحر ! يخرج من هذا البحر كلّ يوم طائر مثل النعامة ، فيقع عليها ، فإذا استوى واقفا تقيّأ رأسا ، ثم تقيّأ يدا ، وكذا عضوا عضوا ، ثم تلتئم الأعضاء بعضها إلى بعض حتى يستوي إنسانا قاعدا ، ثم يهمّ للقيام ، فإذا همّ للقيام نقره نقرة فأخذ رأسه ، ثم أخذه عضوا عضوا كما قائه .
قال : فلمّا طال عليّ ذلك ناديته يوما : ويك ، من أنت ؟ ثم التفت إليّ ، وقال هاتف : هو عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب ، وكّل اللّه به هذا الطير ، فهو يعذّبه إلى يوم القيامة ، وزعم أنّهم يسمعون العواء من قبره(1) .
وأخذ المسترشد من مال الحائر وكربلا والنجف ، وقال : إنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة ، وأنفق على العسكر ، فلمّا خرج قتل هو وابنه الراشد .
ص: 496
وسأل أبو مسكان الصادق عليه السلام عن القائم المائل في طريق الغري ؟ فقال : نعم ، إنّهم لمّا جاؤوا بسرير أمير المؤمنين عليه السلام إنحنى أسفا وحزنا على أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
وفي المنارة إذ حنّت عليك فما
لت آية حار منها كلّ معجب
* * *
قال الغزالي : ذهب الناس إلى أنّ عليا عليه السلام دفن على النجف ، وأنّهم حملوه على الناقة ، فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره فبركت ، فجهدوا أن تنهض فلم تنهض ، فدفنوه فيه(2) .
أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري قال : أوصى علي عليه السلام
عند موته للحسن والحسين عليهماالسلام وقال لهما : إن أنا متّ ، فإنّكما ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنّة ، وثلاثة أكفان من إستبرق الجنّة ، فغسّلوني ، وحنّطوني بالحنوط ، وكفّنوني .
قال الحسن عليه السلام : فوجدنا عند رأسه طبقا من الذهب عليه خمس شمّامات من كافور الجنّة ، وسدرا من سدر الجنّة .
ص: 497
فلمّا فرغوا من غسله وتكفينه أتى البعير ، فحملوه على البعير بوصية منه ، وكان قال : فسيأتي البعير إلى قبري ، فيقف عنده ، فأتى البعير حتى وقف على شفير القبر ، فواللّه ما علم أحد من حفره ، فأُلحد فيه بعد ما صلّي عليه ، وأظلّت الناس غمامة بيضاء وطيور بيض ، فلمّا دفن ذهبت الغمامة والطيور(1) .
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما جاء في تهذيب الأحكام عن سعد الإسكاف قال : حدّثني أبو عبد اللّه عليه السلام قال :
لمّا أصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين عليهماالسلام : غسّلاني وكفّناني وحنّطاني ، واحملاني على سريري ، واحملا مؤخّره تكفيان مقدّمه ، فإنّكما تنتهيان إلى قبر محفور ، ولحد ملحود ، ولبن موضوع ، فالحداني ، واشرجا اللبن عليّ ، وارفعا لبنة ممّا يلي رأسي ، فانظروا ما تسمعان(2) .
وعن منصور بن محمد بن عيسى عن أبيه عن جدّه زيد بن علي عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي في خبر طويل يذكر فيه :
أوصيكما وصيّة ، فلا تظهرا على أمري أحدا ، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا ، وأن يكفّناه فيما يجدان ، فإذا غسّلاه وضعاه على
ص: 498
ذلك اللوح ، وإذا وجدا السرير يشال مقدّمه يشيلان مؤخّره ، وأن يصلّي الحسن عليه السلام مرّة ، والحسين عليه السلام مرّة صلاة إمام ، ففعلا كما رسم ، فوجدا اللوح وعليه مكتوب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما ذخره نوح النبي - صلّى اللّه عليه - لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط قد أضاء نوره على نور النهار(2) .
وروي أنّه قال الحسين عليه السلام وقت الغسل :
أما ترى إلى خفّة أمير المؤمنين عليه السلام ! فقال الحسن : يا أبا عبد اللّه ، إنّ معنا قوما يعينوننا .
فلمّا قضيا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدّم السرير ، ولم نزل نتبعه إلى أن وردنا إلى الغري ، فأتينا إلى قبر على ما وصف أمير المؤمنين عليه السلام ، ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة ، وضجّة وجلبة ، فوضعنا السرير وصلّينا على أمير المؤمنين عليه السلام كما وصف لنا ، ونزلنا قبره ، فاضجعناه في لحده ، ونضدنا عليه اللبن .
وفي الخبر عن الصادق عليه السلام : فأخذ اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن ، فإذا ليس في القبر شيء ، وإذا هاتف يهتف :
أمير المؤمنين كان عبدا صالحا ، فألحقه اللّه بنبيه ، وكذلك يفعل الأوصياء
ص: 499
بعد الأنبياء ، حتى لو أنّ نبيا مات بالمشرق ، ومات وصيّه بالمغرب ، لألحق الوصيّ بالنبيّ(1) .
وفي خبر عن أم كلثوم بنت علي عليه السلام : فانشق القبر عن ضريح ، فإذا هو
بساجة مكتوب عليها بالسريانية : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا قبر حفره نوح لعلي بن أبي طالب وصيّ محمد قبل الطوفان بسبعمائة سنة » ، فانشق القبر فلا ندر ي [ اندس أبي في القبر أم أسري به الى السماء (2)] .
* * *
سلام على قبر تضمّن حيدرا
ونوحا وعنهم آدم غير غائب
* * *
وعنها رضي اللّه عنها : أنّه لمّا دفن عليه السلام سمع ناطق يقول : أحسن اللّه لكم العزاء في سيّدكم وحجّة اللّه على خلقه(3) .
التهذيب في خبر : أنّه نفذ إسماعيل بن عيسى غلاما له أسود شديد البأس يعرف ب-« الجمل » في ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائة في جماعة ، وقال : امضوا إلى هذا القبر الذي قد إفتتن به الناس ، ويقولون :
ص: 500
أنّه قبر علي حتى تنبشون إلى قعره ، فحفروا حتى نزلوا خمسة أذرع ، فبلغوا إلى موضع صلب عجزوا عنه ، فنزل الحبشي ، فضرب ضربة سمع طنينها في البرّ ، ثم ضرب ثانية وثالثة ، ثم صاح صيحة ، وجعل يستغيث ، فأخرجوه بالحبل ، فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى ترقوته دم ، فحملوه على البغل ، ولم يزل ينتشر من عضده وسائر شقّه الأيمن .
فرجعوا إلى العباسي ، فلمّا رآه إلتفت إلى القبلة ، وتاب من فعله وتبرّأ ، ومات الغلام من وقته ، وركب في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر ، فسأله أن يعمل على القبر صندوقا .
قال أبو جعفر الطوسي : حدّثني أبو الحسن محمد بن تمام الكوفي قال : حدّثني أبو الحسن بن الحجاج قال :
رأينا هذا الصندوق ، وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد(1) .
وفي الأمالي : أنّه خرج بعض الخلفاء يتصيّد في ناحية الغريّين والثويّة ، وأرسل الكلاب ، فلجأت الظباء إلى أكمة ، ورجعت الكلاب ، ثم إنّ الطباء هبطت منها ، وصنعت الكلاب مثل الأول .
فسأل شيخا من بني أسد ، فقال : إنّ فيها قبر علي بن أبي طالب عليهماالسلام جعله اللّه حرما لا يأوي إليه شيء إلاّ أمن(2) .
ص: 501
ومن ذلك تسخير الجماعة إضطرارا لنقل فضائله مع ما فيها من الحجّة عليهم ، حتى إن أنكره واحد ردّ عليه صاحبه ، وقال : هذا في التواريخ والصحاح والسنن والجوامع والسير والتفاسير ممّا أجمعوا على صحّته ، فإن لم يكن في واحد يكن في آخر .
ومن جملة ذلك ما أجمعوا عليه ، أو روى مناقبه خلق كثير منهم حتى صار علما ضروريا .
كما صنّف :
ابن جرير الطبري كتاب الغدير .
وابن شاهين كتاب المناقب ، وكتاب فضائل فاطمة عليهاالسلام .
ويعقوب بن شيبة تفضيل الحسن والحسين عليهماالسلام ، ومسند أمير المؤمنين عليه السلام
وأخباره وفضائله .
والجاحظ كتاب العلوي ، وكتاب فضل بني هاشم على بني أمية .
وأبو نعيم الأصفهاني منقبة المطهّرين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، وما نزل في القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام .
وأبو المحاسن الروياني الجعفريات .
والموفّق المكّي كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ، وكتاب ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام .
ص: 502
وأبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي كتاب نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السلام .
وأبو صالح عبد الملك المؤذّن كتاب الأربعين في فضائل الزهراء عليهاالسلام .
وأحمد بن حنبل مسند أهل البيت عليهم السلام ، وفضائل الصحابة .
وأبو عبد اللّه محمد بن أحمد النطنزي الخصائص العلوية على سائر البريّة .
وابن المغازلي كتاب المناقب .
وأبو القاسم البستي كتاب المراتب .
وأبو عبد اللّه البصري كتاب الدرجات .
والخطيب أبو تراب كتاب الحدائق .
مع الكتمان والميل ، وذلك خرق العادة شهد بفضائله معادوه ، وأقرّ بمناقبه جاحدوه .
قال الشاعر :
شهد الأنام بفضله حتى العدا
والفضل ماشهدت به الأعداء
* * *
وقال آخر :
يروي مناقبهم لنا أعداؤهم
لا فضل إلاّ ما رواه حسود
* * *
ص: 503
ومن جملة ذلك كثرة مناقبه مع ما كانوا يدفنونها ويتوعّدون على روايتها .
روى مسلم والبخاري وابن بطّة والنطنزي عن عائشة في حديثها بمرض النبي صلى الله عليه و آله : فقالت في جملة ذلك :
فخرج النبي صلى الله عليه و آله بين رجلين من أهل بيته ، أحدهما الفضل ورجل آخر ، يخطّ قدماه عاصبا رأسه(1) ، تعني عليا عليه السلام .
وقال معاوية لابن عباس : إنّا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي ، فكفّ لسانك .
قال : أفتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال : لا ، قال : أفتنهانا عن تأويله ؟ قال : نعم ، قال : أفنقرأه ولا نسأل ! قال : سل عن غير أهل بيتك ، قال : إنّه منزل علينا ! أفنسأل غيرنا ، أتنهانا أن نعبد اللّه ، فإذا تهلك الأمّة ، قال : إقرؤا ولا ترووا ما أنزل اللّه فيكم ، « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ » .
ثم نادى معاوية : أن برئت الذمّة ممّن روى حديثا من مناقب علي(2) .
حتى قال عبد اللّه بن شداد الليثي : وددت أنّي أترك أن أحدّث بفضائل علي بن أبي طالب عليهماالسلام يوما إلى الليل ، وأنّ عنقي ضربت(3) .
ص: 504
فكان المحدّث يحدّث بحديث في الفقه ، أو يأتي بحديث المبارزة ، فيقول : قال رجل من قريش .
وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول : حدّثني رجل من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وكان الحسن البصري يقول : قال أبو زينب(1) .
وسئل ابن جبير عن حامل اللواء ، فقال : كأنّك رخي البال(2) .
وقال الشعبي : لقد كنت أسمع خطباء بني أمية يسبّون عليا عليه السلام على منابرهم ، فكأنّما يشال بضبعة إلى السماء ، وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم يكشفون عن جيفة(3) .
ورأى أعرابية في مسجد الكوفة تقول : يا مشهورا في السماوات ، ويا مشهورا في الأرضين ، ويا مشهورا في الآخرة جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك ، وإخماد ذكرك ، فأبى اللّه لذكرك إلاّ علوّا ، ولنورك إلاّ ضياء ونماء ، ولو كره المشركون .
قيل : لمن تصفين ؟
قالت : ذاك أمير المؤمنين ، فالتفت فلم ير أحدا(4) .
* * *
ص: 505
ابن نباتة :
نشرت حيلة قريش فزادته
إلى صيحة القيامة فتلا(1)
* * *
ومن ذلك ما طبقت الأرض بالمشاهد لأولاده ، وفشت المنامات من مناقبه ، فيبرئ الزمنى ، ويفرج المبتلى ، وما سمع هذا لغيره عليه السلام .
ص: 506
باب 4 : ما تفرّد من مناقبه عليه السلام
فصل 1 : في منزلته عند الميزان والكتاب والحساب ونحوها
( 7 - 18 )
الآيات··· 9
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ··· 9
فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ··· 9
فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ··· 10
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ··· 10
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤ'c7دَ . .كانَ عَنْهُ مَسْؤلاً··· 12
فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ··· 13
إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ··· 15
فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ··· 16
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . .··· 16
أخبار أمير المؤمنين في الجنّة··· 17
ص: 507
فصل 2 : في أ نّه جواز الصراط وقسيم الجنّة والنار
( 19 - 34 )
الآيات··· 21
فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ··· 21
يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ··· 22
جواز الصراط ولاية علي عليه السلام··· 23
قسيم الجنّة والنار··· 24
عنده صحيفة فيها أسماء أهل الجنّة وأهل النار··· 31
استلام مفاتح الجنّة والنار··· 32
حلقة باب الجنّة··· 33
فصل 3 : في أ نّه الساقي والشفيع
( 35 - 50 )
الساقي على حوض الكوثر··· 37
وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ··· 39
الشفيع يوم المحشر··· 43
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ··· 43
الشفعاء خمسة··· 43
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى··· 44
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً··· 44
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ··· 44
نقش خاتم الصاحب··· 45
ص: 508
فصل 4 : في القرابة
( 51 - 60 )
الآيات··· 53
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ··· 53
وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ··· 53
وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ··· 53
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا··· 54
خصائصه في القرابة··· 55
هاشمي من هاشميين··· 55
ابن عمّ النبي صلى الله عليه و آله··· 55
ابن النبي صلى الله عليه و آله··· 55
ابناه ابنا النبي صلى الله عليه و آله··· 56
خصائص ليست لأحد غيره··· 57
شعره في المفاخرة··· 58
مفاخرته عند عمر··· 59
النتيجة··· 60
فصل 5 : في آثار حمله وكيفية ولادته
( 61 - 72 )
خطبة أبي طالب في نكاح فاطمة بنت أسد··· 63
الليلة التي علقت به أمّه عليه السلام··· 64
ص: 509
ولادته عليه السلام··· 65
ولادته في الكعبة··· 66
خروجها من الكعبة ومراسيم بعد الولادة··· 68
تسميته عليه السلام··· 69
موضع ولادته في الكعبة··· 70
النتيجة··· 70
فصل 6 : في الطهارة والرتبة
( 73 - 86 )
الآيات··· 75
إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ··· 75
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ··· 75
إنّه معصوم لم يشرك قطّ وبايع النبي في صغره··· 77
لم يشرب الخمر قطّ ولم يأكل ما حرّم اللّه ··· 80
لم يأتي بفاحشة قطّ··· 81
تربّى في حجر النبي صلى الله عليه و آله··· 82
خطبته في هذا الشأن··· 84
من خطبته القاصعة··· 84
النتيجة··· 85
ص: 510
فصل 7 : في المصاهرة مع النبي
صلى الله عليه و آله
( 87 - 96 )
الآيات··· 89
فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً··· 89
لولا علي عليه السلام لما كان لفاطمة عليهاالسلام كفو··· 90
فضله عليه السلام على الثلاثة في المصاهرة··· 92
مهر فاطمة عليهاالسلام··· 93
فصل 8 : في الأُخوة
( 97 - 112 )
حديث المؤاخاة··· 99
وارث النبي صلى الله عليه و آله··· 105
النتيجة··· 109
فصل 9 : في الجوار حديث سدّ الأبواب
( 113 - 124 )
معترضون على سدّ الأبواب··· 116
موضع بيته عليه السلام··· 117
لا يجنب في المسجد إلاّ النبي وعلي عليهماالسلام··· 122
النتيجة··· 124
ص: 511
فصل 10 : في الأولاد
( 125 - 136 )
الآيات··· 127
وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ··· 127
إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ··· 127
خصائص ذريّته··· 128
منزلتهم عند الناس··· 128
تبرك عمر بذريّته··· 129
أعرف الناس نسبا وأخصّهم فضلاً··· 129
شرف التزويج فيهم··· 130
في الحساب··· 131
لا يوجد في أولاد الصحابة مثل أولاده··· 131
فصل 11 : في المشاهد
( 137 - 144 )
بعض مشاهد أمير المؤمنين عليه السلام··· 140
مشاهد أولاده··· 141
فصل 12 : في ظلامة أهل البيت عليهم السلام
( 145 - 162 )
وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً··· 147
ص: 512
خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في التظلّم··· 147
اللّهم إنّي استعديك على قريش··· 152
الخطبة الشقشقية··· 152
تظلّم الزهراء عليهاالسلام··· 156
كلامها عليهاالسلام مع أم سلمة··· 156
كلامها عليهاالسلام مع الأوّل··· 157
كلامها عليهاالسلام مع الأنصار··· 157
نصبر منكم على مثل حزّ المدى··· 160
تظلّمها عند أمير المؤمنين عليه السلام··· 161
أبيات لها عليهاالسلام ترثي أباها صلى الله عليه و آله··· 162
فصل 13 : في مصائب أهل البيت عليهم السلام
( 163 - 178 )
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ··· 165
إخبار النبي صلى الله عليه و آله ببعض المصائب··· 165
غصب الخمس··· 167
النتيجة··· 167
صور من الظلم الكثير··· 169
فصل 14 : في الإختصاص بالنبي صلى الله عليه و آله
( 179 - 212 )
نفس النبي صلى الله عليه و آله··· 181
ص: 513
فيما اختصّه به··· 185
النتيجة··· 188
تحنّنه··· 189
منزلته من النبي صلى الله عليه و آله··· 189
تقبيله··· 189
مسح العرق عن وجهه··· 190
يلقمه الموز··· 190
تمريضه··· 191
الاشتياق له··· 192
يدخل عليكم رجل من أهل الجنّة··· 193
اللّهم لا تمتني حتى تريني عليا··· 193
اللّهم لا تدعني فردا··· 194
من إنشائه الأسرار عليه··· 196
صاحب سرّه··· 196
مناجاته··· 196
دفاع النبي عن مناجاته··· 198
ما اختصّه به عند وفاته··· 200
سالت نفسه في كفّ أمير المؤمنين··· 200
مناجاته عند الوفاة··· 201
مقاسمته حنوط الجنّة··· 201
جعله لمصالح حرمه··· 203
كشف فرية عائشة··· 203
ص: 514
وقعة أحد··· 204
دعاؤه له··· 205
النتيجة··· 206
كاتب الوحي والعهد··· 206
له عليه السلام من النبي صلى الله عليه و آله ساعة لم تكن لغيره··· 206
رخصّ لعلي عليه السلام ما لم يرخّص لغيره··· 208
ذخيرة النبي صلى الله عليه و آله للمهمّات··· 210
عيبة سرّه صلى الله عليه و آله··· 211
أعطاه جميع سلاحه وحبوته··· 212
باب 5
ذكره عند الخالق وعند المخلوقين
فصل 1 : في تحف اللّه - عزّ وجلّ - له
( 215 - 226 )
تحفة السلام من اللّه ··· 217
قميص هارون هدية من للّه ··· 217
فرس بسرجه ولجمه هدية من اللّه ··· 218
تفاحة هدية من الطالب الغالب··· 218
أترجة هدية من الطالب الغالب··· 219
جام من فضّة نزل من السماء··· 219
ص: 515
لوزة من السماء هدية لخاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله··· 220
رمّانة لا يذوقها إلاّ نبي أو وصي··· 220
عنقود عنب هدية من اللّه ··· 222
جارية خلقها اللّه لعلي عليه السلام في الجنّة··· 224
إشتراء الحبّ من جبرئيل··· 224
فصل 2 : في محبّة الملائكة إياه
( 227 - 254 )
صور أمير المؤمنين عليه السلام في السماء··· 229
أهل السماء أشدّ معرفة له عليه السلام من أهل الأرض··· 232
هروب إبليس منه عليه السلام يوم بدر··· 232
معرفة عزرائيل بأمير المؤمنين عليه السلام··· 233
وصول برد إيمانه عليه السلام الى قلب جبرئيل··· 234
إعانة الملائكة له عليه السلام في الحرب والقتال··· 234
قول جبرئيل له إنّك أحقّ بابن عمّك منّي··· 237
جبرئيل يسمعه الأذان··· 238
إذا برز للقتال حفّت به الملائكة··· 239
جبرئيل وميكائيل يقاتلان نيابة عنه عليه السلام··· 239
الملائكة يعينونه وينصرونه في الحروب··· 240
جبرئيل يأخذ بيده··· 242
لم يقاتل حتى تنزل الملائكة··· 242
ص: 516
ملكا يقاتل على صورة علي عليه السلام··· 243
سلام الملائكة عليه عليه السلام··· 245
الملائكة تخدمه في الوضوء··· 248
مواضع مشاهدته عليه السلام جبرئيل على صورة دحية··· 250
خدمه عليه السلام جبرئيل في عدّة مواضع··· 251
النتيجة··· 253
فصل 3 : في مقاماته مع الأنبياء والأوصياء
( 255 - 262 )
كلامه مع وصي موسى··· 257
كلامه مع شمعون··· 257
كلامه مع الخضر··· 258
دفاع النبي صلى الله عليه و آله بعد وفاته عنه عليه السلام··· 261
النتيجة··· 262
فصل 4 : في أحواله عليه السلام مع إبليس وجنوده
( 263 - 276 )
عجب إبليس ممّن يسبّ عليا عليه السلام··· 265
مصارعته عليه السلام مع إبليس··· 265
أعانته الملائكة على إبليس··· 268
منع إبليس من طعام الجنّة··· 269
ص: 517
توبيخ إبليس عند تجهيز النبي··· 271
استخلافه رجلاً من الجنّ··· 272
نصيحة إبليس للصوفي··· 272
هاتف يهدي خيثمة التميمي··· 273
أبيات لإبليس في أهل العباء··· 274
النتيجة··· 275
فصل 5 : في ذكره عليه السلام في الكتب
( 277 - 288 )
بعث الرسل بنبوة محمد ووصيّه علي عليهماالسلام··· 279
فضل علي عليه السلام في التوراة··· 280
بشائر أبي طالب بولادته عليهماالسلام··· 280
ذكره في كتاب شمعون الصفا··· 282
ذكره في كتاب من أملاء المسيح··· 283
اسمه في كتاب اليهود « إليا »··· 284
كثرة المبشرون به··· 285
النتيجة··· 287
فصل 6 : في إخباره عليه السلام بالغيب
( 289 - 318 )
إخباره عليه السلام الجاثليق بما في قلبه وما جرى له··· 291
ص: 518
إخباره عليه السلام ابن الأفلح بموضع فرسه··· 293
تأخذ طريق الكرخة !··· 293
إخباره عليه السلام بما يجري على البيت الحرام··· 294
إخباره عليه السلام بما يجري لمعاوية··· 294
إخباره عليه السلام بما في بيت المال··· 296
إخباره عليه السلام بما في قراب سيف العدوي··· 296
معرفته عليه السلام الرجل بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق··· 297
إخباره عليه السلام رسول عائشة بكلّ ما جرى بينهما··· 298
إخباره عليه السلام بنية الرجل الذي بعثه معاوية ليغتاله··· 299
إخباره عليه السلام بالقوم الذين بايعوا الضبّ··· 300
إخباره عليه السلام بمصير أبي موسى الأشعري··· 301
إخباره عليه السلام برجوع من شذّ عنه في طريق الكوفة··· 301
إخباره عليه السلام بمسير ومصير طلحة والزبير··· 302
إخباره عليه السلام الثقفية بمن أخفتهم في البيوت··· 302
إستنصاره عليه السلام بالحجّة المنتظر··· 303
إخباره عليه السلام بمصير الأشعث بن قيس··· 304
إخباره عليه السلام بعدد المقتولين في النهروان··· 305
إخباره عليه السلام ببناء مدينة بغداد··· 305
إخباره عليه السلام بمصير ابن أبي الدنيا··· 306
إخباره عليه السلام بما يخصّ براثا··· 307
إخباره عليه السلام بما جرى للرجل الذي أراد الزواج بأمّه··· 310
ص: 519
إخباره عليه السلام المرأة التي لعنته أنّها سلقلقية··· 311
إخباره عليه السلام بالعيون التي تظلمه··· 313
إخباره عليه السلام الأسقف بالشامة التي بين كتفيه··· 314
إخباره عليه السلام بفتح البصرة والمدد القادم من الكوفة··· 315
سبب مجيء أويس في صفين··· 315
إخباره عليه السلام عمّا جرى في النهروان··· 315
إخباره عليه السلام حجر أنّه سيعرض عليه سبّه والبراءة منه··· 316
إخباره عليه السلام الرجل الذي مدحه بما في نفسه··· 317
فصل 7 : في إخباره بالمنايا والبلايا والأعمار
( 319 - 340 )
علّم رشيد الهجري علم البلايا··· 321
إخباره عن قتل الحسين عليه السلام··· 321
إخباره عليه السلام أنّ عمر بن سعد سيقتل الحسين عليه السلام··· 321
إخباره أنّ ابن عرفطة لم يمت وسيحمل رايته ابن جماز لقتال الحسين عليه السلام··· 322
إخباره أنّ الحسين عليه السلام يقتل قبل أن يقضي الحجّ··· 323
إخباره عليه السلام البراء أنّه سيخذل الحسين عليه السلام··· 324
إخباره بمصرع الحسين عليه السلام في مسيره الى صفين··· 324
إخباره بشهادته عليه السلام··· 325
إخباره عليه السلام بقتل جماعة··· 326
إخباره بقتل مذرع··· 327
ص: 520
إخباره بمقتل حجر وأصحابه··· 327
إخباره بالفتن من بعده··· 327
إخباره بتسلّط معاوية على أهل الكوفة··· 328
إخباره بتسلّط الحجّاج على أهل البصرة··· 328
إخباره بخروج الترك والزنج··· 329
الخطبة اللؤلؤية··· 329
الخطبة الغراء··· 330
خطبة الأقاليم··· 331
خطبة القصيّة··· 331
خطبة الملاحم المعروفة بالزهراء··· 332
خطبة له سمّى فيها ملوك بني أمية··· 334
إخباره عن خراب البلدان··· 335
إخباره خولة الحنفيّة بما جرى لها منذ حملها··· 337
النتيجة··· 339
فصل 8 : في إجابة دعواته
( 341 - 360 )
لا تتعرّضوا لدعوة علي عليه السلام··· 343
دعاؤه على طلحة والزبير··· 343
دعاؤه على من كذّبه بالعمى··· 343
دعاؤه على أنس والبراء والأشعث وخالد··· 344
ص: 521
دعاؤه على بشر بن أرطاة··· 345
دعاؤه على رجل في غزاة بني زبيد··· 346
دعاؤه على من كذب عليه··· 346
دعاؤه على جدّ أبي العيناء··· 346
دعاؤه على وابصة بن معبد··· 347
دعاؤه على ولد العباس بالشتات··· 347
دعاؤه على دار سقطت عليه منها قطعة فشجّته··· 347
قال لرجل ردّ حكمه إخسأ يا كلب فصار كلبا··· 348
قال لرجل هب الى سفر فصار في صورة غراب أبقع··· 348
أصاب دعاه جماعة··· 349
دعاؤه أن يريحه اللّه منهم··· 349
دعاؤه على أنس في حديث الطائر··· 350
دعاؤه لأم عبد اللّه بن جعفر··· 357
دعاؤه لشاب يبس نصفه··· 358
أعمى دعا بدعاء أمير المؤمنين عليه السلام فارتد بصيرا··· 358
دعاؤه للقدح الذي كسره الهرمزان··· 359
النتيجة··· 360
فصل 9 : في نواقض العادات منه
( 361 - 382 )
نقض العادة في قوّته وشوكته··· 363
قطع قماطه ليبصبص بإصبعه لربّه··· 363
ص: 522
قتل حيّة قصدته وهو في المهد··· 364
معلّق الميمون··· 365
كان يظهر على كلّ من يصارعه وهو طفل··· 365
صور من قوّته عليه السلام··· 366
ما ظهر منه بعد النبي صلى الله عليه و آله··· 367
أثر سيفه ورمحه··· 367
ختم الحصا··· 367
تطويق خالد بن الوليد بقطب الرحى··· 368
رفع صخرة عجز عن حملها مائة رجل··· 370
تلقّي الحائط العظيم بيساره··· 374
قوته في قلع باب خيبر··· 374
النتيجة··· 382
فصل 10 : في معجزاته في نفسه
( 383 - 396 )
في الحروب··· 385
ضربة عمرو··· 385
ضربة مرحب··· 386
مشهد البوق··· 386
رأى مكة من الدكّة في الكوفة··· 387
ص: 523
مسجد المجذاف في الرقّة··· 387
صور من معجزاته في نفسه··· 387
إنقاذه ثابت بن قيس من البئر العادية··· 389
نجاته من محاولة الاغتيال ليلة العقبة··· 390
لا يجد الحرّ والبرد لدعاء النبي صلى الله عليه و آله··· 391
قوّة الساقين الدقيقتين··· 392
انتقاله من المدينة الى المدائن لتجهيز سلمان··· 393
صور مرّت من معزاته··· 394
النتيجة··· 395
فصل 11 : في إنقياد الحيوانات له
( 397 - 422 )
إنقياد الأسود له عليه السلام··· 399
حديث الثعبان··· 401
حديث الطير··· 401
حديث الإوز··· 402
حديث الجرّي··· 403
حديث الجنّ واليهودي في الكوفة··· 404
حديث الغراب والأفعى··· 405
حديث تبليغ الجنّ··· 408
ص: 524
حديث البعير الشامي في صفين··· 411
خبر الأبل التي استصعبت على صاحبها··· 412
حديث أفيلة الجلندي··· 412
حديث الغلام الذي علّمه أمير المؤمنين عليه السلام··· 414
حديث أخذه البيعة من الجنّ··· 415
حديث الملك الذي استشفع به عليه السلام··· 415
حديث شهادة جمال اليهود وثيابهم··· 417
حديث عرض ولايته عليه السلام على الحيوانات وسائر المخلوقات··· 417
الطيور المختارة··· 419
حديث النحل وإنّه عليه السلام يعسوب المؤمنين··· 420
فصل 12 : في طاعة الجمادات له
( 423 - 460 )
حديث ردّ الشمس··· 425
نزول آيتين في ردّ الشمس··· 425
ردّ الشمس عليه مرارا··· 426
ردّ الشمس في حياة النبي صلى الله عليه و آله··· 427
ردّ الشمس بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله··· 430
ردّ الشمس للأوصياء··· 431
ردّ على شبهات من أنكر ردّ الشمس··· 433
ص: 525
كلّمت الشمس عليا عليه السلام سبع مرات··· 438
كلامه مع الشمس بأمر النبي صلى الله عليه و آله··· 438
كلّم الأرض وسكّن زلزالها··· 441
نقل عليه السلام أبا هريرة من الكوفة إلى المدينة وبالعكس بطرفة عين··· 442
كفى اللّه حارسا··· 443
قلب عليه السلام الحجر والمدر ذهبا أحمر··· 443
بنا ألان الحديد لداود··· 443
إنقياد بغلة النبي صلى الله عليه و آله . . له··· 444
نطقت الحصاة في كفّه··· 446
صياح نخل المدينة بفضل النبي وفضل الوصي عليهماالسلام··· 447
أمر أصل شجرة ميّتة فأثمرت الكمثرى··· 448
كلامه مع الشجر والمدر والثرى في اليمن··· 449
ناول أنصاريا قرصين فيهما طعوم مختلفة··· 450
حوّل قوس النبي صلى الله عليه و آله ثعبانا هاجم الثاني··· 450
أمر شجرتين فانضمتا··· 451
قلب التمر الحلو مرّا··· 452
حفظ مال وليّه من معاوية ومن اللصوص··· 452
أمر الفرات فنقص وكلّمته الأسماك··· 453
أمر البحيرة فجفّت··· 456
تصرّف أمير المؤمنين عليه السلام في معاوية وجيشه··· 456
معجزة تسليمه عليه السلام النوق التي وعده بها النبي صلى الله عليه و آله··· 457
ص: 526
فصل 13 : في أُموره مع المرضى والموتى
( 461 - 478 )
أخرج الحمى عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 463
شفاء اليتيمة من العمى والجدري··· 464
شفاء الولد وإلقاء بلاءه على أبيه··· 465
قطع يد سارق وأرجعها كما كانت··· 465
قطعت يد رجل في صفين فألصقها ثم قطعها··· 467
كلامه عليه السلام مع الجمجمة··· 468
كلامه عليه السلام مع السمكة··· 470
كلامه مع رجل رآه في ثبج من نار··· 470
كلامه مع أصحاب الكهف « حديث البساط »··· 470
كلامه مع سام بن نوح··· 474
كلامه مع ميت··· 475
النتيجة··· 477
فصل 14 : فيمن غيّر اللّه حالهم وأهلكهم ببغضه أو سبّه
( 479 - 490 )
عقاب رجل من عبس··· 481
عقاب من إستهزأ بدعاء النبي لعلي عليهماالسلام··· 481
عقاب الحارث بن عمر الفهري··· 482
عقاب من سبّ عليا عليه السلام··· 484
أبيات لمجنون كان يتشيّع··· 489
ص: 527
فصل 15 : فيما ظهر بعد وفاته
( 491 - 506 )
بكاء السماء والأرض عليه أربعين سنة··· 493
مطرت السماء دما لقتله··· 493
فاضت الأرض بالدم يوم قتله··· 493
الهواتف عند وفاته··· 494
كلام الخضر عند وفاته··· 494
صلاة شهداء البرّ والبحر عليه··· 495
عذاب قاتله وعواؤه في قبره··· 496
أخذ من مال الحائر والنجف فقتل هو وابنه··· 496
إنحناء المنارة أسفا وحزنا عليه··· 497
أخبار تجهيزه ودفنه··· 497
حديث تجهيزه ودفنه من طريق أهل البيت··· 498
ما جرى على القبر الشريف··· 500
تسخير الجماعة إضطرارا لنقل فضائله··· 502
بعض من صنّفه في فضائله من العامّة··· 502
كثرة مناقبه مع ما كانوا يدفنونها ويتوعّدون على روايتها··· 504
طبقت الأرض بمشاهد أولاده وفشت المنامات من مناقبه··· 506
الفهرست··· 507
ص: 528